تحظى قضية حقوق المرأة السعودية باهتمام بالغ على عدة مستويات، خاصة أن تباين وعي النساء في تعاملهن مع قضاياهن من واحدة إلى أخرى داخل أروقة المحاكم، ينعكس على نجاح أو فشل القضية، بحسب طريقة كل واحدة منهن. التقت "الاقتصادية" عزيزة الشمري "أم محمد" التي طرقت باب المحكمة بعدما وعت متأخرة بضياع حقوق أبنائها الذين لم يثبت والدهم هوياتهم بعد ولادتهم ضمن بطاقة عائلته، ما انعكس على تعليمهم ومراجعة المستشفيات، قائلة "لم تكن لدي معرفة سابقة بحقوقي". وأكدت أنها رفعت دعوى ضد زوجها والد أطفالها عن طريق محام، الذي ساعدها على معرفة حقوقها حتى كسبت القضية لمصلحة أبنائها، مرجعة سبب تأخرها في المطالبة بحقوقها في بداية حياتها، إلى أنها لم تكن على دراية كاملة. تحظى قضية حقوق المرأة باهتمام بالغ على عدة مستويات. «الاقتصادية» وفي نموذج آخر للمرأة المتقاضية في المحكمة، لاحظت "الاقتصادية" أن الآنسة نُهى "تحتفظ الصحيفة باسمها كاملا"، رغم امتلاكها الوعي بحقوقها القضائية والاطلاع الكافي على الأنظمة والنصوص الشرعية، إلا أنها واجهت مشكلة من نوع آخر، حيث كانت في بداية الجلسات غير مدركة لنوعية القضية، ما تسبب في خسارتها قضيتها. قالت نهى "إن ثقافة المرأة ومعرفتها القانونية لا تكفي وحدها، فقد تُقابل أحيانا بترحيب وقبول وأحيانا أخرى بالنقيض"، موضحة أن المرأة ليست فقط بحاجة إلى معرفة قانونية بحقوقها إنما هي ضرورة يلزمها أن تحصن نفسها بها. وأضافت "حتى مع ذلك قد يُهضم حقها بسبب السياق المجتمعي والنظرة إلى المرأة، لكن هذا لا يبطل المحاولة، فقد تواجه من هو بحاجة إلى من يسهم في تثقيفه، فعندما تكون حريصة على حقوقها وعالمة بالإجراءات هنا قد تكون بمعزل وحماية ذاتية، ما يقلل مدة التقاضي، التي في أحيان كثيرة تطول ليس لسبب جوهري إنما لجهل الأطراف بما عليهم ولهم فيما يخص الإجراءات، والمرأة تحتاج إلى أن تؤمن بذاتها وتبدأ في البحث لمعرفة حقوقها والوصول إليها". وأكدت أنه بغض النظر عن كونها امرأة، فالجميع باختلاف الأجناس والجنسيات بحاجة إلى اطلاع وعلم واسع بشأن الحقوق كافة. من جانبها، توقعت لـ "الاقتصادية" المستشارة القانونية المحامية بيان زهران - من واقع عملها في القضايا والمحاكم - أن تكون النسبة الفعلية للنساء السعوديات اللاتي يتمتعن بالثقافة القانونية لا تتجاوز 20 في المائة، موضحة أن غالبية النساء وحتى المتعلمات منهن لا يبحثن عن مصدر المعلومة القانونية الصحيح وربما يأخذن معلومات مغلوطة من بعضهن البعض أو من المسلسلات، "وهذا واقع رأيته من خلال تعاملي اليومي مع السيدات اللواتي تعرضن لظلم وسلب للحقوق". وقالت "المشكلة التي نعانيها نحن كمحامين لجوء صاحب المشكلة إليهم بعد تراكمات ضخمة، بحيث تلجأ السيدة متأخرة، ما يزيد تشعب القضايا، وبالتالي يطول علاجها ويكون على مراحل، بخلاف السيدة التي تلجأ إلى المشورة القانونية منذ بداية شعورها بالظلم أو قبل تعاقدها مع أي جهة أو فرد، بحيث يتم إيضاح كافة ثغرات العقد وسلبياته وإيجابياته عليها وإفهامها كافة الآثار المترتبة عليه، وبالتالي تصبح أكثر مقدرة على اتخاذ القرار السليم للحفاظ على حقوقها بحسب أهدافها من التعاقد". وحول تطبيق المرأة للمشورة القانونية بعد الحصول عليها بشكل صحيح، أشارت زهران إلى أنه في الغالب لا تأتي المرأة لطلب مشورة قانونية إلا بعد إدراكها أهمية الأمر أو تورطها أو استغلالها وإن لم تطبقها، فهي صاحبة الخيار في ذلك، لكن المستشار القانوني مؤتمن باستخدام علمه وكافة خبراته لتقديم استشارة تحفظ حقوق من لجأ إليه. في حين لم تحدد لـ "الاقتصادية" المحامية والمستشارة القانونية إيمان بنت زيد المعطش نسبة دقيقة لتمتع السيدات بالثقافة في مجال حقوقهن أو غيره، مبينة أنه يمكن القول "إن وعي المجتمع خصوصاً السيدات في تقدم، من حيث المبادرة وطلب المشورة فيما يتعرضن له من مشكلات تتعلق بشؤونهن التجارية، الشخصية، العملية وغيرها والحرص على الوعي بالمسائل القانونية قبل وقوعها من خلال التواصل مع المختصين ومتابعتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، ويعزز ذلك ما تتجه إليه الجهات الحكومية الخدمية من السعي إلى سهولة إيصال المعلومة للمجتمع وإقبالهم على تلقيها والتعامل معها"، ولم تشك المعطش أن إقبال السيدات على الاستشارات الاجتماعية يفوق إقبالهن على القانونية لعدة اعتبارات. وحول مدى تطبيق النساء المشورة القانونية بعد حصولهن عليها بشكل صحيح أم لا، أكدت المعطش أن للخطوة التالية بعد تقديم المشورة أهمية بالغة، إذ يرتكز عليها جني ثمار المشورة ولا سيما إن كانت من ذوي خبرة واختصاص، وتصرف المرأة بمفردها ممارسة خاطئة تؤجج المشكلة، مضيفة "إلا أن ما لمسناه أن المرأة حريصة على تطبيق المشورة، لأنها ما لجأت إلى طلبها إلا للسعي إلى إنهائها بأفضل الحلول السلمية". من جهتها، استبشرت لـ "الاقتصادية" المحامية والمستشارة القانونية غادة بنت عبد الله الزومان بحركة نشر الوعي الحقوقي سواء كان ذلك عبر وسائل الإعلام أو اللقاءات الحية، الأمر الذي أسهم بشكل فعال في زيادة وعي المرأة الحقوقي في المجتمع، مرجعة ذلك إلى أن مسؤولية نشر الوعي الحقوقي ما هي إلا عملية تكاملية تقع على عاتق الجميع وليس المختص فقط. وقالت "كنتيجة طبيعية لما تقدم أصبح عدد الاستشارات القانونية التي تردنا متزايدا بشكل ملحوظ، وهذا ينم عن إدراك المرأة بأهمية معرفة مالها من حقوق وما عليها من واجبات وما ذلك إلا وسيلة لتنظيم الحياة وفهمها والحماية من الوقوع في مشكلات جمة وانتهاكات بسبب الجهل بحقوقها، ونخلص إلى أن الجانب المعرفي الحقوقي لا يقل في أهميته عن الجانب الاجتماعي لدورهما المشترك في استدامة التنمية الاجتماعية والوطنية". وفيما يتعلق بمدى جدية المرأة في الأخذ بالاستشارة والعمل بها، أفادت بأنه أمر نسبي تواجهه من السيدات من يتم تسخير الوقت والجهد لها في سبيل تقديم الحلول النظامية ويتضح لها الأمر فيما بعد بتراجعها عنها وعودتها إليها، وقد أصبحت المشكلة متضاعفة، وبزيادة الوعي الحقوقي لدى المرأة تتطلع لأن يتم التغلب عن هذه الإشكالية في وقت أقرب ممكن. أما القاضي السابق المحامي أحمد الجطيلي، فأشار لـ "الاقتصادية" إلى أنه عند الوقوف أمام الثقافة الحقوقية للمرأة