من المفترض أن يكون برنامج «تعلَّم وتميَّز» هو الأكثر تأثيرًا في وسط المجتمع الطلابي -ذكورًا وإناثًا-، بل وضمن محيط مجتمعنا بوجهٍ عامٍّ، إذ ما أجمل أن يحتفي المجتمع بتلك النماذج المعرفيَّة والإداريَّة الناجحة، لتكون قدوة تُحتذى، ومثلاً يُضرب في الجد والاجتهاد، وبذل الجُهد لتحقيق أعلى الدرجات. ذلك ما يجب، لكن الأمر مختلف جدًّا، إذ تعيش النماذج المعرفيَّة غربتها ضمن محيطنا المجتمعي بوجه عام، في الوقت الذي تعلو فيه تلك الأصوات الجاهلة، لتصبح نموذجًا يتتبَّعه كثير من أبنائنا وبناتنا، فمثلاً يجهل ابني وابنتي اسم العالمة الدكتورة حياة سندي الحائزة على عدد من الجوائز العالميَّة، والدكتورة مها المنيف التي سلَّمها الرئيس أوباما جائزة «أشجع امرأة» لجهودها الصحيَّة والمجتمعيَّة، والباحثة نجلاء السويل الحائزة على جائزة هاري وصامويل مان بجامعة كورنيل؛ لبحثها في الأحياء الجزئيَّة، والباحث حسام زواوي لحصوله على جائزة رولكس للمشروعات الدوليَّة لعمله الابتكاري في حماية صحة الإنسان من خطر البكتيريا المقاومة للمضادات الحيويَّة، والباحث عبدالجبار الحمود الذي أطلقت إدارة الطيران والفضاء الأمريكيَّة «ناسا» اسمه على أحد الكواكب المكتشفة حديثًا، تكريمًا لجهوده العلميَّة في مجال علوم النبات، حيث توصَّل إلى اكتشاف هندسة جينيَّة آمنة في النباتات النموذجيَّة للتأقلم في بيئات قاسية كالصحراء لإنتاج ثمار طبيعيَّة دون أضرار جانبيَّة. اللافت في الأمر أنَّ الأخير قد اشتهر اسمه بين مختلف الناس، ليس لكونه باحثًا متميزًا، بل لأنَّ صانع خبر نجاحه كان ذكيًّا، حين دغدغ أحاسيس الناس الماديَّة، فعنون خبر تميّز الطالب الحمود بقوله: تعرَّف على أغنى طالب سعودي، فكان أن تحرَّكت غريزة الناس الماديَّة لفتح الخبر، وليس غريزتهم المعرفيَّة. السؤال هو: لو أنَّ الخبر قُدِّم إلينا بوصفه عالمًا مكتشفًا، هل كُنَّا سنهتم له ونقرأه؟ أشكُّ في ذلك، والسبب أنَّ كثيرًا منَّا قد توقفت علاقته بالأمر عند حد السطر الأول، ثمَّ ما لبث أن عاد إلى حياته المليئة بالمتميِّزين من وجهة نظره، أو هكذا يحسبهم، دون وعي منه بأنَّهم لم يقدموا له سوى الفشل، والتخمة، والفراغ الحقيقي. إنَّ نماذج الكثيرين في مجتمعنا اليوم هم أولئك الفاشلون حقيقة، الخاملون واقعًا، الفارغون جوهرًا، الذين لا يملكون أي مخزون معرفي في داخلهم، فتراهم وقد تصدَّروا وسائط التواصل المجتمعي كالسناب، والإنستقرام، وغيرها؛ بوصفهم عارفين متحذلقين، وقاموا بتصوير كل تافه يعملونه، ونشر جعجعة ينطقون بها، مؤمنين بأن حالهم أفضل من أولئك الدكاترة الوهميين الذين لا يخشون عقابًا، فلماذا لا يتصدَّرون المشهد وهم أفضل حال منهم، لكونهم على الأقل لم يُدنسوا أنفسهم بتهمة التزييف والتزوير، هكذا بات أولئك وغيرهم هم نماذج كثير من شبابنا، لاسيما وأنَّ مقياس الأمر لم يعد مرتبطًا بإبداع أنتجوه، وإنَّما لكثرة متابعين حصدوها بغفلتهم وجهلهم، فبات يصدق علينا وعليهم قول المتنبي: يا أمَّةً ضحكتْ من جهلِهَا الأممُ. zash113@gmail.com
مشاركة :