يحكي مهاجم فريق بالميراس ومنتخب البرازيل المتألق لـ«الغارديان» عن المكالمة الهاتفية التي تلقاها من جوسيب غوارديولا وأقنعته بالانضمام إلى مانشستر سيتي، وكيف أن والدته لا ترضى عنه أبدًا حتى يقوم بواجباته الدفاعية أيضًا. لا أحد يريد أن يتعرض للتوبيخ من والدته، وغابرييل خيسوس ليس استثناء في هذا. يملك الولد الذهبي البرازيلي الذي وقع لمانشستر سيتي في الصيف مقابل 27 مليون جنيه إسترليني وسينضم إلى متصدر الدوري الإنجليزي الممتاز في يناير (كانون الثاني) المقبل، إمكانات تؤهله لأن يكون واحدًا من أفضل المهاجمين في العالم. لكن ما يميزه أكثر هو رغبته في أداء واجباته الدفاعية. وهذه ليست صفة يشاركه فيها كثير من المهاجمين، لكن ربما لأنهم لم يتعرضوا للتوبيخ من أمهاتهم عندما لا يساندون زملاءهم المدافعين، كما يحصل مع خيسوس. يقول في أول مقابلة له مع وسيلة إعلام غير برازيلية منذ توقيعه لسيتي: «نعم، صحيح أن والدتي تلومني عندما لا أقوم بالواجب الدفاعي. نحن قريبان جدًا من بعضنا بعضًا، وهي تطالبني بالمزيد، وهو شيء رائع. تمتدحني فقط إذا قمت بشيء يستحق الثناء. وهي تصدقني القول دائمًا وصدقها يساعدني كثيرًا». وتمثل السيدة فيرا لوسيا حضورًا دائمًا وإيجابيًا هائلاً في حياة غابرييل خيسوس، وليس هذا بالمفاجئ بالنظر إلى نشأته. رحل والد اللاعب عندما كان غابرييل خيسوس صغيرًا وتكفلت والدته بتربيته وأشقائه الثلاثة. كانت تعمل في غسيل الملابس آنذاك ولم تكن تتوفر على كثير من الأموال. يقول: «ينضج لاعب كرة القدم أسرع من أي شخص آخر. كبرت سريعًا جدًا بسبب الصعوبات والمسؤوليات التي كنت دائمًا أتحملها». يعيش غابرييل خيسوس حالة من النضج الشديد رغم أنه لم يزل في عامه الـ19. التقينا في أكاديمية كرة القدم، وهي مركز تدريب بالميراس وهو شخص مهذب ومتواضع. لا يرتدي نظارة شمس أو سماعات أذن ولا يلعب بهاتفه أثناء المقابلة. يبدأ بالاعتذار عن تأخره عن الموعد، موضحًا: «كان علي أن آخذ حمام الثلج». كانت الـ18 شهرًا الماضية فترة صاخبة بالنسبة إلى هذا الرجل القادم من ضاحية خارديم بيري الفقيرة الواقعة على تخوم ساو باولو (مجتمع فقير لكنه أكثر سلامًا). في مارس (آذار) 2015، ظهر لأول مرة بقميص بالميراس بعد أن سجل 22 هدفًا في بطولة باوليستا تحت 17 عامًا، وفي نهاية الموسم اختير كأفضل لاعب صاعد بالدوري البرازيلي «البرازيليارو». وكانت هذه مجرد البداية. في هذا الصيف فاز بذهبية دورة الألعاب الأولمبية مع المنتخب البرازيلي، ثم شارك لأول مرة في صفوف المنتخب الأول، وسجل هدفين في مباراة أقيمت خارج الأرض ضد الإكوادور، وفاز فيها منتخب السامبا بـ3 أهداف دون رد. ويعد مهاجم المنتخب البرازيلي وريال مدريد السابق، رونالدو، من أشهر الوجوه التي عبرت عن إعجابها بخيسوس. وقال