تحقيق: يوسف أبولوز تقع مناطق كثيرة اليوم في العالم على خطوط طول وخطوط عرض ترسمها وتعشعش فيها قوى ظلامية متشدّدة، مرة يقال عنها إنها خارجة من الكهوف، ومرة يقال عنها إنها صاحبة عنوان واحد هو التكفير، ومرة توصف بالعنف والإرهاب، والحقيقة أن جماعات وتنظيمات الظلام هي كل ذلك: التشدد، والتكفير، والتخويف، بل، والتلويث.. تلويث الدين أولاً، وجعله مؤسسة سياسية، وبالتالي، تفريغه من محتواه الأخلاقي والاجتماعي والحضاري وبخاصة الدين الإسلامي الذي استولت على قيمه وأنواره المدنية الإنسانية جماعات سوداء فعلاً خرجت من الكهوف، وتريد إرغام العالم على الرجوع نحو التوحش وثقافة الموت. الآن، والآن بشكل خاص لابد من ثقافة مواجهة وباختصار شديد تتلخص في ثقافة الحياة نحو تطويق وإبادة جيوب وبؤر ومستنقعات الظلام.. لكن كيف؟ ما هي الآليات؟ ما البيئة الثقافية الحرّة التي يترتب الانطلاق منها باتجاه استراتيجية فكرية معرفية فلسفية تكون قادرة على الصدّ والمواجهة، وبالتالي إرساء منصة لإطلاق فكر التنوير وفكر الحياة لقطع الطرق على غربان الإرهاب... الملحق الثقافي توجه بهذه الأسئلة إلى عدد من النخب العربية الثقافية والفكرية والإبداعية في أثناء تواجدهم في دبي مطلع الشهر الجاري أثناء اجتماعات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، فكانت هذه الحصيلة من الآراء والأفكار. الكاتب وعالم الاجتماع المغربي أحمد شرّاك بدأ متسائلاً (لماذا هذه المآلات اليوم؟).. أي عبر اشتداد العنف والقتل والتدمير وعبر ما سمّاه (وهم امتلاك الحقيقة) وقال: إن من أهم أسباب وجود هكذا حالة يعود في نظرنا إلى تضخيم العامل الديني، ما جعل التعليم في الوطن العربي يقوم على رؤية دينية فيها كثير من المقولات والأفكار التي يرتوي منها هؤلاء المتطرفون، حيث كان الاعتقاد أو على الأصح كان الصراع مع بعض الأفكار أنها هي سبب محن في الوطن العربي إلاّ أن القادة السياسيين والثقافيين معهم لم يدركوا بأن لكل طرف تاريخي (براديغم) أو روحاً معرفية تهيمن على العصر في كل مجالاته. ويضيف شرّاك: إن هذا التعليم (أو في بعضه) كان قد أقصى العلوم الإنسانية والاجتماعية والفلسفية من النظام التعليمي مما جعل تفكير الناشئة تفكيراً أحادياً منمّطاً ودوغمائياً إلى حدّ كبير، ولهذا انتشر بين الناس بأن الحقيقة لنا لا لغيرنا، وأن كل ما هو خارج الدائرة (دائرتنا) يُعدّ في دار الكفر أو ما شابه ذلك. ويرى شرّاك أنه تأسيساً على ذلك تقتات داعش اليوم التي تطرح نفسها كبديل لما هو سائد من نظرات إيديولوجية للإسلام، وتحاول أن توهم بأن طريق العنف هو الطريق الأمثل، وأن ما أتى به الربيع العربي خاصةً السلم والدعوة إلى الحرية وإلى الكرامة وإلى العدالة وإلى المساواة وإلى الوحدة القطرية كما يقول شعار سوري في بداية الثورة السورية.. (واحد، واحد، الشعب السوري واحد)، وإذ بنا نجد أنفسنا أمام نكوص وارتداد عما حققته الشعوب العربية من تأكيد ذاتيتها رغم المشاكل وما آلت إليه الثورات العربية من اقتتال طائفي واقتتال حول السلطة. ها هُنا فالسيسيولوجيا هي العلم الكفيل بالتحليل العلمي للمجتمعات العربية ونواميسها، ثم التحليل العلمي لثقافة سياسية جديدة عنوانها: التنوير، وعنوانها احترام الاختلاف واحترام مختلف الحريّات، والدفاع المستميت عن كرامة المواطن العربي بعيداً عن كل الإهانات الاجتماعية، فكلما ضمنا حداً أدنى من هذه الكرامة، فلا شكّ أن المقبلين على داعش سوف يتقلص عددهم كثيراً، ولأنه إذا ما قرأنا (سيسيولوجياً) التركيبة الاجتماعية لداعش فلا شك أننا سنجد الفقر المدقع، وسنجد أيضاً ذلك الفكر الأصولي المتشدّد كردة فعل اجتماعي باعتبار أن الإسلام هو الحلّ، الإسلام كما يفهمونه لا الإسلام المتسامح والمعتدل والمنفتح الذي يعطي قيمة للآخر وكرامة مادية واجتماعية للإنسان ويحميه من المنزلقات. لا شكّ أن ثورة ثقافية هي المدخل الرئيسي لمستقبل أفضل انطلاقاً من مفهوم ثقافة واسع سواء بالمعنى (الأنثروبولوجي... عادات، تقاليد، وقيم..) أو بالمعنى الشعبي، أقصد الثقافة الشعبية أو الثقافة بالمعنى الجماهيري، أي ثقافة الإعلام، سواء بمختلف عناوينه الورقية والرقمية أو الثقافة التحتية التي تكون في الظل والهامش. إن الثقافة نسق شامل وشمولي يحتوي الذهنيات (العقليات)، والمسلكيات والعلائق والتصوّرات تجاه الإنسان والعالم. ويرى شرّاك أنه بهذه الرؤية التي قدّمها في إجابته يمكن للوطن العربي أن يتجاوز كثيراً من المطبات في المدى القريب والأوسط والبعيد. مشروع الشرق الأوسط عدنان برجي الكاتب اللبناني وأمين شؤون العلاقات العامّة والإعلام في اتحاد الكتّاب اللبنانيين، يرجع انتشار ثقافة الموت والظلامية في منطقتنا العربية إلى (.. حين توهمنا أنه يمكن لكل دولة عربية أن يكون لها مشروعها الخاص ثقافياً وسياسياً واقتصادياً). ويقول برجي: نحن أمة عربية في دول متعددة.. ثقافتنا واحدة.. أمننا واحد.. التحديات المفروضة علينا واحدة، لا يجمعنا إلاّ العروبة الحضارية الجامعة، وهذه العروبة نفتقدها اليوم.. الأمر الذي استفادت منه كل القوى المعادية جهراً وعلانية أو سرّاً وإخفاءً، ودليلي على ذلك أن الدول العربية، وكانت حديثة الاستقلال في الخمسينات وستينات القرن الماضي لم تعش ثقافة الموت والتدمير التي تعيشها الآن.. بل، كنّا في مرحلة الثقافة الصاعدة حيث كنّا في قمة الثقافة والغناء والسينما والمسرح والأدب. اليوم نعاني ثقافياً كما نعاني اقتصادياً وأمنياً، وللأسف، نعاني اختراقات خارجية في مجالات متنوّعة ومتعددة؛ لأننا فقدنا المشروع العربي الجامع، الذي هو في رأيي لا يكون بإلغاء الوطنية، ولا بالهيمنة من وطنية على وطنية أخرى، وإنما بتكامل الوطنيّات. محاولات الإقصاء والإلغاء والسيطرة لا يمكن لها أن تؤسس لمشروع عربي متجدد، وإنما تكون سبيلاً للتقسيم والتفتيت والتفرقة، ونحن للأسف في خضم مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي جهر بعناوينه (برنارد لويس) و(إيدوت بينون)، ومنذ العام 1982، الذي تركز عليه مؤتمرات (هيرتزليا) سنوياً القائم على تقسيم على الأقل سبعة دول عربية. إن مهمة الكتّاب والأدباء العرب يجب أن تتركز حالياً على تعزيز الوحدة الوطنية الشعبية في كل مجتمع عربي، ونبذ كل دعوة للتطرف الطائفي والمذهبي والعرفي والإثني؛ لأننا أبناء دين يقول في الآية الأولى من فاتحته، إن الله سبحانه وتعالى هو رب العالمين جميعاً ونحن كعرب عرفنا تاريخياً أننا نقبل الآخر وأننا متسامحون وفي كنف الدولة العربية الإسلامية في الأندلس وقبل الأندلس عاشت الأديان كافةً بحرية ومساواة شهد لها كل أحرار العالم. إن خنق الحريات وتقييدها يفيد أصحاب الفكر الظلامي التكفيري؛ لأنهم يركزون على عامل الخوف، فيما الحرية تطلق الأفكار لتتلاقح ولتقدم الجديد المرجو الذي من دونه لا يمكن الخروج ممّا نحن فيه. آن الأوان لأن يرتفع كل صوت عربي لوقف القتال والاقتتال وتضييع الجهود والإمكانات في غير أماكنها الطبيعية. إن كل نقطة دم تسقط في الوطن العربي هي خسارة لنا جميعاً، وكل دمار يصيب أي منطقة عربية هو تأخير في مسيرتنا التنموية التي هي أساساً متأخرة. إن كل ما يحيط بنا له مشاريعه الخاصة وأهدافه الخاصة، فأين المشروع العربي الذي يجب أن يتوفر لنحافظ على كياناتنا الوطنية وعلى أمتنا العربية كي نبني مستقبلاً واعداً للأجيال القادمة. نومنا الذي طال الشاعر الجزائري يوسف شقرة رئيس اتحاد الكتّاب الجزائريين وجّه في البداية تحية لجريدة الخليج وقال: أولاً أرفع صوتي عالياً لدور جريدة الخليج الرائدة في نشر الثقافة الجريئة للصوت العربي في زمن القهر والعتم. وقال: من هنا أجد مدخلاً لسؤالكم حول الثقافة ودورها في مواجهة هذا المظهر المريب لقوى الظلام والتدمير للذات العربية والتهام موروثها الثقافي وبناها التحتية. وتساءل شقرة هل نبقى نتباكى على الفردوس المفقود أم نتسلح وننهض من نومنا الذي طال؟ وقال: إن إعادة بناء الإنسان العربي وتسليحه بمنابع الثقافة العربية الرائدة والمتسامحة والرزينة والفاعلة والبنّاءة هي بالتأكيد ستجعل منه فاعلاً لا مفعولاً به، أو معولاً في يد الآخرين. إن التطرّف والتزوّد بأسباب التفرقة الموروثة من تاريخنا القديم هي زادٌ استثمره الآخر لضرب الذات العربية والثقافة العربية التي هي في الأساس عامل بناء لا هدم. إن الأجنبي استثمر كثيراً في العرقيات والطائفية والاختلاف المذهبي (الذي كان ينبغي أن يكون رحمة لا نقمة) ليجعل منّا شعوباً وقبائل تتقاتل فيما بينها بأقنعة مختلفة، لكن الهدف واحد وهو إضعاف الوطن العربي الواحد، وهنا يأتي دور المثقف التنويري المنبهّ لهذه المخاطر، الطارح للبدائل التي تدفعنا لإعادة بناء الذات، وبناء الأوطان، ومدّ الجسور الصحيحة التي لا تكسرّها يدُ داعش وأخواتها ومخابر العدوّ الواحد المتعارف عليه. وهناك دور على الحكومات العربية في تجفيف بؤر توليد هذه الطفيليات التي تتكاثر لتكوّن جيشاً هدّاماً داخل الجسم الواحد. ثقافة الإرهاب د. صلاح الراوي أستاذ ورئيس قسم الأدب الشعبي في أكاديمية الفنون في القاهرة، رأى أن أدق وصف