تبذل روسيا أقصى طاقتها لمساعدة النظام السوري على استعادة سيطرته على مدينة حلب، انطلاقاً من أنها تعد الانتصار العسكري أفضل من مواصلة المفاوضات المتعثرة مع واشنطن، وفق ما يرى محللون. ويقول الباحث المتخصص في الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى فابريس بالانش: قررت روسيا المضي في ذلك، لأنها لم تعد تؤمن بإمكانية التعاون مع الولايات المتحدة في سوريا، ويضيف إنها الحرب الشاملة، لأن موسكو لم تعد تؤمن بأن واشنطن قادرة على القيام بأي شيء في سوريا، جرّاء عدم الرغبة، وعدم القدرة. ويرى الباحث المتخصص في الشؤون الروسية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن ايغور سوتياغين، أن موسكو تريد القضاء على جيب رئيسي لمقاومة الفصائل المعارضة. بعد ذلك، لن يبقى من مناطق المعارضة إلا محافظة إدلب (شمال غرب)، وبعض الجيوب الأخرى الواقعة تحت سيطرة الفصائل المقاتلة، وبينها جبهة فتح الشام، على حد قوله. ويعرب الباحث المتخصص في الشؤون السورية في جامعة أدنبره توماس بييريه عن اعتقاده بأن الأمر يتعلق بمنح الرئيس السوري بشار الأسد نصراً حاسماً والقضاء على أي بديل من خلال حرمان المعارضة، مما تعده عاصمتها. ويضيف طرد الفصائل من حلب يحيلها إلى صفوف المعارضة الهامشية. ويقول مدير مركز دمشق للدراسات الاستراتيجية بسام أبو عبد الله أصبحت روسيا أكثر قناعة برأي الحكومة السورية، موضحاً أنها سابقاً كانت تركز على الحل السياسي، ودخلت في حوار مع الخليج والولايات المتحدة وبلدان أخرى، لكن تبين أن هذا الأمر غير ممكن. ويرى أستاذ العلوم السياسية والباحث الروسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط الكسي مالاشينكو أن تحقيق انتصار في حلب يضع السلطات السورية في موقع قوة قبل المفاوضات المقبلة، التي يأمل الموفد الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا باستئنافها. وبحسب بالانش، دون حلب لا يمكن للأسد أن يكون رئيساً قوياً، مضيفاً حتى يتمكن من الحكم فعلياً يحتاج إلى حلب. وحينها بإمكانه القول إن المدن الرئيسية في البلاد باتت تحت سيطرته، أي دمشق وحلب وحماة، وحمص، التي استعادت قواته السيطرة عليها في عام 2014. ويقول المحلل الروسي المتخصص في السياسة الخارجية فيودور لوكيانوف يود الروس والسوريون السيطرة بالكامل على حلب، وبعدها فقط التفاوض مع المعارضة، معتبراً أن حلب تلعب دوراً محورياً. وبعيداً عن معركة حلب، يبدو أن التعاون بين موسكو ودمشق يستجيب للمصالح على المدى الطويل. ويقول مالاشينكو في هذا الصدد لا يمكن للأسد الحصول على شيء دون موسكو، وتدرك روسيا بدورها أنها، دون الأسد، ستُطرد من الشرق الأوسط، مضيفاً أنها صداقة قسرية. ويعيد مشهد الأبنية المدمرة في حلب إلى الأذهان مشهد غروزني، حيث أقدم الجيش الروسي على تطبيق حكمته القديمة المدفعية تدك والمشاة يحتلون، لكن الخبير العسكري الروسي ألكسندر غولتس، يؤكد ألا علاقة للتكتيكات العسكرية الروسية في حلب مع تلك التي تم تطبيقها في غروزني، وأن لا مجال للمقارنة. إلا أن الغرب يعبر عن قناعته بأن الاستراتيجية الروسية لا علاقة لها بفشل المفاوضات، متهمين موسكو بأنها استغلت الهدنة، لمحاولة تحسين مواقع النظام على الأرض. (ا ف ب)
مشاركة :