شكرًا أيها الملك

  • 9/24/2016
  • 00:00
  • 35
  • 0
  • 0
news-picture

طاف الحجيج ووقفوا على جبل عرفات كما أمرهم الله، ثم رجموا الشيطان وقضوا مناسكهم بيسر وسهولة، المناسك التي تطلع إلى قضائها هذا العام أكثر من مليوني مسلم جاءوا من أصقاع الدنيا الأربعة، ألسنة مختلفة وألوان وسحنات غير متشابهة، يعبدون ربًا واحدًا لا شريك له، طمعًا في رضاه وإعمارًا لأرضه. أن يدار هذا العدد الضخم من البشر في نفس المكان وفي نفس المواعيد الدقيقة، هي عملية صعبة بكل المقاييس، سهلها الله لعزيمة الدولة السعودية وبعد نظر إدارتها، ولكن أيضًا بالاستعانة بالعلم الحديث، ديدن العقل في زماننا. ما لفت أنظار القاصي والداني بجانب التنظيم المحكم هو العناية الطبية الفائقة في كل المجالات التي واكبت هذا الحج، وكل حج تقدم تلك العناية بضيوف الرحمن بعض العلميات الجراحية الصعبة، هذه المرة أجري بنجاح عدد من عمليات القلب المفتوح، ووظفت لها أفضل الخبرات المحلية والعالمية وقدمتها لمن احتاجها من الحجيج، وأخرى للقسطرة القلبية للذين تعثرت مناسكهم بسبب المرض، بعضهم كان سوف يقضي أشهرًا طوالاً، إن لم تكن سنين، كي يجد له مكانًا في زحام التكاليف الباهظة وندرة العناية بمثل تلك العمليات الجراحية في أوطانهم، مثلما واكب الحج العظيم من الجهد والتنظيم الذي دأبت على تطويره المملكة العربية السعودية عامًا بعد عام. حج هذا العام مختلف، أرادت له الجماعة المتحكمة في رقاب شعب كامل في الجارة إيران أن يكون مختلفًا بشكل سلبي، صاحبه ضجيج إعلامي ومحاولات التشويش والتشكيك، كلها ذهبت أدراج الرياح وبقي العمل الجاد والنافع للمسلمين. أريد أن يكون هذا الحج محط خلاف بين اجتهادات المسلمين، ولكن الحكمة تغلبت، فجاء كل المسلمين من كل الطوائف ومن كل الدنيا وعلى كل وسيلة نقل، لإتمام مشاعرهم المقدسة وتركوا بسلام. وظهر للجميع أن من ينشد الخلاف المذهبي والاجتهادي لم يحقق غرضه، محط الخلاف هو بين من يرى أنه ممثل لفئة إسلامية يريد أن يحقق بها مصالح قومية استعلائية قصيرة النظر وتوسعية، ومن يسعى جاهدًا لتحقيق مصالح المسلمين، كل المسلمين. ولقد ضرب مثلاً جديدًا بين الحاكم الذي يريد أن يُحيي والحاكم الذي يريد أن يُميت، وهو مثل تم أمام أنظار العالم وسمعه. مثلاً بشار الأسد الذي فهم المثل الشعبي الشامي، الذي يطلق لإظهار التضحية والحب والقائل (تُقبرني) فهمه بشكله المباشر، فقرر أن يقبُر شعبًا بكامله ويدك مدنه، تساعده في ذلك الماكينة الحربية الروسية والجماعات المؤدلجة الإيرانية، ومن يسير معها في الدرب الخطر لمحو شعب كامل من على أرضه، لقد كان منظر بشار يوم العيد في إدلب وهو يسير بين الخرائب وبقايا بقع الدم المتيبسة علامة فارقة بين الداعين إلى الهلاك، بالمقارنة في يوم العيد نفسه والناس تطوف بالبيت العتيق بسلام آمنين داعين إلى الحياة. حتى الآن قتلت الماكينة الثلاثية العاملة في سوريا (روسيا، إيران، الأسد) من الشعب السوري