في الوقت الذي حزنت فيه الاوساط الاقتصادية لمغادرة الدكتور أحمد محمد علي مقعده كرئيس للبنك الاسلامي للتنمية لأكثر من 42 سنة، بنهاية العام الهجري الحالي، اصدر مجلس المحافظين للبنك قراره بالإبقاء على الدكتور محمد علي رئيساً فخرياً للبنك مدى الحياه، اطال الله بعمره. وبحسب الدكتور محمد علي فإن فكرة انشاء البنك واعتماد تنفيذ أول مشروع تنموي له في العام الاول من انشاء البنك يعتبر أكبر تحدي وأعظم درس استفاد منه في حياته، إذ أن تأسيس البنك تطلب مساعدة من المؤسسات الدولية التي سبقت البنك مثل: بنك التنمية الاسيوي والبنك الدولي وغيرها من المؤسسات التي لم تتأخر في مساعدة البنك الاسلامي في تأسيس أولى خطواته، بعد أن تم تأسيس أمانة البنك، فبدأ البنك بقيادة الدكتور أحمد في اعداد الاجراءات والسياسيات الاستثمارية والخطوط الارشادية. إذ كان اهم شيء بالنسية للدكتور والعاملين في البنك هو نجاح اعتماد المشروع الاول "سد سون لولو" في الكاميرون، في الوقت الذي كانت تتعالى فيه اصوات المتشائمين داخل الوطن العربي وخارجه من المشككين في قدرة البنك على جمع الاموال مع الدول الاعضاء والاستمرار في تمويل المشاريع التنموية، حيث قيل لرئيس البنك لأكثر من مره بصريح العبارة أن هذا الصرح لن يستمر طويلاً وسيواجه الفشل في خطواته المستقبلية، وهو ما رفضه الدكتور أحمد محمد علي وجميع العاملين مع من مختلف البلدان الاسلامية. وواصل البنك مسيرته التنموية في دعم وتمويل المشاريع في الدول الاسلامية في نقلات نوعية يعكسها حجم رأس مال البنك المُصرح به والذي ارتفع من 3 مليارات دولار عند تأسيس البنك 1975م، ليتجاوز اليوم 150 مليار دولار امريكي، فيما بلغت اجمالي عمليات التمويل التي اعتمدها البنك منذ تأسيسه أكثر من 115 مليار دولار، وهو ما يبرز الانجازات الهامة التي حققتها مجموعة البنك الإسلامي للتنمية على مدار مسيرته بإنشاء نموذج اسلامي تنموي فريد يقوم على الشريعة الاسلامية، والمساهمة الواسعة في التنمية الاقتصادية للدول الاعضاء، وتعزيز التنمية الاجتماعية، وتحسين احوالهم، وتوفير فرص العمل، مساعدة المسلمين في ظروفهم المعيشية الصعبة مثل الكوارث الطبيعية والنزاعات والازمات المالية بتقديم المساعدة العاجلة ومساعدة تلك الدول لمرحلة ما بعد الازمة، علاوة على انشاء مؤسسات مالية وتطوير منتجات اسلامية تساعد الدول على النمو وقت الازمات الاقتصادية. ونتيجة لكل تلك الجهود التي كان يترأسها الدكتور أحمد محمد علي، وجد البنك كل الاعتراف والتقدير من المؤسسات التصنيف الاقتصادي العالمية الثلاثة مما يؤكد على قوة الانجازات التي حققها البنك، وكان وراء كل تلك الانجازات فكر اقتصادي وعزيمة تسترخص الصعاب وتقاوم الاحباطات وتقاوم المعوقات ليكون اليوم افضل من الغد من منسوبي البنك الذين قدموا من مختلف اقصاع الارض برئاسة الدكتور أحمد. ويقول عنه الدكتور ابراهيم العساف، وزير المالية، أنه خلال السنوات الأخير عبر له في أكثر من مره عن رغبته في التقاعد إلا أنه في كل مرة كانت يواجه طلبه بالرفض من قبل مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز –رحمه الله، وكذلك من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله- حتى اقتنع اخيراً بالموافقة تقديراً لظروف الدكتور أحمد الذي ناهز عمر الـ 88 عاماً. وذكر العساف أن الدكتور أحمد محمد علي عمل في ادارة شؤون البنك بكل اخلاص وتفاني لدرجة أنه لم يغب أو يتأخر يوم واحد عن عمله في مقر البنك، إلا بسبب ظروف السفر، ولم يحصل ان تخلف أو تأخر عن اجتماعات مجلس عموم البنك والبالغ عددها 314 اجتماع، كما لم يرصد له خلال عمله على مدار العقود الاربعة أي تأخير إلا مرة واحدة بسبب اغلاق الطريق الذي اعتاد على ارتياده بسبب أعمال البناء والتصليح. ونتيجة لهذا التفاني في عمله حصل على اكثر من 25 وسام وجائزة من حكومات الدول الاعضاء، واجماع على اختياره رئيسا للبنك خلال العقود الاربعة الاخيرة بالاجماع. ولا يعتبر الدكتور أحمد المؤسس الحقيقي لمجموعة البنك فحسب؛ بل هو كذلك مؤسس هيئة المحاسبين والمراجعين للبنوك الاسلامية، كما انه يقف داعما خلف مؤسسات المصرفية الاسلامية، ونتيجة لهذه الجهود اصبح البنك الاسلامي مرجعا للعمل المصرفي الاسلامي، بحسب قول وزير المالية العساف. وتعتبر مؤسسة البنك الاسلامي للتنمية فكرة من افكار الملك فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله- الذي كان يهدف من خلاله تحقيق فكرة التعاون الاسلامي أو التضامن، في اتجاه يعكس رسالة الاسلام وثقافته وحضارته، ويجسد دور المملكة باعتبارها امتداد للدولة الاسلامية الاولى وراعية للحرمين الشريفين. وكانت هذه الفكرة في عقد السبعينيات بالتصادف مع قيام الملك فيصل – رحمه الله- برحلة شملت الكثير من الدول الاسلامية التي كانت تعاني حالة من توهان بعد خروج الاستعمار منها وحاجتها للتنمية والمساعدة العاجلة.
مشاركة :