تقول مصادر سياسية مقربة من القيادات التي التقاها زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري في جولته على المرجعيات السياسية، إن من الظلم اتهامه بإعاقة انتخاب رئيس جديد للبنان، وبالتالي منع قيام مشروع الدولة أو وضعه في مثل هذا الموقع وهو لم يترك باباً إلا وطرقه في محاولة جادة لالتقاط فرصة يمكن التأسيس عليها لإنهاء الشغور في سدة الرئاسة الأولى. ويؤكد هؤلاء القادة ممن التقاهم حتى الساعة -وفق مصادرهم- أنهم أجمعوا على مواصلته الجهود من خلال إطلاقه المبادرة تلو الأخرى لإخراج البلد من الشلل الذي يسيطر عليه، ويرون أن إصرار البعض على توجيه تهمة تعطيل إنجاز الاستحقاق الرئاسي للرئيس الحريري ينم عن رغبتهم في الهروب إلى الأمام لأنهم لا يريدون أن يشاركوه في تحمل المسؤولية، كما ينصحون من هم في موقع التأثير في «المستقبل» بعدم الأخذ بهذه الشائعة. «اللهم إني بلغت» وتلفت المصادر نفسها إلى أن الحريري ليس وحده المحشور في الزاوية أو المتعب من بلوغ التأزم السياسي ذروته. وترى أن من غير الجائز عدم ملاقاته في منتصف الطريق، لا سيما من الذين يتعمدون تعطيل انتخاب الرئيس ويقاطعون جلسات الانتخاب التي يدعو إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري. ولا يعودون عن مقاطعتهم إلا بشرط انتخاب رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. وتضيف المصادر عينها أن الحريري يصر على إطلاق أكثر من مبادرة، ليس من باب رفع العتب، وإنما لشعوره بأن البلد يقترب من حافة الانهيار على المستويات كافة، ولا يتوخى من إطلاقها تمرير رسالة للذين يعطلون انتخاب الرئيس بقولهم لهم: «اللهم إني بلغت» فحسب. وترى أن الحريري من باب عدم هروبه من تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه، ليس لأنه زعيم وطني فحسب، أو يرأس أكبر كتلة نيابية في البرلمان، يوجه الإنذار تلو الآخر من أن الحروب المشتعلة في المنطقة والمحيطة بلبنان تستدعي من الجميع تحييده وإخراجه من النفق المظلم الذي هو فيه الآن. وإذ تكشف المصادر السياسية عن أن الذين التقاهم في مسعاه التشاوري حتى الآن لا يحبذون انتخاب عون رئيساً للجمهورية، تؤكد في المقابل أن الحريري لا يرغب في حشر من يتهرب من تحمله المسؤولية فحسب، وإنما يدق جرس الإنذار في الوقت المناسب من أن البلد لم يعد يقوى على الوقوف في وجه الانهيار المحتوم ما لم تتضافر الجهود للانتقال به إلى بر الأمان الذي لن يتحقق إلا بإعادة انتظام المؤسسات الدستورية بعدما انتقلت عدوى التعطيل والشلل من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة والمجلس النيابي. وأن سقوط الهيكل لا سمح الله لن يستثني هذا أو ذاك ممن يحاولون فرض حل الأمر الواقع الذي لن يدوم وسرعان ما يتهاوى، لافتقاد هؤلاء رؤية واضحة يمكن أن تكون بمثابة خريطة طريق لإنهاء الوضع المأسوي الشاذ في البلد. وتتابع المصادر هذه أن الحريري يحرص كعادته على تطبيق مبدأ الشراكة أساساً لإحداث صدمة إيجابية تخرج الجميع من الإرباك الذي هم فيه أو حال التردد التي تأتي أحياناً مقرونة بشروط، كالميثاقية مثلاً، التي ينادي بها «تكتل التغيير» الذي يُتهم بتعطيل انتخاب الرئيس ما لم يأت على قياس العماد عون، ولو بالتعيين، كما عطل في السابق انتخاب الرئيس لفترات زمنية متفاوتة خلال انتهاء ولاية الرئيسين أمين الجميل وإميل لحود. وتعتبر أن الميثاقية التي ينبري «تكتل التغيير» في الدفاع عنها ما هي إلا استنسابية، وإلا لماذا يقاطع جلسات الانتخاب. وتقول إن ما ينطبق عليه في خصوص المقاطعة ينسحب أيضاً على