أكثر من نصف مليون إنسان، منهم خمسة وسبعون ألف طفل وخمسة آلاف امرأة، ذلك العدد الذي اعترفت به مؤسسات الأمم المتحدة، ولا يعرف غير الله العدد الحقيقي على الأرض، فالقتل ما زال قائمًا ومستمرًا، وهناك نحو سبعة عشر ألف مفقود من أبناء سوريا، وعشرات الآلاف في سجون النظام التي تحرسها قوات من إيران أو حلفائها. منظمة الأمم المتحدة للطفولة تقول لنا بشكل رسمي إن خمسة ملايين ونصف المليون طفل سوري باتوا مشردين دون مأوى ودون تعليم، بعضهم فُقدت أطرافهم أو فقدوا آباءهم ومعلميهم، وهم الذين يدفعون الثمن الأغلى في هذا الصراع المميت، الذي يرغب بشار وحلفاؤه فرض نوع من الحكم القاهر عليهم، أما عدد اللاجئين الهاربين من حكم البراميل المتفجرة فهو يُسمع في كل أنحاء الأرض، من خوف الناخبين في الدول الغربية، كمثل ناخبي دونالد ترامب أو ناخبي السيدة أنجيلا ميركل، بل حتى انفصال بريطانيا عن السوق الأوروبية المشتركة، كل ذلك جزئيًا على الأقل حدث بسبب تلك الهجرة القسرية التي فرضها بشار وحلفاؤه، وساهمت فيها تداعيات الصراع في المنطقة التي هجر مواطنوها، فأصبحت الهجرة هي التي تخيف الناخبين في الغرب وتدفعهم إلى التعصب! عندما نقارن بين من يُحيي من الحكام في زمننا ومن يُميت، تظهر الصورة واضحة المعالم، هي مقابلة بين الشر والخير، بين العدم والنماء، بين القهر والقبول. لذلك فليست مستغربة تلك الهجمة الشرسة التي يشنها أعوان الأنظمة القاتلة بأشكالهم المختلفة على المملكة العربية السعودية، وليس مستغربًا أن يضع وزير الخارجية الإيراني مطولة له في إحدى صحف الغرب باحثًا عن مثالب للسعودية، كل ذلك متوقع، لأن من طبيعة الأمور أن من يُحيي هو النقيض الطبيعي لمن يميت، في هذه الحالة نظام بشار وطهران وحلفاؤهم. العزاء أن ما ينفع الناس يبقى في الأرض، وليست هي المرة الأولى التي يواجه السعودية ودول الخليج هذا التحدي، لقد تغير نوع التحدي، أما جوهره فقط بقي، وهو تحدٍ يطمح لأن يضعف الجبهة الصلبة لعالم عربي يقاوم كثيرًا من التحديات، كما أن هذه الجبهة مؤيدة ومدعومة بشعب مؤمن بقيادته، له شرعية كاملة ويعرف حق المعرفة أن المقصود في هذا الصراع هو نماؤه واستقراره وطيب عيشه واستقلال كلمته، فهو صامد مع قادته يواجه تلك التحديات ويعمر الأرض. قد يرى البعض أن الهجمة ضخمة وأن التكالب متراكم، ولكن تلك سنة الحياة البشرية بين من يريد أن يُحيي ومن يريد أن يُميت، من يريد أن يبني ومن يريد أن يهدم الأوطان على رأس ساكنيها ويسحبهم - إن أمكن - إلى السجون أو يلقيهم في المنافي، تحت شعارات زائفة وأقوال لم تعد تقنع أحدًا فيه بقية من عقل. من هنا نقول وباسم كل أولئك الذين خافوا على تخريب موسم الحج والعبث به: شكرًا للملك سلمان. آخر الكلام: المدينة الشهيدة حلب وصمة عار في جبين من هدمها، وهي تهدم كما هدم حافظ الأسد مساجد حماة من قبل، العجب أن تدعي ثورة (إسلامية) الدفاع عن نظام كان يوجه لمواطنيه تهمة (صلاة الجمعة)!!

مشاركة :