"كنق النظيم" الذي لقي مصرعه صباح أمس لن يكون الضحية الأخيرة للتفحيط؛ إذ إن هاجس الكثير من شبابنا تقديم عروض خطيرة بسياراتهم؛ لينالوا شهرة مزعومة واحتفاء واهمًا من الجمهور الكثيف الذي يحضر عند معرفتهم لمكان وزمان التفحيط المحددَيْن. ويأتي المسلسل الدامي للضحايا - وهم مع الأسف الشديد من أبنائنا وفلذات أكبادنا - ليتراكم في نفوسنا المزيد من الأسى والحزن على هؤلاء الذين أزهقوا أرواحهم بفعل طائش دون فَهْم لما ورد في الآية القرآنية الكريمة {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}. والمفحط لا ريب أنه أهلك نفسه، وقدم روحه إلى فم الموت.. ولا أدري إن كان هناك إحصائية دقيقة عن عدد ضحايا التفحيط ومبرراتهم لممارسته، وتوقهم لهذا العمل المشين، والأسباب التي تدعوهم إلى هذا الموت المحقق.. علمًا بأن هناك أنظمة من إدارة المرور سُنَّت للحد من تفاقم التفحيط، فبدلاً من وصفها بمخالفة مرورية أضحت «جناية» موجبة لعقوبة السجن وحجز السيارة والغرامة المالية، بعد إحالة مرتكبي تلك الجناية إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، ومن ثم إلى المحكمة المختصة، حتى ولو قام بهذه الجريمة للمرة الأولى. ويُعَدُّ كل من اتفق أو حرض أو قدم مساعدة مالية أو عينية، أو ما يسمى بـ(المعزز)، شريكًا للمفحط في جريمته، ويعاقَب بعقوبة لا تقل عن نصف ما يعاقَب به الفاعل الأصلي من غرامة وسجن. وامتد العقاب أيضًا ليلحق بمتجمهري ومشجعي التفحيط بغرامات مالية وحجز مركباتهم.. إلا أن أعداد المفحطين - مع الأسف الشديد - في ازدياد مستمر، ولهم مواقع إلكترونية ومعجبون، وخصوصًا من صغار السن الذين يرون أن في عملهم بطولة؛ لتكون الخطورة الأشد محاكاتهم وتقليدهم فيما بعد. وأظن أن الأنظمة التي أقرتها إدارة المرور لم تتمكن من الحد من اندفاع الشباب المتهور نحو هذه الممارسة القاتلة؛ وذلك بدلالة استمرارية وجودها في معظم مناطق السعودية؛ ما يستدعي طرح هذه الظاهرة على طاولة البحث والدراسة والنقاش الجاد؛ لأنها - بالفعل - مشكلة تحتاج إلى معرفة حيثياتها النفسية والاجتماعية ونتائجها، مع المشاركة المجتمعية في تكثيف التوعية وصولاً إلى اجتثاثها. إن ما نشاهده من حوادث مميتة من جراء التفحيط يجعلنا نحتاج إلى مبادرة وطنية حلاً وعلاجًا ناجعًا، لا أن نبقى نتجرع آلامها وأوجاعها. التفحيط - فيما أظن - أزمة وعي وأخلاق ومعرفة.. وننتظر الوقت الذي نتحدث فيه لنقول إن التفحيط كان ماضيًا بائسًا وحزينًا، انطوى وذهب بدون رجعة. ندعو لضحية صباح أمس بالرحمة والمغفرة، ولأهله بالصبر والسلوان.
مشاركة :