رونالدو أخيرًا لقناة «تي في غلوبو»: «عندما أرى غابرييل أتذكر الماضي الذي عشته، وهنالك مسيرة رائعة بانتظاره». منذ وقت ليس ببعيد كان غابرييل خيسوس يلعب لفريق الهواة «بيكينيوس دو ميوه أمبيانتي» على ملاعب معسكر السجن الحربي المعروف بـ«رومايو جوميز». انتقل إلى أنهانغويرا، لكن - على خلاف كثير من المواهب الفذة هذه الأيام - لم ينضم خيسوس لنادٍ كبير - بالميراس - قبل أن يبلغ عامه الـ15، ومن ثم فهذه مسيرة شكلتها كرة الشارع إلى حد بعيد. ضاحية طفولته حاضرة دائمًا في مخيلته، وعلى بشرته. على ساعده وشم يظهر صبيًا يمسك بيديه كرة، وينظر إلى حي فقير أمامه، ويحلم بمستقبل أفضل في كرة القدم. يتطابق الوشم تقريبًا مع ذلك الذي كان يحمله صديقه نيمار. يقول: «كنت دائمًا أجد متعة في العمل الشاق، ولهذا أحاول أن أقدم أفضل ما عندي على المستوى التكتيكي، وكذلك من خلال دوري كمهاجم. حاولت منذ سنوات عمري الأولى، أيام كنت ألعب كرة الشارع (فاريزا)، أن أستفيد من تعليمات كل المدربين الذين تدربت على أيديهم. لم أزل كما أنا اليوم. من الأهمية بمكان قبل كل شيء أن أدخل الملعب وأنا أعرف ما ينبغي علي عمله لمساعدة الفريق». لم يعد خيسوس يعيش في خارديم بيري، لكنه يعود للحي من وقت لآخر لزيارة أصدقائه. وعندما كان هناك في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أوقفته الشرطة بينما كان يقود سيارته الفارهة. كتب على «إنستغرام» يقول: «لا يمكن لولد أسود أن يقود سيارة جميلة في الحي الذي نشأ فيه من دون أن توقفه الشرطة. يعرف الجميع صعوبة أن تكون أسود في مجتمعنا». بقي في خارديم بيري حتى العام الماضي. كان بإمكانه أن يرحل للانضمام إلى ساو باولو منذ 2010، لكن النادي لم يعرض توفير سكن له، وهو ما يعني أنه كان سيضطر إلى السفر لأربع ساعات يوميًا لكي يتمكن من حضور التدريبات، وكان من شأن ذلك أن يؤثر بالسلب على دراسته. وليس معنى هذا أن غابرييل خيسوس كان يهتم كثيرًا بأي شيء بخلاف كرة القدم. يقول: «دائمًا ما كانت حياتي منصبة على كرة القدم، ولا شيء غيرها. منذ كان عمري 6 سنوات كانت كرة القدم هي ما يشغل تفكيري فعليًا. اعتدت مشاهدة مباريات كرة القدم من خلال التلفزيون، ولعب ألعاب الفيديو الخاصة بكرة القدم وهكذا. أعشق كرة القدم فحسب. يقابل بعض الناس انشغالي المفرط بكرة القدم بالمزاح، ولكن كرة القدم تستحوذ على حياتي». يلتزم خيسوس حالة من الانضباط، مدهشة بالنسبة إلى سنه الصغيرة، وربما كان هذا واحدًا من الأشياء التي أبهرت جوسيب غوارديولا، المدرب الذي كان تواقًا إلى ضمه لسيتي. كان غابرييل خيسوس من أبرز اللاعبين الواعدين حتى قبل مشاركته في أولمبياد ريو، وتمكن سيتي من الفوز به رغم منافسة برشلونة، ومانشستر يونايتد، وريال مدريد، وبايرن ميونيخ، وباريس سان