في تطور سريع لكارثة غرق مركب الهجرة غير الشرعية في رشيد، تمكنت فرق الإنقاذ من انتشال 157 جثة بسواحل البحر المتوسط على مدار 3 أيام متواصلة. ولا تزال فرق الإنقاذ تواصل عمليات البحث عن مفقودين بعد أن أبلغ ذووهم أنهم كانوا على متن المركب الغارقة. ويواصل "سيدتي نت" رصد المآسي والأهوال الخاصة بتلك الكارثة والتي يسردها الناجون. فهناك روايات كثيرة على ألسنتهم، منها ما قاله الشاب السوداني مدثر حسن: "بدأنا الرحلة يوم 20 سبتمبر في تمام الساعة 4 عصراً، وظلّت الباخرة لأكثر من 8 ساعات تسير بشكل غريب بالقرب من الموانئ المصرية، ولم نعرف السبب حتى اقتربت منا مركبة أخرى في الساعة 12 من منتصف الليل وقاموا بنقل الركاب على المركبة التي نستقلها حتى زادت الحمولة وانقلبت المركبة وتوفي من عليها". وتابع والدموع تتساقط من عينيه: "فقدت أكثر من 20 شخصاً من أصدقائي الذين استقلوا المركبة للهجرة، ولكنني سعيد بامتناع زوجتي وأولادي عن الهجرة معي إلى إيطاليا"، مؤكّداً أن الطريقة التي استخدموها في السفر والهجرة خطيرة، وكلها كوارث وأنهم جميعاً يعرفون أنّ نهايتها الموت المؤكد، ولكنهم يسعون إلى ذلك في سبيل الحصول على الاستقرار والبعد عن المشاكل والحروب والأزمات التي واجهوها فى بلادهم. وشرح "مدثر" طريقة دخوله إلى مصر عن طريق محامٍ في أسوان يدعى أحمد مشهود فدخلوا الأراضي المصرية بطريقة غير شرعية، وساعدهم في الحصول على أوراق رسمية لممارسة الحياة الطبيعية في البلاد. وصل إلى القاهرة منذ عدة شهور إلا أن ظروف المعيشة الصعبة وتدهور الأحوال الاقتصادية جعلته يسعى للعمل والكد والتعب هو وعائلته حتى نصحه أحد أصدقائه السودانيين بضرورة الهجرة من مصر إلى دولة أوروبية، "فأكّدت له عدم استطاعتي الهجرة لعدم توافر المال للهجرة، فقام بتوجيهي إلى أحد المقاولين بالإسكندرية، ويُدعى محمد حسام، واتفقت معه على الهجرة إلى إيطاليا، ومعي أسرتي مقابل 100 ألف جنيه". ويضيف: ولكنه لم يحصل عليها إلا بعد الوصول إلى إيطاليا والتأكّد من حصولهم على أعمال لجلب المال لسداد المبلغ المتفق عليه، "واتفقنا على السفر يوم 18 سبتمبر، ولكن الشرطة المصرية والجيش كانا في تواجد مستمر على السواحل ومنعونا يومين متتاليين". على مقربة من سرير مدثر، يرقد الشاب بدر عبد الحافظ (٢٨ عاماً) وهو يذرف الدموع بصمت، ويقول باقتضاب: "كنا ٤٠٠ تقريباً في المركب. كنت مع زوجتي وثلاثة أطفال وكلهم ماتوا"، ثمّ انفجر بالبكاء. ويقول: "وكان على متن مركب الصيد مصريون وسودانيون وصوماليون وسوريون يسعون إلى الوصول إلى إيطاليا، "أرض الأحلام" بالنسبة إلى المهاجرين غير القانونيين، ولا تتجاوز قدرة المركب على الاستيعاب المئة، لكن السماسرة وضعوا على متنه أكثر من 400 فرد". ويقول متولي عادل (٢٨ عاماً) الذي يعمل حداداً وأتى من محافظة الشرقية: "جازفت بحياتي وحياة ابني وزوجتي كي يعيشوا حياة كريمة، لأن الأسعار باتت لا تحتمل. زوجتي وابني لا أعرف أين هما. لقد نجوت وحدي، ويا ليتني لم أنجُ. سأظل أشعر بالذنب طول عمري". ولم يدفع متولي أيّ نقود قبل سفره، لكنه اتفق مع المهرب على دفع خمسين ألف جنيه لوسيط في إيطاليا، وكان يحلم بالعمل "أي شيء" في أوروبا. أما محمود نصر (26 عاماً) ويعمل سائقاً في مدينة شبين فيقول إنّ ظروفه الصعبة كانت أقوى منه، وقد دفعته لخوض تلك المغامرة، وشرح مأساته بقوله: "مش لاقيين شغل في بلدنا، والظروف بقت صعبة، ومش عارفين نعيش ولا نعمل حاجة ودا اللي دفعنا للهجرة غير الشرعية واحنا عارفين اننا ممكن نموت لكن مصدقناش الا لما شفنا الموت بعينينا وشفنا ناس ماتت قدامنا وناس جثثها طفت على وش الميه لكن ربنا نجانا علشان لينا عمر جديد"، مؤكّداً أنها لن تكون المرة الأخيرة في مسلسل الهجرة غير الشرعية طالما لم تعمل الدولة على إيجاد وظائف للشباب والاهتمام بهم. محمد شعبان محمد طارق الطالب (16 سنة) قال: "الظروف في منتهى الصعوبة في البلاد، وقد فشلت في الحصول على وظيفة" ما دفعه للمغامرة بحياته وتعريض نفسه للموت في عرض البحر، ويضيف: "علشان اقدر اعيش وأوفر لاهلي حياة كريمة ، خاصة واننا غير مرتاحين في المعيشة". ويكمل الشاب العشريني والدموع تنهمر من عينيه بالقول إنّ هذه هي المرة الأولى والأخيرة لمحاولة الهجرة غير الشرعية، خاصة عندما رأى جثث الأطفال تطفو على المياه والوالدان عاجزان عن مساعدتهم.
مشاركة :