مسلسل قيامة أرطغرل أو Diriliş Ertuğrul يحكي قصة حياة أرطغرل بن سليمان شاه، والد عثمان خان، مؤسس الدولة العثمانية كقائد قبيلة تجمعت له جميع عناصر تكوين دولة جديدة؛ لتحمل لواء الفتح الإسلامي في لحظات من التاريخ عانى فيها العالم الإسلامي حالة من الشتات والضعف. المسلسل بدأ إنتاجه في مايو/أيار 2014 على جزأين بمجمل 61 حلقة، ويعد نقلة في الدراما الإسلامية، كما يحمل الكثير من المعاني والرسائل التي لا أعلم كيف لم يتم نشرها حتى الآن! ولأن أصعب مرحلة في كتابتي للمقالة كانت من أين أبدأ، فمن كثرة الرسائل والجماليات التي رأيتها بالمسلسل تكاد ألّا تسعني الكلمات عن وصفها؛ لذلك سأتحدث عنه في عدة مقالات منفصلة بمواضيع مختلفة. ولعل أهم ما لفت نظري على مدار مشاهدتي للمسلسل هي "الرؤية"، فمن أول حلقة يُلاحظ الطابع الإسلامي الظاهر في كافة تفاصيل المسلسل، وأنّه ليس "مجرد سرد للتاريخ"، بل إن الكاتب قد اعتنى تماماً باختيار ألفاظه وعباراته بدقة فائقة؛ لتتناسب تماماً مع الرسائل التي يريد إيصالها، فالدراما التركية تعكس حالة التعدد بالمجتمع التركي؛ حيث الصراع بين الهوية الإسلامية والهوى الغربي، فقد جاء المسلسل كرد "فني" على مسلسل حريم السلطان، ويقال أيضاً إنّه مدعوم من حزب أردوغان، خصوصاً بعد زيارة الرئيس التركي لموقع التصوير، وأخذ صور مع أبطال المسلسل، واستضافة بعض الأبطال بزيهم التاريخي في احتفالية ذكرى فتح القسطنطينية. ولنبدأ بنظرة عامة على مُجمَل قصة المسلسل: تبدأ أولى الحلقات في الوقت الذي جاءت فيه قبائل التركمان إلى آسيا الوسطى أو الأناضول، في فترة حكم سلاجقة الروم للمنطقة، وتدور أغلب أحداث المسلسل في القرن الثالث عشر، في زمن الصراعات بين الإمبراطوريات في المنطقة، أهمها المغول والصليبيون. في ذلك الوقت بدأ أرطغرل بن سليمان شاه رحلة البحث عن موطن له ولقبيلته لإنهاء معاناتهم وتنقلاتهم، بعد مرحلة طويلة من الخطر وقلة الأمان وعدم الاستقرار. تمر أحداث المسلسل وتستقر القبيلة مدة في أطراف حلب، لا تذوق فيها طعم الأمان، فخطر الصليبيين كان دائماً يبدد أمنهم، حتى انتهى الجزء الأول بانتصار أرطغرل ومحاربيه على الصليبيين، لا تهدأ الأجواء حتى تقرر جميع قبائل التركمان "الأوغوز" في نهاية الجزء الأول أن يستقروا بالقرب من قونية؛ ليحاربوا المغول في جيش الأمير السلجوقي السلطان علاء الدين كيكوبات، كذلك على مدار الجزأين لم يسلم المسلمون من ألم الخيانة والفتنة. السيناريو: قد تجلى أسلوب الكاتب من أول حلقة، فيُلاحظ كما ذكرتُ سلفاً بهاء اختيارات النص والحوار، اعتمد الكاتب بدايةً على الاهتمام بالشخصية الرئيسية واستعراض كافة جوانبها واتبع القاعدة السينمائية المعروفة: "Less Is More"، أي الأقل يعتبر أكثر تركيزاً، فإذا تحدثت عن عدة شخصيات بقصص وتفاصيل مختلفة سيتشتت انتباه المشاهد، لذلك ركّز الكاتب على إظهار جوانب شخصية أرطغرل كما يجب، أهدافه، وأحلامه وطموحاته، ومشاعره حتى نظراته! أيضاً أحببت كيف