في ظل ما نشهده من جهود حثيثة لوزارة العدل وديوان المظالم في سبيل الوصول إلى سرعة وجودة الإنجاز القضائي، أعتقد أن هناك أمراً بالغ الأهمية وله أثر مباشر وضروري في تحقيق الكثير من الأهداف الإصلاحية للبيئة القضائية، إلا أني لا أرى أي اهتمام به ولا خطوات أو خطط في سبيل تحقيقه ألا وهو مسألة (تنظيم واقع العقود) إذ من المعلوم أن جميع تعاملات الناس، صغيرها وكبيرها، الإداري منها والتجاري والمدني، كلها ترتكز على العقود المبرمة بينهم، لضبط وتوثيق أي معاملة مالية. في هذا العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله – شهدت المملكة إصلاحاً قضائياً يعتبر بمثابة تأسيس جديد لدولة الشرع والقضاء والقانون. وإذا كان عهدُ الملك فهد – رحمه الله – تميز بأنظمة تعتبر هي التأسيس الإداري للدولة، كنظام الحكم ونظام المناطق ومجلس الشورى وغيرها؛ فإن أبرز سمات عهد الملك عبدالله – حفظه الله – هو التأسيس لدولة القضاء. وقد جاء الإصلاح القضائي في هذا العهد الميمون مرتكزاً على تحديث وإصلاح وإصدار العديد من الأنظمة القضائية، التي أخذت بأحدث ما لدى الدول المتقدمة في التنظيمات القضائية، بل – ولله الحمد – تفوقت أنظمتنا القضائية الجديدة على كثير من تلك الدول المتقدمة. والإصلاح القضائي يحتاج إلى الكثير من الجهود والخطوات العملية التي يجب القيام بها حتى يتحقق. لكن هذه الجهود والخطوات لا يمكن أن تقوم دون توفير الأساس لها، ألا وهو الأنظمة والنصوص القانونية، وهذا ما تم ّ – بفضل الله – وأصبح واقعاً، ولم يبق سوى التطبيق الصحيح الفاعل له. وفي هذا السياق، وفي ظل ما نشهده من جهود حثيثة لوزارة العدل وديوان المظالم في سبيل الوصول إلى سرعة وجودة الإنجاز القضائي، أعتقد أن هناك أمراً بالغ الأهمية وله أثر مباشر وضروري في تحقيق الكثير من الأهداف الإصلاحية للبيئة القضائية، إلا أني لا أرى أي اهتمام به ولا خطوات أو خطط في سبيل تحقيقه ألا وهو مسألة (تنظيم واقع العقود) إذ من المعلوم أن جميع تعاملات الناس، صغيرها وكبيرها، الإداري منها والتجاري والمدني، كلها ترتكز على العقود المبرمة بينهم، لضبط وتوثيق أي معاملة مالية. والنسبة الأعم الأغلب من النزاعات والدعاوى القضائية، منبثقة عن الاختلاف حول تنفيذ ما تضمنته هذه العقود بين الناس. وبحكم الخبرة والتخصص، أؤكد أن نسبة كبيرة من تلك النزاعات أمام القضاء، إنما تتعقد وتطول وتتشابك، بسبب ضعف صياغة هذه العقود، أو ما تشتمل عليه من مخالفات شرعية أو قانونية، أو أخطاء أياً كان نوعها. بينما لو سلمت العقود من هذا الخلل، وكانت مكتوبة على الوجه الشرعي النظامي الصحيح، لما حدث حولها نزاع، أو لكان الفصل في النزاع أيسر بكثيرمما هي الحال عليه الآن. وفي جانب آخر أيضاً، فإن نسبة من النزاعات المقلقة للقضاء حالياً، إنما تعود إلى ادعاءات بحقوق غير موثقة، أو بحقوق تخالف ظاهر العقود المبرمة. إذاً فالسر يكمن في العقود والتوثيق، ما يستوجب الالتفات لموضوع العقود والتوثيق. وفي تقديري يجب أن يكون هناك معالجتان أساسيتان لموضوع العقود : * أولاهما تتمثل في سن نظام يوجب على المتعاملين توثيق الحقوق، ويمنع سماع أي دعوى بحق مالي يزيد على نسبة معينة (كخمسين ألف ريال مثلاً) دون وجود مستند كتابي يثبت هذه المطالبة. * وثانيتهما هي أن تُنشأ في وزارة العدل إدارة متخصصة تعنى بتنظيم واقع العقود، وتوفير نماذج صيغ لعقود جميع المعاملات التي يمكن أن يحتاج الناس إلى إبرامها، وتقديم المساعدة والتوعية لكل من يحتاج مشورة في إبرام عقد. وفي بعض المعاملات الكبيرة يمكن أيضاً إلزام الناس فيها بعقود موحدة. كما يمكن أن يُلزم الناس بتوثيق عقودهم لدى المحامين، مقابل رسوم رمزية، غير مكلفة للناس، بحسب أهمية وحجم العقد، حتى نضمن سلامة صياغة العقد أولاً، ونستفيد من شهادة المحامي على بنود العقد ونية أطرافه، عند حدوث نزاع حول هذا العقد. وإذا ما تحققت هذه النتائج فإنه بلا شك سيكون لها الأثر الكبير جداً على سرعة الفصل في النزاعات، وحفظ الحقوق، وتوثيق الالتزامات، وإزاحة عبء ثقيل عن كاهل القضاء الذي يغوص سنوات طوالا في بحث مطالبات وفصل نزاعات لا تساعد العقود بين أطرافها على ذلك. كما أن ما يبرز أهمية وضرورة مثل هذا الموضوع أن نظام التنفيذ الجديد نصّ في المادة التاسعة فقرة (ه) منه على أن من السندات التنفيذية التي يختص قضاء التنفيذ بتنفيذها جبرياً دون الحاجة إلى حكم قضائي (العقود والمحررات الموثقة) وفي الفقرة (ح) أضافت أيضاً : (العقود والأوراق الأخرى التي لها قوة سند التنفيذ وفقاً لهذا النظام). إذاً فالعقود اليوم لا ينبغي أن تستمر على ما كانت عليه بالأمس، في ظل كل ما أشرت إليه من اعتبارات. وفق الله الجهود وبارك في الأعمال والحمد لله أولاً وآخرا.
مشاركة :