تبدأ اليوم (السبت) في المغرب الحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات البرلمانية الثانية في ظل الدستور الجديد، المقررة يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، حيث ستتنافس الأحزاب السياسية من مختلف التيارات للفوز بـ395 مقعدا بمجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان). وتنظم الانتخابات التشريعية وسط تجاذب سياسي حاد، وحالة من الاحتقان والصراع اللذين لم يقتصرا على الأحزاب السياسية المتنافسة، سواء كانت في المعارضة أو داخل التحالف الحكومي، بل امتد حتى إلى مؤسسات الدولة. ويأمل حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية في تصدر نتائج الانتخابات المقبلة، والفوز بولاية ثانية على رأس الحكومة، ويقول إنه مستهدف لأنه حزب مستقل و«أياديه نظيفة»، وأن غريمه السياسي حزب «الأصالة والمعاصرة» المعارض يسعى إلى الوصول إلى الحكم، مسنودا من السلطة ليضع بذلك حدا لحكم أول حزب إسلامي في المغرب، أوصلته صناديق الاقتراع إلى رئاسة الحكومة بعد موجة الاحتجاج الاجتماعي التي قادتها حركة 20 فبراير (شباط) عام 2011. في المقابل، يرى خصوم حزب العدالة والتنمية أنه يتقن «خطاب المظلومية»، ويستعمله لكسب تعاطف المواطنين، فيما ترفض الأحزاب السياسية الأخرى الرئيسية، وهي «الاستقلال» و«التجمع الوطني للأحرار» و«الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» و«الحركة الشعبية» و«التقدم والاشتراكية» حصر التنافس الانتخابي في المغرب بين هذين الحزبين فقط. واستطاع حزب العدالة والتنمية فرض منطقه على المشهد السياسي المغربي، وقسمه إلى معسكرين: الأول يؤيد الإصلاح ويقول إنه هو من يمثله، والآخر يناهض الإصلاح ويسعى إلى التحكم، ويمثله حزب الأصالة والمعاصرة، حسب رأيه. وبينما لم يترشح أي من قادة الأحزاب السياسية الرئيسية لخوض غمار السباق الانتخابي، بما فيهم إلياس العماري، غريمه السياسي وخصمه اللدود؛ وذلك بسبب حالة التنافي بين منصبه الحالي الممثل في رئاسته لجهة طنجة - تطوان - الحسيمة، وعضوية مجلس النواب، ترشح عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة في مدينة سلا، كنوع من التحدي للخصوم ولاختبار شعبيته من جديد، وهو ما كان قد أثار جدلا باعتباره المشرف على الانتخابات. وكان خروج مسيرة احتجاج ضد حزب العدالة والتنمية الأحد الماضي في الدار البيضاء، قبل أيام قليلة من بدء الحملة الانتخابية، والتي حملت شعار «لا لأسلمة وأخونة الدولة»، أبرز حدث عرفه المشهد السياسي في البلاد؛ نظرا لتوقيت خروج تلك المسيرة التي لم تعلن أي جهة تبنيها، في ظل اتهامات مبطنة وجهها الحزب لوزارة الداخلية بالوقوف وراءها. وقد أثارت تلك المظاهرة استهجانا كبيرا وسخرية على نطاق واسع، ولا سيما بعد نشر فيديوهات يقر فيها بعض المشاركين من مختلف المدن، بأنه جرى التلاعب بهم، وأن منظمي المسيرة أوهموهم بأن الاحتجاج سيكون ضد الإرهاب وقضية تضامن مع فتاة جرى اغتصابها، ليفاجأوا خلال المظاهرة بشعارات تطالب برحيل ابن كيران، من دون أي مناسبة. كما وقف محللون سياسيون متسائلين عن الجهة التي تسعى إلى إحداث شرخ في المجتمع المغربي من خلال تأليب فئة من المواطنين البسطاء ضد فئة أخرى، ودفعها إلى رفع شعارات وصفت بالغريبة عن السجال السياسي والمجتمعي في المغرب. وتسبب التصريح لتلك المسيرة المجهولة في الكشف