استخدم الكاتب عبارات كثيرة فيها ذكر الله، مع كل الشخصيات، الجمل كانت ساحرة جداً في بساطتها وبساطة تقديم الشخصيات أثناء عبادتها وتضرعها، حتى إنه كثر ترديد "الله أكبر" في لحظات النصر ولم يغلب عليها إحساس "الإرهاب المتطرف" الذي يقع في نفس المسلمين أنفسهم إذا سمعوا هذه العبارة! وكأنه أراد أن يُرينا الإسلام كما يجب أن يكون! الإخراج: قد أبدع المخرج في اختيار الشخصيات، فالأداء كان متقناً جداً ليس به أية ثغور، كما أن الممثلين قد خضعوا لدورات في تأهيل ركوب الخيل ورماية السهام واستخدام السيف بشكل منتظم لمدة 3 أشهر، وأغلبهم قد خاض تجارب تمثيل في مسلسلات تاريخية أخرى، كذلك فإن الأداء قد خرج بهذا الإتقان؛ لأن المخرج والممثلين كان لديهم وعي تام بحقيقة حياة أجدادهم وخصوصيتهم وطبائعهم وشخصياتهم وعلاقتهم مع بعضهم البعض، الأمر الذي كانت نتيجته مشاهد واقعية جداً تكاد تُشعرك بأنك أيضاً مولودٌ في القبيلة ذاتها! ومن أحب المشاهد إلى قلبي تلك التي اعتمد فيها المخرج على "التخاطر" بين الشخصيات، سواء بين أرطغرل وحبيبته حليمة أو أرطغرل وابن العربي، وهي شخصية أكتب عنها في مقال منفصل لأهميتها. كذلك في ما يتعلق بالتصوير، فإن الانتقال بين الكوادر كان سلساً جداً، ولعل أهم شيء وجب ذكره هو حسن استخدامهم للتصوير البطيء! ففي العادة يكون التصوير البطيء سخيفاً جداً، لكن في المسلسل قد تم استخدامه بكثرة لإظهار التفاصيل الجمالية في القتال أو لقطة ركوب الخيل أو مرور الخيل على العشب ودلال الخيول أثناء حركتها. أما الموسيقى التصورية فقد كانت خلّابة جداً، العزف كان متقناً للغاية، والألحان أصيلة وذات هوية تركية ظاهرة للعيان، الألحان الخاصة بكل، مشهد سواء القتالية منها أو المشاهد الرومانسية، كانت عظيمة جداً وثبتت في عقل المشاهد طوال المسلسل. الرسائل المباشرة: في بداية المسلسل قد ظهر أرطغرل كابن سيد القبيلة الشهم الشجاع، لكنه لم يتم ذكر الجهاد حتى الحلقة السابعة، إذ كان همهم الوحيد هو إيجاد وطن يحميهم من خطر الصليبيين. عند الوصول للحلقة السابعة تظهر رسالة المسلسل واضحة في دعاء أرطغرل ومناجاته لربه، أن يقسم الله له ولنسله أن يخدموا في سبيل الدعوة، وأن يعلو اسم الله في الطريق الذي خرجوا فيه في سبيل الله. من بعد تلك اللحظة سيتكرر ذكر "النسل" كثيراً على لسان عدة شخصيات، وكأنهم ينذرون بمولد قائدٍ عظيم. وقد أظهر المسلسل عقيدة الشخص المسلم الصحيحة، وكيف أنّ أرطغرل لم يمتعض يوماً من كثر البلاء، بل ويقينه أيضاً أن لا راحة له ولا لقبيلته في هذه الدنيا. رأيت كيف تم تطبيق الصبر على البلاء والإيمان التام بالله في المشاهد التي يقع فيها أحد الأبطال أسيراً، أو يقع على رأس أحدهم بلاء جديد، رأيت حبهم للشهادة في سبيل الله، وكيف يتسابق المحاربون على مقاتلة الكفار.. رأيت المسلمين! أكتب في مقالات أخرى منفصلة إن شاء الله عن الشخصيات وبعض المفاهيم الواجب ذكرها. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :