هل تعرف أن المجتمع المصري يعيش حالة من السخط والغضب الكامن ما يكفي لإشعال نيران ثورة لا تستطيع أحدث صفقات الجيش من السلاح الروسي والفرنسي إطفاء شرارتها. يمكنك بسهولة المقارنة بين ردود فعل الشعب المصري والاستماع لمناقشاتهم بالأماكن العامة والمواصلات منذ سنتين ونصف فقط وبين الآن، بل يكفيك فقط التمعن في وجوه المصريين لتدرك حقيقة الأمر. إن نسبة احترام الشعب لعبد الفتاح السيسي ومقدار حبهم لشخصه قد تضاءل إلى أضعف النسب، ذلك الشعب الذي استلهم في شخصه رمز الزعيم جمال عبد الناصر في وقت ما، استيقظ على حقيقة رآها الجميع في قمة العشرين بالصين من ضعف "كاريزما" السيسي وضعف شخصيته كرئيس لدولة بحجم مصر، وظهوره في المشهد كشخص عادي بين رؤساء أكبر الدول، يفتقد لهيبة الرؤساء ولم يحظَ باهتمام ولفت أنظار يجعل منه هذا الزعيم الذي رسمته أضغاث أحلام البعض. إلا أن الفئة المستكينة التي تحمل لواء تقديس القوات المسلحة كرمز للأمان والشعور بالدفء والطمأنينة لا تنظر إلى السيسي باعتباره شخصاً يمكن الإطاحة به، وإنما باعتباره أحد قادة الجيش ووزيراً سابقاً للدفاع، وهذا ما يحتمي به السيسي دوماً والذي كان وسيلته للوصول إلى حكم مصر، ليفرض نفسه على المشهد السياسي بقوة السلاح ومباركة المجلس العسكري. الثورة في مصر الآن مشتعلة بالنفوس وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، وليست بالميادين، وهذا ما أردت طرحه بهذا المقال، فهل خروج تلك الثورة من النفوس إلى الميادين حلم جميل يتمنى الشباب تحقيقه، أم كابوس مخيف يخشى المصريون الاستيقاظ على أهواله؟. يحزنني أنني أستشعر الإجابة جلية في عيون كل مصري كان شاهداً على ما مرت به مصر منذ عام 2011 وحتى فض اعتصام "رابعة" في 2013، فما بين هذه الفترة يعد درساً قاسياً تعرض له جميع المصريين يجعلهم يفكرون آلاف المرات قبل الخروج إلى ثورة جديدة مهما بلغت مرارة الواقع إلا أن ما رأوه يجعلهم يضعون أحذيتهم بأفواههم ولا ينطقون. خلال تلك الفترة انتقلت ممارسات أمن الدولة إلى الشوارع والميادين والإعلام، فرأينا المجازر المرتكبة بحق المصريين ابتداء من قتلى التحرير، مروراً بأحداث موقعة الجمل ومجلس الوزراء ومحمد محمود الأولى والثانية وماسبيرو، وحرق المجمع العلمي ومجزرة بورسعيد، وتشابهت الجرائم الممنهجة لإرعاب المصريين، ورغم أن الجاني لدى الجهات الأمنية معلوم إذا أرادوا معرفته، فإنه أصبح طرفاً ثالثاً مجهولاً، ودماء المصريين تنزف بلا قصاص وبلا محاكمات. الإعلام يلعب دور ضباط المخابرات في غسيل ممنهج لعقول فئة كبيرة من المصريين تبث الرعب في نفوسهم، وتظهر القنوات الجديدة بأموال أباطرة نظام العسكر بأهداف محددة لتنفيذها خلال هذه الفترة، فتكثر المناظرات السياسية على الهواء بين المختلفين وبرامج التوك شو، وإبداء المشهد على أن من يتصدرونه مجموعة من العملاء والمأجورين والمتآمرين على جيش مصر العظيم. الانقسامات زادت بين أبناء البيت الواحد، والميدان تحول إلى سوق من الخيام والمنصات، التحرش وانتهاك أعراض الفتيات كان يتم بأسلوب مخطط في أكثر من واقعة بالميدان خلال تلك الفترة. كانت فترة مخيفة تمت معاقبة الشعب المصري خلال ثلاث سنوات بنجاح عن طريق إغراقه في بحور الدم والانقسام والتخوين والفوضى والتخويف وقطع النور ومنع البنزين والبطالة والأزمات لم يجد الشعب المصري خلالها من يحنو عليه، لتأتي سفينة إنقاذ القوات المسلحة المصرية يقودها وزير الدفاع، لتحتضن الشعب الغارق وتنقذ المصريين، لتصل الرسالة واضحة إليهم مكتوباً فيها "الثورة كخ، الحرية كابوس، ما تعملوش كدا تاني، الشعب لا يستطيع أن يحكم، ولكن سيادة الفريق يحكم، سيادة المشير يحكم". وبدون تفكير أو أدنى وعي يرد الشعب المُستنزَف على مدار سنوات "سمعنا وأطعنا، الجيش والشعب إيد واحدة"، وتعود الأمور مرة أخرى إلى رئيس بعقلية عسكرية في زي مدني، وسبحان الله، كأن القوات المسلحة تمتلك عصا سحرية لم تستخدمها خلال ثلاث سنوات، وإنما انتظرت حتى يتلقن الشعب الدرس جيدا، ثم بين يوم وليلة يسيطر الجيش على الأمور وتنفرج الأزمات وتتوقف الفوضى، ويبدأ الحكم العسكري صفحة جديدة من تاريخه السياسي في امتلاك الدولة منذ سنة 1952. الشعب لا يحتاج ثورة على رئيس أو حكومة أو نظام، وإنما يحتاج ثورة على عقول وأفهام، يحتاج إلى تغيير الوعي الزائف بين أبنائه، الشعب يحتاج إلى ثورة على الشعب نفسه؛ لينهض من جديد مدركاً أن الأرض أرضه والوطن وطنه، وأن الثورة هي الحلم الذي أرادوه كابوساً. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :