هل تريد أن تذهب للمريخ؟ - إبراهيم عبدالله العمار

  • 9/25/2016
  • 00:00
  • 59
  • 0
  • 0
news-picture

في صباي رأيت مقطعًا لرواد فضاء في غرفة بلا جاذبية. كان تدريبًا على الفضاء الحقيقي، ورأيتهم يتحركون ويتقلبون بشكلٍ عجز عقلي الصغير عن استيعابه، ولكن الذي عرفته يقينًا هو هذا: كم هم محظوظون! لم أدرِ ما يحصل لكن يا للهول.. انظر لهم يطيرون مثل سوبرمان! رائع! ليتني أكون مثلهم! الكثير من الأطفال لو سُئِل عمّا يرغب أن يكون إذا كبر سيجيب: رائد فضاء. ولمَ لا؟ فهي مهنة تمثل قمة علمية وصل لها البشر، والكثير ينظرون لمحاسن ريادة الفضاء ومنها انعدام الجاذبية التي تُقرِّب الإنسان من إحدى أعظم أمنيات البشر: الطيران. لكن كما الكثير من الأشياء، هناك فرق بين الواقع وبين المرئي كما بَيّن كتاب «الحدود القصوى»، وهذه الأيام كَثُر الحديث عن كوكب المريخ، خاصة بعد إعلان وكالة ناسا اكتشاف ماء على سطحه مما يمكّن الحياة من الوجود، وبدأت حمّى الفضاء تعود والكثير يرغبون أن يطأ البشر المريخ. إذا كنتَ ترى رواد الفضاء وتتمنى أن تكون مثلهم، وتتمنى الذهاب للمريخ بالذات فاعلمْ أن رحلة الذهاب وحدها ستأخذ 9 أشهر! وسترى مغزى هذه المعلومة في آخر المقالة، أما الآن فدعني أوضح ما ينتظرك. أولاً: - انعدام الوزن في الفضاء يبدو ممتعًا، لكن اِعلَم أنه يسبب الغثيان يومين كاملين للرواد المبتدئين، حتى إنهم يحتاجون الدواء من شدته. - أنا متأكَّد أنك لم تسمع بالحالة الطبية التالية: زوال الجاذبية يسبب «هشاشة عظام فضائية»! يختل التوازن بين خلايا العظام فتقل كثافتها وتتعرض للكسر، وبما أن 99 في المائة من الكالسيوم مخزّن في هيكلك العظمي فإنه إذا اختل نظامه فإن الكالسيوم يترك العظام ويسيل للدم، مسببًا أضرارًا مثل الإمساك، وآلام العظام، وأسوأ من هذا كله: حصوة الكلية. المشكلة الكالسيومية الرابعة غير متوقعة: اكتئاب! - ليس العظام فحسب بل حتى العضلات تضعف وتتحلل، وتجارب وجدت أن الفئران فقدت ثلث كتلة عضلاتها بعد 9 أيام فقط. - تقل خلايا الدم الحمراء في الفضاء مما يسبب فقر الدم، فتضعف المناعة ويَبطأ تشافي الجروح ويتأثر النوم. - القلب (وشبكته من الأوعية الدموية) متعود على معاكسة الجاذبية، فيضخ الدم للأعلى، للمخ، بكفاءة، وهذا كالتمرين له. لكن الآن لا جاذبية! تَضعَف الدورة الدموية في الفضاء. تخيل أنك مستلقٍ ويرنّ عامل التوصيل الجرس فتقوم بسرعة لتستلم طعامك، ماذا يحدث؟ يتجمع الدم في الأعضاء السفلية وتقل كميته العائدة للقلب، كذلك الدم الذي كان - وأنت على ظهرك - يتنقل بكسل بين القلب والمخ تفاجأ الآن أنه يجب أن يركض بسرعة للمخ بعد أن وقفتَ، معاكسًا الجاذبية، هذا كله يجعل المخ محرومًا من الدم والأكسجين، لكن هناك آلية وضعها الله فيك تقيس الضغط في الأوعية الدموية وتعدّل ضخ الدم لتتفادى الإغماء. لهذا فإن الرائد الذي عاد من رحلة طويلة لا يستطيع أن يقف أكثر من 10 دقائق وإلا فقد وعيه، ويحتاج وقتًا ليتأقلم. يعود رائد الفضاء من رحلات طويلة (6 أشهر وأكثر) وقد تدهورت دورته الدموية وضعفت عظامه واضمحلت عضلاته واضطرب نومه واختل التنسيق بين يده وعينه، ولهذا فأول من يستقبلهم فريق من الأطباء والممرضات. حتى بعد التعافي يظل بعض «الفضاء» معه، وقد حصلت حوادث سيارات لبعضهم لما تشوّش وهو يقود، وبعضهم سقط مغشيًا عليه أثناء الاستحمام. منهم من أسقط هدية ثمينة من يده لأنه تعوّد أن يفلت الشيء فيسبح في اللا جاذبية، وأما أحدهم فكان في فراشه وقام ليغيّر حفاظة طفله لكن قبل أن يذهب ليحضر جديدة وقف حائرًا أمام الرضيع يفكر كيف يربطه بفراشه لئلا يرتفع للأعلى! والآن.. هل ما زلتَ ترغب أن تذهب للمريخ؟

مشاركة :