أحد أبنائك تراه كل يوم وتعايشه في منزلك. ترى أخلاقه وتصرفاته معك ومع أمه ومع إخوانه وأصدقائه، ومع الناس عموماً. فمن الواضح أنك تستطيع أن تحكم على أخلاقه وميوله وتصرفاته ظاهريا كما يقال، ولكن هل تستطيع أن تعلم ما في قلبه من نوايا واتجاهات وحب وكره وغيرها من المشاعر المتحكمة في الإنسان؟ طبعاً لا أحد يقدر على ذلك، لأنها من علوم الله سبحانه وتعالى وحده في البشر (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) الحديد 3 (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه، واعلموا أن الله غفور حليم) البقرة 235. وما دام الله سبحانه وتعالى هو الخالق والعالم والمتصرف بشؤون عباده، فإن أقداره واضحة جدا. ففي البشر مثلا يقدر أن فلانا من الناس سيكون مؤمنا بعلمه في الغيب فيه، فيهيئ له من الأسباب التي تقوي عقيدته، وتزيد في إيمانه وتقواه، هذا للمؤمنين، أما غيرهم (ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) الأنفال 23، بعلمه الأزلي فيهم حكم عليهم في الدنيا وهذا شيء خاص به وحده، وهو أن الله وحده هو العالم بمن سيؤمن أو سيكفر، فإليه منتهى كل الامور قبل خلقها وظهورها كواقع ملموس. قال الامام أحمد رحمه الله: من السنة اللازمة الإيمان بالقدر خيره وشره والتصديق بالأحاديث فيه والايمان بها، لا يقال لم؟ ولا كيف؟ إنما هو التصديق بها ومن لم يعرف تفسير الحديث ولم يبلغه عقله، فقد كفي ذلك واحكم له فعليه الإيمان به والتسليم له مثل حديث الصادق المصدوق وما كان في القدر، فنحن كبشر لا نستطيع الحكم على الناس فنقول مثلا هذا من أصحاب النار، وذاك من أصحاب الجنة، فهذه الامور محكومة بالخواتيم التي لا يعلمها إلا من خلقها. عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان رجلان في بني اسرائيل متواخيين أحدهما يذنب والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخرعلى الذنب فيقول: له أقصر، فوجده يوما على الذنب، فقال له: أقصر، فقال خلني وربي أبعثت عليّ رقيبا، فقال: والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الجنة، فقبض أرواحهما فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: كنت بي عالما على ما في يدي قادرا، وقال للمذنب اذهب فأدخل الجنة برحمتي، وقال للآخر اذهبوا به إلى النار. قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته، في صحيح الجامع، فلا تحكم على أحد حي أبدا فأنت لا تعرف خاتمته. nn477601@