توفي الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز فجر أمس عن 93 سنة، بعد أسبوعين على إصابته بجلطة دماغية. وفيما سارع عدد من زعماء العالم إلى الإشادة بجهوده من أجل السلام، أثارت وفاته الكثير من الذكريات الأليمة عند الفلسطينيين، فغالبيتهم تذكره صاحب «مجزرة قانا» في لبنان عام 1996، وبعضهم يذكره بانياً مفاعل «ديمونا» النووي، وبعضهم الآخر يذكره رائد الاستيطان، وكثير من السياسيين يذكره صانع سلام فاشلاً. ويعد بيريز أحد الآباء المؤسسين للدولة العبرية، وأحد أبرز مهندسي اتفاق أوسلو للسلام مع الفلسطينيين عام 1993، والذي نال بسببه جائزة «نوبل» للسلام مع رئيس الوزراء الراحل إسحق رابين والرئيس الراحل ياسر عرفات عام 1994، وهو اتفاق لم يُحرَز أي تقدم في تطبيقه على الأرض. يذكر أن بيريز كان من الصقور في حزب «العمل» قبل أن يتحول «حمامة سلام»، وكان يرفض أي تسوية مع الدول العربية المعادية لإسرائيل، لكنه عدّل فكره بعد عام 1977 وزيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس التي تمخض عنها اتفاق كمب ديفيد عام 1979. وصرح عام 2013 بأنه «لا بديل عن السلام. التحارب لا معنى له»، مشيراً إلى أن عملية السلام «هدفها واضح» ويكمن في إنجاز «دولة يهودية اسمها إسرائيل، ودولة عربية اسمها فلسطين، لا تتقاتلان بل تعيشان معاً بصداقة وتعاون». كما يعد بيريز أحد مهندسي البرنامج النووي في إسرائيل، وأقام تعاوناً عسكرياً مع فرنسا في الخمسينات عندما كان مديراً عاماً في وزارة الدفاع، وأمّن شراء مُفاعل «ديمونا» النووي السري من فرنسا. وتدين له إسرائيل بتأسيس شركات الأسلحة وصناعات الطيران النافذة التي تملكها اليوم. كما وافق بيريز حين كان وزيراً للدفاع في السبعينات على بناء أولى المستوطنات في الضفة الغربية (مستوطنة كريات أربع في الخليل). وكان رئيساً للوزراء عندما قصف الطيران الإسرائيلي في نيسان (أبريل) عام 1996 قرية قانا جنوب لبنان، فقتل 106 مدنيين. وأمس، واجه المسؤولون الفلسطينيون معضلة في التعبير عن موقفهم من رحيل بيريز تحت ضغط وسائل الإعلام والتقاليد الديبلوماسية، فأي تعبير عن الأسى والحزن سيثير غضب الشارع الفلسطيني، وأي تجاهل للحدث سيثير ردود فعل سياسية سلبية، وسيتحوّل أداة بيد اليمين الحاكم في إسرائيل يستخدمها لرفض أي مبادرات سياسية، كما في التحريض ضد القيادة الفلسطينية التي يتهمها بأنها العقبة أمام السلام لأنها ترفض الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية. وما زاد في صعوبة الأمر لدى فلسطين الرسمية، هو أن بيريز الذي كان من مؤسسي دولة إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني الذي جرى تهجيره إلى مخيمات لجوء في المنافي، بات «حمامة سلام» لدى مقارنته بقادة الدولة العبرية الجدد المنتمين إلى التيار اليميني المتشدد الذي لا يؤمن بالحد الأدنى المطلوب لحل الصراع، مثل رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، ووزراء الجيش أفيغدور ليبرمان، والقضاء إيليت شاكيد، والتعليم نفتالي بينيت، والثقافة ميري ريغيف وغيرهم. وبدا الأمر أكثر صعوبة أمام المسؤولين الفلسطينيين عندما بدأ زعماء العالم يعلنون عن مشاركتهم في تشييع جنازة بيريز غداً، خصوصاً الرؤساء الأميركي باراك أوباما، والفرنسي فرنسوا هولاند، والألماني يواكيم غاوك، وولي العهد البريطاني الأمير تشارلز. ومضت ساعات طويلة على وفاة بيريز قبل أن يصدر بيان يتيم عن الرئاسة الفلسطينية يقول إن الرئيس محمود عباس أرسل برقية لعائلة بيريز معزياً بوفاته. وجاء فيها: «عبّر الرئيس في برقيته عن حزنه وأسفه، وأشار إلى أن بيريز كان شريكاً في صنع سلام الشجعان مع الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات، ورئيس الوزراء رابين، كما بذل جهوداً حثيثة للوصول إلى سلام دائم منذ اتفاق أوسلو وحتى آخر لحظة في حياته». لكن الجمهور الفلسطيني، الذي لم ير من «سلام الشجعان»، المتمثل في اتفاق أوسلو وما تلاه من اتفاقات، سوى المزيد من الاستيطان وتهويد القدس وسلب الأرض وفرض القيود على حرية الحركة، بدا أكثر تحرراً من السياسيين، وراح يعدد جرائم بيريز ضد الفلسطينيين، وأعماله التي حالت دون حصولهم على الحد الأدنى من حقوقهم، مثل إقامة دولة مستقلة. وكتبت فاتن فرحات، وهي شخصية ثقافية معروفة في رام الله على صفحتها في «فايسبوك»: «مؤسف وفاة بيريز وشارون قبل محاكمتهم كمجرمي حرب، مؤسف وغير عادل». كما كتبت المذيعة نجوى حمدان: «رحل بيريز، لكنه ترك خلفه عشرة آلاف بيريز مثله، وخمسة آلاف نتانياهو وأشباههم». وفي قطاع غزة، قال الناطق باسم «حماس» سامي أبو زهري لوكالة «فرانس برس»، إن بيريز «آخر المؤسسين الإسرائيليين للاحتلال، ووفاته تمثل نهاية مرحلة في تاريخ الاحتلال». وأضاف: «الشعب الفلسطيني سعيد بزوال هذا المجرم الذي ارتكب الجرائم الكثيرة وسفك الدم الفلسطيني».
مشاركة :