أعلنت القيادة الجديدة في أوكرانيا أمس أنها تحتاج مساعدات خارجية بقيمة 35 مليار دولار على مدى العامين المقبلين، وطلبت الحصول على مساعدة عاجلة بعد عزل الرئيس. وقالت وزارة المالية - بحسب "رويترز" - "إنها دعت لعقد مؤتمر للمانحين، وإنها تحتاج أول المساعدات في غضون أسبوع أو أسبوعين". يأتي ذلك في وقت أعلن فيه أولكسندر تيرتشينوف الرئيس المؤقت الذي تم تعيينه بعد أن عزل البرلمان الرئيس فيكتور يانوكوفيتش أن أوكرانيا توشك على التخلف عن سداد ديونها وأن الاقتصاد يتجه نحو الهاوية. وقال وزير المالية المؤقت يوري كولوبوف في بيان "على مدى اليومين الماضيين أجرينا مشاورات واجتماعات مع سفراء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى ومؤسسات مالية بشأن تقديم مساعدات مالية عاجلة لأوكرانيا". واعتبر أوليوكاييف أنه لا يمكن أن تبقى كييف شريكا قويا لموسكو وفي الوقت نفسه توقع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي، مؤكدا أن "هذا لا يتلاءم مع ذلك". وأعرب الوزير الروسي عن الأسف لانعكاس الاضطرابات السياسية في أوكرانيا سلبا على اقتصاد بلاده، مؤكدا أن "عديدا من صناديق الاستثمار تسحب أموالها من أوكرانيا، وبعد ذلك تسحب معظم تلك الصناديق أموالها أيضا من روسيا"، مرجحا أن تواجه أوكرانيا "انكماشا". وقد كان رفض الرئيس يانوكوفيتش التوقيع على اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي نزولا تحت ضغط موسكو التي تريد الدفاع عن الاتحاد الجمركي مع روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان، الشرارة التي فجرت الأزمة السياسية التي أدت إلى سقوطه. وفيما أعلنت روسيا أنها لا تعترف بالقيادة الجديدة لأوكرانيا حذر وزير الاقتصاد الروسي أليكسي أوليوكاييف من أن روسيا ستزيد رسومها الجمركية على الإيرادات الأوكرانية إذا تقاربت كييف مع الاتحاد الأوروبي. ونقلاً عن "فرانس برس"، فقد أعلن أليكسي أوليوكاييف لصحيفة الأعمال هاندلسبلات، نقول لأوكرانيا "أكيد أن من حقكم أن تختاروا طريقكم، (مشيرا إلى اتفاق الشراكة بين كييف والاتحاد للأوروبي)، لكننا حينها سنضطر إلى زيادة الرسوم الجمركية على الإيرادات". وبرر مثل هذا القرار بخشية أن تتحول أوكرانيا إلى باب تجتاح من خلاله المنتجات الأوروبية روسيا. وتنظر موسكو باستياء كبير إلى احتمال التقارب بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، وهو تقارب يؤيده قسم من الشعب الأوكراني والقادة الجدد في البلاد بعد الإطاحة السبت بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش. ويبدو أن وضع الدول الغربية ليس أحسن حالا، فهي تواجه مهمة شاقة لمساعدة أوكرانيا شبه المفلسة على تحقيق الاستقرار بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس المدعوم من روسيا، كما أنها ستحتاج إلى تهدئة موسكو بعد الجرح الذي أصاب كرامتها. ويلف الغموض مدى استعداد الدول الغربية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتحمل المسؤولية عن إنقاذ أوكرانيا البالغ عدد سكانها 46 مليون نسمة. ووعد أولي رين مفوض الشؤون الاقتصادية في المفوضية الأوروبية أمس الأول بدعم مالي كبير بل وخالف الآراء السياسية السائدة بالقول "إنه تجب إتاحة الفرصة أمام أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ذات يوم". وقال رين بعد اجتماعه مع كبار المسؤولين الماليين في العالم في سيدني "من وجهة النظر الأوروبية من المهم أن نقدم منظورا أوروبيا واضحا للشعب الأوكراني الذي أبدى التزامه بالقيم الأوروبية". ومصطلح "المنظور الأوروبي" في لغة الاتحاد الأوروبي هو فرصة العضوية. وأوضح رين أن بروكسل مستعدة لتقديم أكثر من المساعدة الفورية البالغة 610 ملايين يورو (838 مليون دولار) التي عرضت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عندما رفض يانوكوفيتش اتفاقا اقتصاديا واسع النطاق مع الاتحاد الأوروبي وفضل عليه وعدا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخطة إنقاذ قيمتها 15 مليار دولار. وقال صندوق النقد الدولي أيضا "إنه على استعداد لمساعدة الحكومة الجديدة في كييف إذا طلبت العون"، لكن كريستين لاجارد العضو المنتدب للصندوق قالت "إنه سيتعين إجراء إصلاحات اقتصادية مهمة" رفضها يانوكوفيتش، وذلك كشرط لصفقة قرض مع الصندوق. وتشمل هذه الإصلاحات رفع الدعم على أسعار الغاز الذي يستفيد منه كبار رجال الأعمال في أوكرانيا مع الفقراء وزيادة ضريبة المبيعات. وقالت لاجارد في سيدني "من الواضح أننا نرجو أن يستقر الوضع، وسنكون على استعداد للتواصل وجاهزين للمساعدة". وبالنسبة لواشنطن قال مسؤولون أمريكيون "إنه سيتعين على حكومة وحدة في كييف أن تحظى بتأييد قوي في السعي لبرنامج يدعمه صندوق النقد لتحقيق استقرار الاقتصاد". ولم يتحدث أحد عن مساعدة ثنائية من الولايات المتحدة. ويقول العالمون ببواطن الأمور في الصندوق "إن الصندوق سيخشى إقراض حكومة أوكرانية مؤقتة في ضوء سجل البلاد الضعيف في الإصلاح الاقتصادي". وقال مسؤولون في الاتحاد الأوروبي "إنه من خلال التعجيل بصرف أموال مخصصة للإنفاق على مدى سبع سنوات بموجب اتفاق مقترح يمكن أن تحصل كييف على أكثر من ملياري يورو على وجه السرعة بمجرد توقيع الاتفاق". كما أن بوسع الاتحاد الأوروبي تيسير الاستفادة من سوقه الضخمة التي تضم 500 مليون مستهلك قبل المصادقة بالكامل على الاتفاق، لكن أوكرانيا ليس لديها منتجات كثيرة لطرحها في هذه الأسواق. وكل ذلك يتطلب توقيع حكومة أوكرانية مخولة السلطات اللازمة على الاتفاق وهذا سينتظر على الارجح لما بعد انتخابات رئاسية من المقرر أن تجري في 25 أيار (مايو) المقبل. ويقول بعض المختصين مثل مايكل لاي وهو مسؤول رفيع سابق في إدارة توسيع العضوية في المفوضية الأوروبية "إن الاتفاق فيه عيوب وتجب إعادة صياغته لتقديم مزيد من الحوافز وتقليل المطالب فيما يتعلق بتبني أوكرانيا التشريعات والمعايير السارية في الاتحاد الأوروبي". ويقول اقتصاديون "إن تطبيق الاتفاق المقترح لمنطقة تجارية شاملة قد يسهم في البداية في مزيد من الضعف للاقتصاد الأوكراني بتأثيره في الصناعات غير التنافسية التي باعت أغلب إنتاجها لروسيا". ويقول مسؤولون في الاتحاد الأوروبي "إن الفترة التي شغلت فيها قائدة المعارضة يوليا تيموشينكو منصب رئيس الوزراء عقب الثورة البرتقالية في عامي 2004 و2005 لم تكن أقل فسادا من فترة حكم يانوكوفيتش". وتحتل أوكرانيا المركز 144 في مؤشر منظمة الشفافية الدولية للفساد. وأحد الهواجس المباشرة يتمثل في ضرورة ضمان بقاء أوكرانيا موحدة وألا ينفصل شرق البلاد الصناعي الذي يتحدث الروسية ومنطقة ساحل البحر الأسود عن باقي البلاد. وقال وزير الخارجية السويدي كارل بيلت على حسابه على تويتر "سلامة وحدة أراضي أوكرانيا أمر جوهري، تضمنها روسيا والدول الأوروبية الأخرى كلها". ولروسيا - الخاسر الرئيسي من الجولة الحالية من الاضطرابات السياسية - قاعدة بحرية كبرى في سيباستوبول في إقليم القرم الأوكراني. كما أنها تستطيع دفع أوكرانيا للتخلف عن السداد بالمطالبة بمليارات تدين بها كييف لموسكو وشركة احتكار جازبروم الروسية التي تحتكر صناعة الغاز. وفي أزمات سابقة قطعت جازبروم إمدادات الغاز عن أوكرانيا وقلصت الإمدادات بشدة إلى دول وسط وغرب أوروبا التي تعتمد على خطوط الأنابيب المارة عبر أوكرانيا. لكن مختصي الطاقة يقولون "إن جازبروم في موقف أضعف الآن". ويخشى مسؤولو الاتحاد الأوروبي أن يرد بوتين بقطع التجارة وإمدادات الطاقة ويحيي صراعات إقليمية مجمدة في جمهوريتين من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وقعتا اتفاقات مع الاتحاد الأوروبي هما مولدوفا وجورجيا".
مشاركة :