ودورها في التعامل مع قضيتها داخل المحكمة لا بد أن يتسلل إلى الجميع الإحساس بالشفقة عليها والتعاطف معها لجهلها على هذا النحو ولن يحملها وحدها نتيجة ذلك، حيث إنها بعدم تثقيف نفسها ووعيها لحقوقها عليها الدور الأكبر. وأوضح أنه في معترك الحياة فالمعتاد لديه أن الرجل هو الذي يخوض هذا المعترك غالبا منفردا ويحدث استغلال من قبله في كثير من الأحيان سواء بحسن نية أو بسوء نية مثلا من أخذ توقيع المرأة على أوراق دون معرفتها حقيقة هذه الأوراق أو تدخل معه شراكة مثلا دون أخذ الاحتياطات اللازمة لذلك أو التنازل في مسائل الميراث أو بأخذ قروض باسمها وغيرها، فحينما يحدث خلاف وتلجأ إلى القضاء تكون صادقة في ادعائها، لكن تأتي خالية الوفاض من البينات والإثباتات، ويتضح ذلك في عجزها عن إثبات دعواها ثم ضياع حقها، ولا يشفع لها الصدق وحده، فالقضاء يأخذ بالبينات والأوراق المعروضة عليه دون الدخول في النوايا. وبين الجطيلي أنه من خلال القضايا المعروضة في المحاكم من ضياع حقوق ومواريث بسبب جهل المرأة بحقوقها يعد تفريطا وسذاجة إن صح القول، مضيفا "إن كنا نلمس أخيرا تقدما في عصر السماوات المفتوحة من إقبالهن على تثقيف أنفسهن وطلب الاستشارات القانونية بكثرة، أما التطبيق فيرجع إلى نمط تفكيرها ومدى قوة شخصيتها وتأثير المحيطين بها". لفت الجطيلي إلى أن المرأة العادية في مجتمع تقليدي محافظ أمامها كثير من الحواجز لتتفهم أن لها مطالب وتؤمن بها كحقوق، وبالتالي تؤيدها وتطالب بها، أو تسعى إلى تحقيقها، فلو كانت التربية الحقوقية المبسطة مدخلا لنيل الحقوق بالنسبة إلى كثير من المطالب الحقوقية والمدنية للمرأة لوجدت المطالبات قبل الدعم الرسمي قاعدة اجتماعية عريضة يتكئن عليها في مطالبهن وتؤيدهن في حقوقهن لتغيرت من خلالها الصورة الاجتماعية النمطية الباهتة للمرأة، بصورة أكثر إشراقا وأكثر وعيا وتفهما. وذكر أن الإقناع بالحقوق يسبق المطالبة بها، فلو كان الحراك النسوي الحقوقي الذي شاهده الجميع في الفترة الأخيرة ممنهجا ضمن نسق حقوقي واجتماعي منظم واتخذ الحراك شكلا تربويا حقوقيا يستهدف بنية المجتمع وثقافته لتمكنت الحركة النسوية من العمل بشكل أسهل على الأقل كل ضمن نطاق عملها، حتى يتمكن من خلال نشاطهن من نيل مزيد من الحقوق وتفعيل الحقوق الأخرى التي لم تفعل. وأكد أن المطالبات والخطابات التي رفعت ووقع عليها عدد من النساء للمطالبة ببعض الأمور قد لا تضيف شيئا عمليا إلى الواقع الحقوقي، فأغلب الأمور التي طالبت بها الناشطات تنبثق من مطالب قد تكون نخبوية وقد لا تكون صحيحة أو ضرورية، وبالذات مما يمكن تسميته بالطبقة الوسطى، أو من توجهات فكرية أو أيديولوجية محددة، فيما الواقع الاجتماعي لهؤلاء مختلف بشكل متباين عن الواقع الاجتماعي الذي تعيشه المرأة العادية، فمجالها الحقوقي في المحاكم ما زال يحتاج إلى كثير، فمثلا المطالبة بحقها في الميراث ما زال يقابل باستهجان من البعض وكذلك من إخوتها الذكور إلا من رحم ربي، وكذلك في النفقة ومدى معاناتها في ذلك، لكن في إطار السعي الحثيث الذي يلمسه في إعطاء كل ذي حق حقه يستبشر خيراً.
مشاركة :