حوار عابر مع «خبير حكومي» قادني إلى كتابة هذا المقال.. لم أكن أتصور مقدار هوة الفجوة في مفهوم المسؤولية الائتمانية والاستثمارية بين منظور الحكومة ومستشاريها ورجال الأعمال ورجال الدين من جهة وبين المواطنين من جهة أخرى. يقول الخبير وهو يحكي السياسة العامة الملحوظة عندنا: «ما لنا شغل بالمواطن ما أحد قال له يقترض وعليه أن يميز العقود التي يوقع عليها»!. ليس هناك أنظمة عندنا تؤمن الحماية للمواطن من الاستغلال.. كل ما عندنا هو مجموعة أنظمة تمنع البنوك والمؤسسات المالية من الدخول في مغامرات استثمارية إلا إن تحتاط لنفسها فتتأكد أن المواطن هو من سيدفع ثمن هذه المغامرات، فلا بأس حينها. وعندما انفجرت فقاعة الأسهم -التي خلقتها طفرة التمويلات الاستهلاكية- تخلى الجميع عن المسؤولية وحُمّلت على المواطن، الذي هو غريب على ثقافة الائتمان والتمويل والجاهل بالاستثمار. لا توجد في بلادنا هيئة رقابية مالية واحدة تحمي المواطن على عكس الغرب، فما أكثر من الهيئات الرقابية المالية في أمريكا والتي توفر الكثير من الحماية للمواطن ومع ذلك فقد أنشئت حديثاً هيئة حماية المستهلك المالية ومن مهامها تجديد أنظمة الرهن العقاري لكي لا تتعدى البنوك والشركات التمويلية على المواطن بحجة الأزمة المالية الماضية ولكي تضمن ديناميكية تسييل القروض وبيعها على نحو لا يضر بالسوق التمويلية فيتعدى ضرره للمواطن، وما ذلك إلا لأن ضرر الظلم المالي والاستثماري للفرد أو المنظمة هو ضرر متعد على المجتمع برمته. ووجود التوازن بين الجهات الحكومية ضمان للجودة والشفافية تماماً كوجود حزبين سياسيين. فالأولوية في واجبات مؤسسة النقد في هذا الباب هو حماية البنوك لا المواطن. ولا تُطالب المؤسسة بما يتعارض مع أولوياتها، بل يجب أن تُعان بجهة رقابية منفصلة عنها تغطي جانب حماية المواطن كهيئة حماية المستهلك المالية.. خاصة أنه لا توجد لدنيا صحافة مالية نقدية واعية وناضجة بل صحافتنا تُحدث بما يتحدث به الشارع. فهم أصل المشكلة والاعتراف بها هو البداية لحل كثير من المشاكل المعلقة عندنا. والمسكوت عنه هنا أن أصل المشكلة هو أن علم هندسة التمويلات وفنونها وحيلها ومفاهيمها وعلاقاتها وتداخلها مع الأسواق والاقتصاد والثقافات علم سهل ممتنع وهو نادر في العالم عموماً وفي السعودية خصوصاً رغم الادعاءات الكثيرة.. بل أكاد أجزم -من خبرتي ونقاشاتي- أنه يكاد لا يوجد سعوديون متمكنون في هذا العلم من جميع نواحيه ومتعلقاته.. بل المصيبة أن الأكثر هم ممن لا يعلمون ويظنون أنهم يعلمون، فإذا أضفنا لذلك بدائية خبرة المجتمع الحديثة بالتمويلات ندرك أسباب عدم إحساس المجتمع بالخطر القادم بسبب الفوضى الموجودة ويشعر بالضرر والغبن الذي هو واقع فيه في عالم التمويلات والسوق النقدية. ولذلك أيضاً نحن لا نستفيد من كثير من التسهيلات الحكومية المالية ونضيع كثير من الفرص المتوفرة اليوم ونتكلف الكثير بسبب إضاعتنا للمعاملات التضاعفية من الإنفاق الحكومي.
مشاركة :