اشتهر عصر محمد علي باشا بجمال العمارة وثراء التصميم، فشهد زمنه نهضة حضارية غير مسبوقة نلمس آثارها إلى اليوم. ويقع «قصر الجوهرة» في الطرف الجنوبي الغربي من الساحة الملكية لقلعة صلاح الدين الأيوبي. بناه والي مصر محمد علي باشا الكبير عام 1814، وحرص على أن يكون غاية في الفخامة، ويحوي العديد من القاعات الكبيرة، وأطلق عليه محمد علي «الجوهرة» نسبة للاسم الذي كان يدلل به زوجته. ويتكوَّن القصر من طابقين، يبدأ بالمدخل الرئيس، وعلى يساره أبنية تعلوها أبنية أخرى يسودها الهدوء والبساطة، وفي نهاية المدخل من الناحية الشمالية الشرقية، حجرة مستطيلة لها سلم مزدوج يوصل إلى الميدان. وكان هذا الجناح مخصصاً لموظفي القصر «ديوان الخاصة»، وزين القصر بأرقى فنون الزخرفة العثمانية سواء كانت من خشب الزان والورد وألواح الجص، إضافة إلى رسوم ونقوش ملونة. ويقول أستاذ الآثار المصرية محمد جمال: «يؤدي ممر الدخول الرئيس إلى مبانٍ خصصت للحراس، وتطل على الفناء الرئيس وحدات ديوان القصر، فيما الوحدات التي خصصت للسكن تندرج من جناح الاستقبال الرئيس، أما «الكوشك» فكان مخصصاً لاستقبالات محمد علي باش. وهناك قاعتان فرعيتان تعتبران من أكبر حجرات القصر وتشرفان على ميدان القلعة حالياً، ويمكننا اعتبارهما متحفاً مستقلاً بذاته، ويتصدرهما كرسي الحكم الخاص بمحمد علي باشا». وصمّم هذا الكرسي من الخشب المطلي بالذهب، على هيئة جلسة القرفصاء وجهز بمكان لوضع النرجيلة التي أكد المؤرخون أن محمد علي باشا أول من أدخلها الى مصر. والقاعة مزينة بصور أبناء محمد علي باشا وأحفاده، فتجد صورة للسلطان حلمي كامل، والملك أحمد فؤاد، إضافة الى الأميرات فريال، فوزية، جلنار، وزوجة السلطان حلمي كامل. وتمتلئ القاعة بالزخارف والنقوش وتتميز بارتفاع فتحات الشبابيك على الطراز الإيطالي. وفي بهو الاستقبال سلم يؤدي إلى الجناح البحري بقسميه، والحديقة الخلفية التي عرفت باسم «حديقة الأسود». وفي القصر قاعات عدة منها «الألباستر»، وهو نوع من أنواع الرخام المصري الشهير، وقاعة الساعات التي تعتبر أجمل القاعات وأشهرها، إضافة إلى الحمام الفخم الراقي الذي عرف باسم حمام الألباستر». وعند الوقوف أمام النافذة الوسطى للمدخل الرئيس للقصر، يرى الناظر ميدان سراي العدل. وظل القصر محتفظاً بهيئته حتى سنوات قليلة قبل أن يتحول إلى متحف للتراث الإسلامي وأصبح يزينه العديد من التماثيل التي تعبر عن حالة والي مصر والرعية. ويصف خبراء العمارة والآثار القصر بأنه جوهرة قصور محمد علي باشا والقاهرة كلها، وقد بني على أنقاض قصور مملوكية قديمة ترجع إلى عصر الملك الأشرف قايتباي والسلطان الغوري، وكان مقراً لحكم محمد علي باشا واستقبالاته الرسمية. ويقول أستاذ الآثار محمد جمال: «قبل تشييد هذا القصر كان محمد علي باشا الكبير يقيم في أحد قصور المماليك في حي الأزبكية حتى تولى حكم مصر عام 1805، فطرد خورشيد باشا الوالي العثماني على مصر من منطقة قلعة صلاح الدين واتخذها مقراً ومعقلاً، وأمر بإجراء إصلاحات وترميمات شملت أسوار القلعة وأبراجها وأبوابها، ثم شيَّد منشآت وقصوراً عدة كان أهمها قصر الجوهرة». ويذكر المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي في كتابه «عجائب الآثار»، أن الشروع في بناء «قصر الجوهرة» كان عام 1812، وأُنجز على مراحل. ومن أهم النصوص التي حفرت داخل القصر «يا مفتح الأبواب افتح لنا خير الأبواب»، وهذه الجملة موجودة على باب المدخل، بينما هناك لوحة أخرى على الباب المؤدي إلى بهو الاستقبال الرئيس وعليها عبارة «الله وليّ التوفيق». وبمجرد الدخول إلى القصر تجد في انتظارك مرآة كبيرة، يضمها إطار خشبي مغطى بطبقة لامعة من الذهب يعلوه تاج ملكي. وإلى اليسار سلّم يؤدي إلى قاعات القصر التي تختلف نقوشها من قاعة إلى أخرى، لكنها تجتمع كلها على فنون ما يسمى «الروكوكو»، وهو مسمى أطلق على مختلف الفنون التي كان سمتها الغالبة «التكرار» واستقاء الطبيعة. واستقبل محمد علي باشا في قصره الزوار الأجانب، وبقي القصر مقراً للاستقبالات الرسمية حتى عصر الخديوي إسماعيل باشا الذي استقبل فيه السلطان العثماني عبدالعزيز خان الذي زار مصر عام 1862 وأقام فيه سبعة أيام. حرائق وترميمات تعرض قصر «الجوهرة» للحريق أكثر من مرة في حياة محمد علي باشا وأعيد بناؤه، وكان سبب الاحتراق الأول «الجبخانة» مصنع البارود الذي يقع خلفه، وظل يومين مشتعلاً، كما احترق ديوان الكتخدا. وفي المرة الثانية احترق أيضاً بسبب «جبخانة» القلعة، وأثرت النيران في مباني القلعة وعمائرها، ما جعل محمد علي باشا يرسل إلى والي مدينة سلانيك التركية ليستدعي عمالاً وحجّارين لإصلاح ما تهدم من القلعة. كما تعرض القصر لحرائق أخرى كان آخرها عام 1972، ووضعت هيئة الآثار خطة لإعادة القصر إلى سابق عهده، سواء من الناحية المعمارية أو ما يحويه من نقوش وزخارف وتحف. قصر الجوهرة
مشاركة :