منافسه الرئاسي زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية الذي خرق المقاطعة وإنما بشكل رمزي، عندما أوفد عضو كتلته النائب أسطفان الدويهي إلى البرلمان ليقول إن رئيس كتلته لا يزال مرشحاً للرئاسة. مصلحة فرنجية وتسأل لماذا يغيب فرنجية وبعض من يدعمه عن جلسة انتخاب الرئيس ويستثني وزيره من حضور الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء مراعاة لمقاطعة «حزب الله» إياها تضامناً مع حليفه «تكتل التغيير». وتقول: «بصرف النظر عما إذا غيابه عنها لمرة واحدة، فإنه ترك علامة استفهام لدى الآخرين حول الأسباب الكامنة وراء تضامنه مع الذين لا يدعمونه في معركته في مواجهة العماد عون». كما تسأل عن تباطؤ فرنجية في تحركه، لأن لا مصلحة له أو للذين يدعمون الغياب عن ساحة المنافسة وإخلاءها لمصلحة منافسه العماد عون، إضافة الى أنه آن الأوان لمن يدعمه للخروج من توجيه إشارات التأييد له من الغرف المغلقة إلى العلن؟ لذلك، ارتأى الرئيس الحريري تفعيل تحركه فور عودته من الخارج بناء لقرار اتخذه بتحريك المياه الراكدة من خلال وضع الاستحقاق الرئاسي على نار حامية، وإن كان أعاد طرح احتمال الوصول إلى تسوية مع العماد عون كواحد من الخيارات من دون أن يسحب مبادرته بدعم ترشح فرنجية. فالحريري لم يتخذ قراره بالانقلاب على دعم فرنجية، ولم يغلق الباب في وجهه لمصلحة إعادة فتحه على مصراعيه لمصلحة عون، وهذا ما قاله صراحة من دون مواربة في الاجتماع الأخير لكتلة «المستقبل»، لأنه لا يتوخى من هذا الاجتماع أن يسقط خياره على نواب كتلته من دون أن يحق لهم إبداء الرأي أو النقاش من دون محاذير أو مراعاة. لعل الحريري يتوخى من جولته على المرجعيات السياسية التي ستكون حصيلتها موضع تقويم في اجتماعه المرتقب مع رئيس البرلمان، بلورةَ موقف يقوم على مبدأ المشورة، آخذاً في الاعتبار طبيعة المزاج الشعبي المؤيد له في الشارع، لأنه لا يريد التفريط بشارعه أو الدخول في مرحلة جديدة تترتب عليها حال من النفور بينه وبين مؤيديه. وعليه، لا بد من ترقب النتائج التي سترسو عليها جولة المشاورات التي باشر بها الحريري وعدم استباق ما ستنتهي إليها، لأن لا مصلحة في إصدار الأحكام على «النيات»، مع الإشارة الى عدم التقليل من أهمية اجتماعه ليل أول من أمس مع رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط الذي ساده جو من الود والصراحة. ويقول أحد المواكبين له إنه أعادنا الى الأيام التي كانت فيها علاقتهما على أحسن ما يرام. ناهيك بأن هناك من يحاول أن يشيع أن الحريري حسم موقفه في اتجاه عودته إلى دعم ترشح عون وأن ما يقوم به من تحرك هو جزء من «عدة الشغل» للترويج له. لكن المصادر المواكبة تتعامل مع هذه التسريبات على أنها تصب في خانة حرق المراحل بدلاً من التريث المطلوب إفساحاً في المجال أمام تظهير المواقف على حقيقتها. أما إصرار هؤلاء على التعاطي مع تحرك الحريري على أنه محشور في الزاوية نتيجة اتهامه بتعطيل انتخاب الرئيس، فإنه يأتي في سياق الحرب النفسية التي تستهدفه، مع أنهم يدركون جيداً أن التهمة هذه تلتصق بالذين يقاطعون جلسات الانتخاب. وأخيراً، لا بد من الإشارة الى أن ما يهم الحريري هو التعبير عن المزاج الحقيقي للشارع المؤيد له وللكتلة النيابية الحاضنة له لأن أي توجه لا يأخذ بهذين الاعتبارين لا يُصرف في مكان لأنه ليس وحده «أم الصبي» وهناك «أمهات» أخريات يتوجب عليهم إعادة النظر في تموضعهم السياسي إذا كانوا يدّعون حرصهم على حماية البلد باستعادته مؤسساته ووقف الشلل الذي يحاصره من كل الجهات.
مشاركة :