حب الوطن أمر فطري، فالناس مجبولون على حب أوطانهم، ومرتع صباهم، وبلد آبائهم وأجدادهم، بل حتى الإبل تحن إلى أوطانها، والطيور إلى أوكارها. ولهذا اشتاق النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بلده مكة، مع أنها آنذاك بلد شرك، وقال: "إنك أحب البلاد إليَّ ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت"، وفي صحيح البخاري أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا قدم من سفر، وأقبل على المدينة، أسرع السير، من حبه لها. قال ابن حجر في شرح الحديث: "فيه الدلالة على فضل المدينة، وعلى مشروعية حب الوطن، والحنين إليه". وقال ابن بطال المالكي -رحمه الله تعالى- في شرحه على صحيح البخاري: "قوله: من حبها، يعنى لأنها وطنه، وفيها أهله وولده الذين هم أحب الناس إليه، وقد جبل الله النفوس على حب الأوطان والحنين إليها، وفعل ذلك عليه السلام، وفيه أكرم الأسوة، وأمر أمته سرعة الرجوع إلى أهلهم عند انقضاء أسفارهم"، فالإنسان مجبول على محبة وطنه، والحنين إليه. يقول ابن الرومي: وحبَّب أوطانَ الرجالِ إليهمُ مآربُ قضَّاها الشبابُ هنالكا إذا ذكروا أوطانَهُم ذكَّرتهم عُهودَ الصبا فيها فحنّوا لذلكا وإذا كان هذا الحنين لكل وطن، فكيف إذا كان الوطن: هو المملكة العربية السعودية، مهبط الوحي، ومنبع الإسلام، ومأرز الإيمان؟ وقادته: "آل سعود" هم أنصار شريعة رب العالمين، منذ 300 سنة إلى يومنا هذا، ونسأل الله أن يبقيهم عزا للإسلام والمسلمين، ما بقي الليل والنهار. لا ريب أن حبه -حينئذ- مضاعف، والحنين إليه كما يقول شارح صحيح البخاري "مشروع"، والحفاظ على أمنه ، والولاء لقيادته، واجب شرعي. لقد مرَ على الإنسان في هذه البلاد -قبل حكم الملك عبدالعزيز -رحمه الله- حينٌ من الدهر لم يكن آمنا، ولا يملك قوت يومه وليلته، لكن الله تعالى إذا أراد شيئا هيَّأ أسبابه، فقد هيأ لهذه البلاد الملك الصالح، عبدالعزيز -رحمه الله- وجزاه عن البلاد والعباد خيرا، فقام بتوفيق من الله بما يشبه المعجزة، وهو توحيد هذه المملكة، وجمع أهلها على البر والتقوى، وهذا من توفيق الله له، ومن رحمة الله بنا. عندما يرى الإنسان هذه المملكة المترامية الأطراف، وكأنها قارة، لا يستطيع أن يقطعها إلا بتعب ومشقة ووعثاء، مع أنه يسير بسيارته، على طرق معبدة وآمنة، يتساءل: كيف قطعها هذا الملك الصالح على قدميه، أو على جَمله أو فرسه، مع ما في ذلك من المخاطرة؟ فعل ذلك -رحمه الله- لتتوحد البلاد، وننعم نحن بالأمن والاستقرار اللذين نتفيأ ظلالهما الآن، ولله الحمد، ولا نملك إلا أن ندعوا الله له ولرجاله. فما أحوجنا إلى تذكير أنفسنا وشبابنا وطلابنا بنعمة الله علينا بهذا الأمن والإيمان، وترسيخ مكانة هذه القيادة الحكيمة في النفوس، وتحصين أبنائنا لئلا تهد حصونهم من الداخل، ويتخطفهم الأعداء، فيكون ولاؤهم مع الخارج ضد وطنهم وقيادتهم، فيخربون -حينئذ- بيوتهم بأيديهم. فحريٌ بكل مواطن، أن يسهم في حفظ هذه النعمة التي وهبنا الله إياها، ولو بشطر كلمة، ولا يكون سببا في إحلال قومه دار البوار، قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ. جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ". وأن يحذر: مسلك الإثارة، والتهييج والإرجاف، والاستعداء، والانتماءات الحزبية، والمزايدة على وطنية المواطنين، ومحبتهم لولاة الأمر، كما عليه أن يحذر: الرايات العمية، والاستهانة بالولاية، وملء القلوب حقدا على الولاة، فهذا كله داء يجب استئصاله. فالوطن والقيادة كخيمة الراعي تَسعُ الجميع، ويستظل بظلها جميع الرعية، مما يحتم على الجميع التعاون. وأخيرا، ها هنا مسألة، أرى أن التنبيه إليها في غاية الأهمية: وهي أنه لا يصح الحديث عن محبة وطننا، بمعزل عن الحديث عن الولاء لقيادتنا ومحبتهم، لأن الوطن والقيادة أمران متلازمان، فمن الذي رفع شأن الوطن والمواطن، وبذل الغالي والنفيس في سبيل أمنه وتنميته وخدمة مواطنيه، وتشرف بخدمة ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين، ونصر الدعوة إلى الله؟ إنهم قادة هذا الوطن، آل سعود، فمحبتهم في الله دين وإيمان، قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "آل سعود -جزاهم الله خيرا- نصروا هذه الدعوة. هؤلاء لهم اليد الطولى في نصر هذا الحق -جزاهم الله خيراً- ساعدوا، ونصروا، فالواجب محبتهم في الله، والدعاء لهم بالتوفيق، والعداء لهذه الدولة عداء للحق، عداء للتوحيد"، وصدق رحمه الله: العداء لهذه الدولة السعودية عداء للتوحيد.
مشاركة :