في خلال شهر واحد، هو شهر ربيع الأول من هذا العام، أغلقت وزارة الصحة مائة منشأة صحية لمخالفتها «للأنظمة»، كما رصدت (292) مخالفة على المؤسسات الصحية الخاصة والمنشآت الصيدلانية في عدد من مناطق المملكة، كما بلغت المخالفات فيما يتعلق بالكوادر الطبية أو الفنية (52) مخالفة خلال الشهر ذاته. نعم، كتبت وكتب كثيرون، وانتقدنا أوجه القصور والإهمال في مجال الرعاية الصحية في البلاد، ولن نمل من الكتابة في هذا الموضوع، فليس هناك أغلى من الصحة. وإذا كنا كشفنا بعض سوءات ومقالب المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، فإن من واجبنا كذلك أن نشير إلى ما نلمسه في المنشآت الصحية الخاصة من قصور وإهمال. مديريات الشؤون الصحية تشرف على (130) مستشفى خاصا في ربوع البلاد و(2000) مجمع عيادات طبية و(7000) صيدلية، كما أن هناك ثمانية وتسعين ألف ممارس صحي بالمملكة، ولا ننكر هنا دور القطاع الطبي الخاص في مجال الرعاية الصحية في البلاد، فهو دور مكمل لما تقوم به المنشآت الحكومية، لكن هذا لا يعني أن يترك الحبل على الغارب لممارسات بعض من دخل هذا المجال بدافع جني الأرباح وتحقيق المكاسب المادية، دون مراعاة للبعد الإنساني والحس الوطني. الصحة تولي جانب المراقبة والتفتيش أهمية بالغة كي تتأكد من تطبيق أحكام الأنظمة واللوائح بهدف المحافظة على سلامة الخدمة المقدمة للمريض، وذلك من خلال المتابعة الدورية عن طريق لجان التفتيش في مديريات الشؤون الصحية أو عن طريق الجولات المفاجئة، أو بناء على تعاون المواطنين، وتتخذ العقوبات اللازمة تجاه المخالفات، تلك العقوبات التي تتمثل في الغرامة المالية أو الإيقاف عن العمل أو سحب الترخيص أو الإغلاق المؤقت أو النهائي للمنشأة، وقد يتم استبعاد الممارس الصحي المخالف من البلاد ومنعه من العودة إليها. لكن هذه العقوبات ــ في اعتقادي ــ غير كافية على الإطلاق، وليست رادعة، بحيث تغلق الباب أمام كل من تسول له نفسه ــ من أصحاب المنشآت الصحية أو العاملين بها ــ للعودة إلى ارتكاب ذات المخالفات أو غيرها. فماذا تفيد الغرامة المالية أو الإغلاق أو استبعاد المخالف، إذا كان التقصير، أو الإهمال، أو المخالفة تتعلق بصحة إنسان، وربما كانت سببا في فقد حياة، أو بتر عضو، أو زيادة مرض؟!. مطلوب إعادة النظر في التشريعات والعقوبات المتعلقة بالمخالفات في مجال الرعاية الصحية، على المستويين الحكومي والخاص، لأن أموال الدنيا كلها لا يمكن أن تعوضنا عن فقد عزيز، أو تألم قريب.لم أجد في العقوبات ــ على حد علمي ــ سجنا على سبيل المثال، أو تشهيرا بصاحب المخالفة أو المسؤول عنها، وإذا كانت معالجة المخالفات بالغرامات، فيالها من معالجة هشة غير رادعة، فتلك المنشآت الصحية الخاصة تحقق أرباحا طائلة، من خلال إدخال المريض ــ أي مريض ــ ، ولو أنه ليس بحاجة فعلية إلى دوامة الفحوص والتحاليل والاشعات التي تتم داخل المنشأة، ناهيك عن تدني مستوى الكثير من الأطباء القادمين إلينا من كل حدب وصوب، ونحن نعلم أن الكثير من الأطباء الحاذقين المهرة في بلادهم، لايأتون إلينا لأنهم يحققون في بلادهم دخولا أكثر مما تمنحه لهم هذه المؤسسات الطبية الخاصة في بلادنا. مطلوب التدقيق بشكل أشد على هؤلاء العاملين في هذا المجال، مع ضرورة إعادة النظر في العقوبات، «فيا.. روح.. ما بعدك روح».. والغرامات والإغلاق لايكفيان للمحافظة على صحة المواطن.. والمقيم أيضا.
مشاركة :