جيرمان، وكان السبب في هذا يعود جزئيًا إلى مكالمة هاتفية من مدرب الفريق الجديد. يقول غابرييل خيسوس: «كان قرارًا معقدًا، لكن في النهاية فازت رغبتي في التعلم. وجود غوارديولا كمدرب لسيتي وحقيقة أنه نادٍ كبير، كانا من العوامل المهمة في قراري الأخير. كانت مكالمة غوارديولا دافعًا كبيرًا وراء قراري بالانضمام إلى هذا الفريق. وقد جعلتني أدرك أنني سأحب العمل معه. لا أعرفه شخصيًا بعد، لكنه جعلني أشعر بالأمان حيال مشروعه هناك». لكن أين سيجد له مكانًا في الفريق؟ لا يفتقر سيتي بالضبط إلى المواهب الهجومية في وجود سيرجيو أغويرو، ورحيم ستيرلينغ، وديفيد سيلفا، ونوليتو، وكيليتشي إهياناتشو وكيفين دي بروين، وليوري ساني، وخيسوس نافاس، وهم لاعبون قادرون على شغل الأدوار الهجومية. في بالميراس، كان غابرييل خيسوس يلعب جناحًا أيسر قبل أن يدفع به المدرب، كوكا، في مركز رأس الحربة، وكانت النتائج جيدة: 11 هدفًا في 18 مباراة في الدوري. يقول: «أعتقد أنني سأقاتل من أجل مكان كجناح في الفريق. أفضل في واقع الأمر اللعب جناحًا أيسر، أكثر من اللعب رأس حربة، لكني أريد فقط أن أكون واضحًا بأنني مستعد للعب في كلا المكانين. وأنا مستعد غالبًا لأن أتخلى عن مكان في الهجوم، وأن أساعد في أداء أدوار دفاعية، لأن الرقابة الجيدة والزحلقات من الممكن أن تنتج عن هدف لفريقي في النهاية. أحب التفكير بأنني لاعب متنوع». قبل عامين فقط، وخلال كأس العالم 2014، كان غابرييل خيسوس مشجعًا، يرسم رصيف شارعه باللونين الأخضر والأصفر. واليوم هو واحد من المهاجمين الواعدين على مستوى النادي والمنتخب الوطني. ينافس بالميراس على اللقب، وهزم كورينثيانز (2 - 0) في نهاية الأسبوع، ليحافظ على صدارته للمسابقة، ويتوق غابرييل بشدة لأن يرحل إلى مانشستر سيتي بعد أن يكون قد فاز بالدوري. هو أيقونة لا خلاف عليها في بالميراس، «هللويا، لك المجد، غابرييل خيسوس» هي الأغنية التي يتغنى بها كل المشجعين (حتى وإن كانت لا تعجب والدته، صاحبة الشخصية المتدينة). لكن حتى إذا أضاف اللقب البرازيلي إلى ميداليته الأولمبية، فإنه لن يشعر بالاكتفاء. يقول: «أحاول التعامل مع تقدمي بطريقة متواضعة. بعض اللاعبين يفوزون بلقب ويظنون أنهم صاروا على قمة العالم. أما أنا فلا أسمح لهذا بأن يتسرب إلى تفكيري. يشيد بي الناس بسبب الفوز بالميدالية الأولمبية لكني أقول باستمرار: إنها مجرد ميدالية». يمكن القول إن أكبر التحديات يكمن فيما هو مقبل، وهو أن يفرض نفسه على تشكيل سيتي الأساسي. يختم قائلاً: «كل هذا التغيير لن يخيفني على الإطلاق. حياتي كانت دائمًا مليئة بالتحديات. ومن الواضح أن هذا هو أكبرها، لكن أكبر المعارك يخوضها المحاربون الكبار. سأستمع لرأي المدرب ونصيحته لكي أتحسن وأتأقلم بأسرع ما في إمكاني».
مشاركة :