لما يجري الآن هو أنه (ثقافة الإرهاب). بهذا المعنى، يؤكد الراوي،... أن ما يجري الآن من مشروع إرهابي ممنهج على مستوى الوطن العربي هو مشروع ذو ارتكاز ثقافي يعتمد على تأويل سياسي للنص الديني يبرر الإرهاب، ويكرّس له، بل، ويشرعنه، ولابد أن تكون المواجهة المضادة مواجهة ذات ارتكاز ثقافي، أي استخدام الاستراتيجية نفسها وربما التكتيك نفسه، أي الخطط والأدوات. عناصر كثيرة من الثقافة السائدة، وأقصد الثقافة الأكثر عمومية تنطوي على مفاهيم وقيم إرهابية تتخذ مواقف من الطائفة ومن المذهب إلى آخر هذه التقسيمات التي تضع كل أنا في مواجهة كل آخر. من خلال هذا الفهم ينبغي أن تتبلور ملامح المواجهة على أن يسبقها إدراك عميق ووعي منهجي بملامح الطرف الإرهابي.. هذا الوعي يقتضي الدخول في ملاءمات وتوازنات تتيح للطرف الذي يحمل السلاح ويهدّد الحضارة والبشر والحجر أن يجد له موضعاً في الصياغة النهائية لأوضاع هذه الأمّة.. أقصد أن الأمر لابدّ أن يكون حازماً وحاسماً؛ لأنها مواجهة تتخذ حتى الآن احتراباً عسكرياً وأمنياً بكل تعقيدات هذا الاحتراب وتجلياته، وتؤمن أن الحل الأمني ليس هو الحل الكافي مع أهميته، وإنما ينبغي أن ينادده ويزامله (حذو الركاب) المواجهة الثقافية، بمعنى المواجهة المعرفية، بمعنى تنقية التراث والحيّ أيضاً من ثقافتنا، وأيضاً من دون توازنات وملائمات. ويضيف الراوي: المواجهة الثقافية منظومة متكاملة لا يغني بعضها عن بعض، وهي وحدها الكفيلة بإنجاز تجفيف حقيقي لمنابع الإرهاب فكرياً وهو الأخطر... الجدار الأخير الشاعر الفلسطيني مراد السوداني رأى أن الثقافة هي الجدار الأخير الذي - كما قال- (إن انفضَّ) تتسرب الطحالب السوداء والأنياب المسمومة، والمقولات الشوهاء التي تصيب الوعي الجمعي في مقتل. وطالب السوداني بما أسماه (الأمن الثقافي): لمنازلة سياقات الموت والتكفير والمحو والإلغاء التي طالت وتطول فضاءات ومساحات الأمة، وها نحن نرى الدم يسيل من جسد البلاد العربية بفعل استدخال أدوات الموت والتدمير الممنهج المحمولة على فتاوى تكفيرية مُدانة كانت نتائجها الكارثية بالتفكيك والتقسيم لبلداننا العربية... هذه الفتاوى حيث الإسلام منها براء والمستفيد من كل هذه الفوضى أعداء الأمة من أجل إطفاء عين الكاميرا والوعي عن قضية العرب الأولى.. القضية الفلسطينية، وإذا أراد العرب الخروج من مأزقهم الحالي فعليهم العودة إلى أولهم.. وأول الوعي قضية فلسطين التي تتعرض اليوم إلى أبشع حملة من الإلغاء والاستهداف الاحتلالي الذي يستبيحها جغرافياً ووعياً وتاريخاً وذاكرة، وفي القلب منها القدس التي توغل فيها الاحتلال تشويهاً وتزويراً وموتاً معمّماً. هذا يتطلب تصليب الجبهة الثقافية مؤسسات وأفراداً لمواجهة (تسونامي) الموت والقتل والتكفير الذي يُغذّى من أعداء الأمة ليطول إرث العرب وتاريخهم ويشوّه الإسلام باعتباره دين التسامح والمحبة والاتساع، فإذا تحصّلنا على الأمن الثقافي بالضرورة نصل إلى الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي ونحمي المجتمعات من غول الجهل والخرافة والظلم والظلام. التعامل بحذر الروائي الفلسطيني وليد أبو بكر قال: لابد أن تكون هناك جبهة ثقافية تبدأ من الجذور لمواجهة الحاضنة التكفيرية، ويبدأ ذلك من مناهج التدريس، وتمتد إلى الثقافة الشعبية الدينية. وقال أبو بكر: أعتقد أن على كل مثقف عربي حقيقي أن يعتبر نفسه فدائياً في المواجهة الصعبة؛ لأن التغيير السياسي والثقافي والاجتماعي نفسه لن يحدث إلاّ من خلال هذه المواجهة. ورأى أبو بكر أن الثقافة التكفيرية هي ثقافة سائدة اجتماعياً، والتعامل معها يجب أن يكون حذراً وذلك بسبب تجذّرها في المجتمعات العربية سنوات طويلة، وبذلك يتم تنقية الدين الإسلامي من الشوائب التي علقت به. وأشار أبو بكر إلى أن هناك المئات من المحطات والمنصّات الإعلامية تسهم في ثقافة التكفير، وكل ذلك يشكل حاضنة للإرهاب.. والدين بريء من كل هؤلاء. حالات استفزازية الكاتب خالد عمر بن ققه المستشار الإعلامي رئيس التحرير التنفيذي لمجلة (الكاتب العربي) قال: إذا كان يحق لنا القول، إن للثقافة دوراً في تطوير المجتمعات واستقرارها، فإن الثقافة العربية اليوم مؤهلة في أكثر من أي وقت مضى لأن تكون هي الفاعل الأكبر والجامع لما تواجهه الأمة من شتات. وقال بن ققه: الحالات التي يتمثل فيها الإرهاب والتشدد والعنف تعتبر حالات استفزازية لتصبح الثقافة هي البديل الأفضل للمواجهة، بل إنها تتجاوز القرار السياسي والدعم المالي واللوجستي، كون الثقافة هي الباقية بعد أن يتخلى الآخرون عن أدوارهم أو يتم إقصاؤهم، وليس تمنياً ولا تفاؤلاً ولا حتى استنجاداً حين نقول، إن الثقافة هي ما تبقى لنا بعد أن ضاعت منا كل القوى الأخرى. وقال بن ققه: مواجهة التشدد والإرهاب لا تحتاج إلى انسحاب أو انجذاب إلى عالم الجماعات التكفيرية، ولكنها تعتمد أساساً على مسألة وتنوير الثقافة والانسحاب من الاحتكام إلى الماضي، بالمقابل علينا نحن أن نذهب إلى المستقبل والحداثة، لذا فإن الحديث أو الدعوة إلى تفعيل المؤسسات الثقافية والتعليمية والأكاديمية هي رهانٌ فاعل، لأنه يشمل كل الأجيال، ومشكلتنا مع الجماعات الإرهابية هي أننا تتصارع في فضاء واحد تمكنت في بعض الحالات، وفي ظل غياب العقلانية والتنظيم، إلى تجنيد مكوّنات ذلك الفضاء وعناصره. غياب الآليات الروائية المصرية سلوى بكر رأت أن المشكلة ليست في تشكيل جبهة ثقافية لمواجهة الإرهاب، بل المشكلة في غياب آليات ثقافية.. وقالت: نحن في حاجة إلى آليات ثقافية ترسخ ثقافة العصر في مواجهة الثقافة الماضوية السائدة. ورأت بكر أن مخططات التقسيم لا تتصل فقط بتقسيم الخرائط، ولكن يصل ذلك إلى تقسيم المجتمعات العربية، والفكر العربي.. والهدف هو خلق جزر ثقافية متباعدة، ومن تجليات هذا التباعد (بحسب سلوى بكر) أن الموسيقي- مثلاً، لا يذهب لحضور معرض تشكيلي، والرسام لا يذهب لحضور أمسية شعرية... وهكذا. وأضافت بكر: نحن في حاجة إلى آليات إنتاج ثقافي تواجه عملياً كل تيار ظلامي في المنطقة. أميّة ثقافية