عن صراع آخر لم يكن ظاهرا بين وزارتين تشرفان على سير الانتخابات، هما الداخلية والعدل، حيث فاجأ مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات المنتمي لحزب العدالة والتنمية، الرأي العام بإعلانه عبر صفحته على «فيسبوك» بأنه لا يستشار في التحضير للانتخابات التشريعية، أسوة بما كان عليه الحال في الانتخابات البلدية التي جرت في الرابع من سبتمبر (أيلول) الماضي، وأنه «على بعد ثلاثة أسابيع من انتخابات 7 أكتوبر تقع عجائب وغرائب»، معلنا أنه ليس مسؤولا عن «أي رداءة أو نكوص أو تجاوز أو انحراف»، ليسارع محمد حصاد، وزير الداخلية المستقل، بالرد عليه عبر موقع إلكتروني، ويؤكد أن سوء فهم حدث بينه وبين الرميد بسبب عدم استشارته في الترخيص لتلك المسيرة، ودعاه إلى استعمال سلطته «من خلال وكلاء النيابة العامة، لتحريك أي مسألة يراها خارج السير العادي للاشتغال»، أو «اختلال لا يود تحمل مسؤوليته». ولم يكن الترخيص لمظاهرة «مجهولة» و«مصطنعة» ضد ابن كيران قبل أيام من الاقتراع الخلاف الوحيد بين حزب العدالة والتنمية، وحصاد ذلك أن وزارة الداخلية منعت قبل ذلك الشيخ حماد القباج من الترشح باسم «العدالة والتنمية»، ويقول الحزب إن ضغوطا مورست على رجل الأعمال بوشتى بوصوف الذي كان ينتمي إلى «الأصالة والمعاصرة» حتى لا يترشح باسمه، فضلا عن بيانات أصدرتها وزارة الداخلية موجهة ضد الحزب. وفي غمار التحضير للانتخابات والتجاذبات السياسية التي ترافقها، وفي بادرة غير مسبوقة، أصدر الديوان الملكي في 13 سبتمبر الحالي، بيانا وجه فيه انتقادات حادة لنبيل بن عبد الله، وزير السكنى وسياسة المدينة والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي سابقا) والحليف الرئيسي لحزب العدالة والتنمية، وذلك على خلفية تصريحات وصفها القصر بالخطيرة تتعلق بفؤاد عالي الهمة، مستشار العاهل المغربي ومؤسس حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، قبل أن يصبح مستشارا ملكيا. ووصف البيان تلك التصريحات بأنها ليست «سوى وسيلة للتضليل السياسي في فترة انتخابية». وكان ابن عبد الله قد قال في حوار إن مشكلة حزبه ليس مع «الأصالة والمعاصرة»، بل مع من أسسه، وهو من يجسد التحكم، ليرد الحزب بعد ذلك بأن «تصريحات أمينه العام تدخل في سياق تنافس انتخابي، وأنه لم يكن ينوي إقحام المؤسسة الملكية في نزاعات حزبية». وتميزت الانتخابات البرلمانية باستقطاب الأحزاب السياسية لأسماء محسوبة على التيار السلفي، ومنهم حماد القباج الذي كان حزب العدالة والتنمية قد رشحه ليقود لائحة الحزب بدائرة جليز بمراكش، إلا أن وزارة الداخلية رفضت ترشحه بدعوى «مناهضته الديمقراطية، وإشاعة أفكار متطرفة تحرض على التمييز والكراهية»، وقد كان ترشيحه قد أثار جدلا كبيرا، حيث استغلت ضده تصريحات سابقة له تتعلق بموقفه من اليهود والمرأة، ووجه رسالة مفتوحة إلى الملك محمد السادس بعد رفض ترشيحه يؤكد فيها رفضه «الاتهامات الباطلة» التي وجهت إليه، مؤكدا أنه «متشبع بروح السلفية الوطنية التي تؤمن بالاعتدال والتعايش والانفتاح». بدوره، ترشح للانتخابات التشريعية الشيخ عبد الوهاب رفيقي الملقب «أبي حفص» باسم حزب الاستقلال المعارض، وكان قد أدين بقضايا تتعلق بالإرهاب قبل أن يفرج عنه بعفو ملكي. إلا أن رفيقي راجع أفكاره بشكل جذري حتى أنه أصبح أميل إلى العلمانية، بحسب رفاقه السلفيين.
مشاركة :