قدَّم ولي العهد الأمير محمد بن نايف في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عرضا لما يمكن اعتباره خريطة طريق سياسية، للقضايا الملحة التي تتفاعل على مدار الساعة. ومثل هذه الخريطة يحتاج إليها العالم الآن أكثر من أي وقت مضى، بعد عدة سنوات من اضطراب صناعة القرار العالمي، الأمر الذي تسبب في استفحال أزمات، وفي أحيان أخرى نشوء أزمات كان يمكن تفاديها. المملكة، طرحت كثيرا من المبادرات حول عديد من القضايا الملحة، ولاسيما تلك التي تهم المنطقة العربية، لكن فشل المجتمع الدولي في القيام بدوره المنتظر، فاقم الأوضاع أكثر. هناك قضايا لا يمكن أن تحل من طرف واحد، أو مجموعة أطراف، بل ينبغي أن يكون المجتمع الدولي حاضرا رئيسا فيها. وقفت المملكة ضد الإرهاب قبل كثير من البلدان التي وقفت ضده في مرحلة لاحقة، والحق أنها تعرضت لشرور وخراب هذا الإرهاب أكثر من غيرها على الساحة الدولية. وهي أطلقت حربها على هذه الآفة بصورة استراتيجية، أي أنها وفرت لها الإمكانات اللازمة، والتعاون الدولي المطلوب. وهذا ما أكده ولي العهد في خطابه المشار إليه. خصوصا أن الرياض كانت حريصة على أن تكون الحرب ضد الإرهاب أكثر شمولية، لأسباب عديدة في مقدمتها بالطبع، ضمان التخلص من الآفة المذكورة إلى الأبد. عمليات إرهابية كثيرة تعرضت لها السعودية على مدار السنوات الماضية، وواجهتها (وتواجهها) ليس فقط دفاعا عن نفسها، بل أيضا لتخليص المنطقة والعالم من شرورها. ولهذا السبب قادت السعودية التحالف الإسلامي ضد الإرهاب. وهي الآن تقود التحالف الدولي، ضد عصابات الحوثي وصالح في اليمن، التي تقوم بأعمال الإرهاب المختلفة، إلى جانب طبعا محاولاتها اليائسة للنيل من الشرعية اليمنية. تمسّك المملكة بالمبادرة العربية لحل القضية الفلسطينية، جاء ضمن الموقف الثابت لها حيال هذه المسألة. وهذه المبادرة (كما هو معروف) جاءت من "مصنع" سعودي خالص. بمعنى أن المملكة تعرف تماما مدى أهميتها وضرورتها للوصول إلى حل لهذه القضية. ولم تتوقف الرياض على مدى العقود الماضية، عن تقديم المبادرات والقيام بالتحركات اللازمة لجعل القضية الفلسطينية حاضرة دائما في كل المحافل الدولية. ولذلك كان ولي العهد حريصا على التأكيد على حتمية هذه المبادرة، خصوصا في ظل تقاعس دولي حيال المسألة الفلسطينية، وتخبط بين البلدان المؤثرة بشأن التعاطي معها. كانت المملكة من أول البلدان التي نادت بضرورة التدخل الفوري لحل المأساة السورية المتفاقمة منذ أكثر من خمس سنوات، وهي تؤكد مجددا من خلال رئيس وفدها إلى الأمم المتحدة، ضرورة قيام العالم بمسؤولياته الأخلاقية لحل هذه الكارثة، وإيقاف نزيف الدم فيها. والرياض ليس عندها حلول وسط في مسألة وحدة الأراضي السورية الوطنية، إنها قضية خارج النقاش. فهي تريد سورية موحدة قوية كما كانت قبل الثورة الشعبية العارمة. مع التأكيد على تدخل قوى لا ترغب إلا في نشر الشر في سورية وما أمكن لها من بلدان المنطقة. السياسة الخارجية السعودية واضحة. وهي تقوم على المبادئ المعلنة، ما يجعلها دائما منطلقا لمبادرات ليس من جانب المملكة فحسب بل من جانب جهات دولية أخرى. ومن ضمن الأولويات التي تسعى السعودية إلى الحفاظ عليها، أن تكون الحلول التي تتطلب حضورا دوليا، أكثر استدامة من خلال ضم ما أمكن من قوى، خصوصا أنها لا تخفي شيئا.
مشاركة :