وهجائية الكاتب المصري د. علاء عبدالهادي قال: هل يمكن أن نتجاهل أن التطرف وليد أنظمة قمعية.. هل يمكن أن نتجاهل أن التطرف نتيجة لغياب الحريات، فيتم الالتجاء إلى السرّ دون العلن، وبناءً على ذلك لا تُناقش القضايا المهمة مناقشة شفافة وعلنية وصريحة أو تظل حبيسة الغرف المغلقة وعقول الجماعات المارقة.. وهل يمكن أن نغض الطرف عن أن الفجوة بين الدين والتدّين تتسع يوماً بعد آخر نتيجة غياب الخطابات الثقافية البديلة التي تؤمن بالحوار المفتوح وكسر التابو المثلث، وهل يمكن أن نتجاهل كل ذلك في ظل مناخ تسيطر عليه أميّة هجائية كبيرة، وأميّة ثقافية أكبر.. هذه هي وجهة نظري حول أهم الأسئلة التي يجب أن تطرح على نطاق واسع في جميع الاتحادات والأسر الثقافية العربية. ومن خلال منظور نقدي للسياسات الثقافية القائمة لا يمكن وضع استراتيجية عربية ثقافية إلا انطلاقاً من نقد القائم، ونكون من السذاجة أن نظن أن ما لم تستطعه الدول العربية مجتمعة يمكن أن تقوم به دولة عربية وحيدة، من هنا تأتي أهمية البُعْد الثقافي العربي التكاملي في أي مشروع ثقافي قطري، وتحضرني هنا مقولة مهمة ل إنشتاين وهو يقول: من الجنون أن نكرر الأشياء أنفسها وننتظر نتائج مختلفة. هذا هو التوصيف.. إننا نعاني إشكالية ثقافية كبيرة في الحقيقة تقوم بتدوير الفشل التاريخي للمشروع الثقافي العربي، حيث انتقلنا من أزمة الثقافة إلى ثقافات الأزمة، ومع هذا يحدونا الأمل أن يقوم الاتحاد العام للكتّاب العرب بمجاوزة نشاطه الاحتفالي المعتاد في الفترات السابقة إلى تغيير حقيقي في بنية الثقافة العربية، وأظن أننا يمكن بما نملكه من عناصر ثقافية جادّة ومقوّمات مادية وتاريخية، إنجاز هذا الفعل في القريب العاجل. ثقافة التسامح الكاتب البحريني فهد حسين قال: إن هناك قوى متعددة وراء صناعة الإرهاب وذلك بهدف كسر شوكة كل دولة لها دور قومي طليعي. وهناك تيارات ظلامية تؤمن بإلغاء الآخر أياً كان.. كإنسان.. كقومية.. كطائفة، كدين، وهذه التيارات لا تؤمن إلاّ برأيها (أحادية الرأي). ولكي نتمكن من بناء استراتيجية مواجهة ثقافية تجفف منابع ثقافة الإرهاب يرى حسين أنه يترتب تغيير المناهج المدرسية، ويحدد حسين بالقول.. تحديداً تغيير مادة التاريخ وعلينا أن نفتح أذهان طلبتنا على الأديان والحضارات والثقافات الحية الأخرى. ويرى فهد حسين أنه في سياق ثقافة المواجهة علينا تعزيز قيم المواطنة، انتقالاً من الأسرة إلى المجتمع، بصرف النظر عن المذاهب والطائفيات والأعراق واللون. ويدعو حسين ضمن ثقافة المواجهة إلى أن تقوم وزارات الثقافة في الوطن العربي بتنظيم مهرجانات وملتقيات تعزز ثقافة التسامح والاعتراف بالآخر، وتغيير الأفكار التي غرستها بعض الكتب التراثية وها نحن نذوق مأساتها اليوم. ويدعو حسين الكتاب والمثقفين العرب إلى تكوين درع ثقافية لتمكين ثقافة التسامح من المجتمعات العربية، وأخيراً، يرى أن على المثقفين العرب أن يغيرّوا الصورة النمطية للعربي في الغرب فنحن شعوب تسامح ومحبة وتعايش.
مشاركة :