تعتبر مسرحية «كروك موسيو» التي ألفها الفرنسي مارسيل ميتوا في ستينات القرن العشرين، من أنجح ما يتضمنه المسرح الفكاهي الباريسي من أعمال ساخرة، وقد عرضت المسرحية ما لا يقل عن ١٢٠٠ مرة متتالية في الفترة المعنية محولة الممثلة جاكلين مايان في غمضة عين إلى نجمة مرموقة ظل اسمها في ما بعد يتألق في سماء المسرح الباريسي إلى حين رحيلها عام ١٩٩٢. وأعيد تقديم العمل مراراً على مدار العقود سامحاً في كل مرة لفنانة مختلفة بتقديم الدليل على موهبتها الفكاهية ولكن من دون الوصول إلى المستوى الذي كانت قد حققته مايان، ذلك أنها كانت تقف على مستوى أكبر نجوم الكوميديا من الرجال كلوي دو فينيس وبرنار بلياه غير مبالية بتغيير ملامحها ومظهرها ومتخلية عن عنصر الجاذبية، الأمر الذي تمتنع ممثلات كثيرات عن القيام به في كثير من الأحيان خوفاً من تشويه صورتهن في أذهان الجماهير إذا تصرفن فوق الخشبة مثل البهلوانات. وها هي النجمة المسرحية والسينمائية فاني أردان ترث الدور إياه، هي التي اكتشفها السينمائي الكبير الراحل فرانسوا تروفو ومنحها بطولة العديد من أفلامه محولاً إياها إلى فنانة قديرة وسامحاً لها بإبراز طاقتها التمثيلية أمام الكاميرا على النحو الأفضل، خصوصاً في اللون الدرامي الذي كان تروفو قد تخصص فيه إلى حد ما، كما أنه عاش معها علاقة عاطفية قوية تكللت بالزواج. بدأت أردان أداء الدور الرئيس في «كروك موسيو» في السادس من الشهر الماضي، على أن يستمر تقديم المسرحية لمدة شهرين في باريس فوق خشبة مسرح «ميشوديار» قبل أن تجوب الريف الفرنسي وبعض المدن الأوروبية الناطقة بالفرنسية. ولا شك في أن فاني أردان تقدم هنا وصلة فكاهية تضارع إلى أقرب حد تلك التي حققت عبرها جاكلين مايان نجاحها الأساسي، ذلك أنها لا تتراجع أمام تمثيل المواقف الفكاهية إلى أقصاها لإثارة ضحك المتفرج واضعة أنوثتها في سلة المهملات ومعتمدة حركات وتصرفات يعتادها الرجال فوق المسرح. والشيء الآخر الواعد بالتقدير الذي ستحصده أردان هو عنصر المفاجأة الذي يكتشفه المتفرج في شأنها، ذلك أنها اعتادت الأدوار الدرامية في المسرح والسينما، وكم من مرة أدت بطولة مسرحيات مأسوية رائعة من تأليف الراحلة مارغريت دوراس، وها هي هنا تنقلب إلى عملاقة في دنيا الكوميديا وفي مواجهة الممثل الفكاهي الكبير برنار مينيز. أما مضمون «كروك موسيو» فيدور حول امرأة تفقد زوجها البليونير وكل ثروتها وترفض السقوط في هاوية الفقر والحاجة، فتقرر فعل كل ما هو ضروري من أجل أن توقع في حبالها أحد الأثرياء الذين تعرفت إليهم في أيام زواجها السابق. ويشاء القدر أن تتعرف إلى رجل لا يملك سوى نزاهته وعمله البسيط ويقع في غرامها، فتفعل ما في وسعها لإبعاده عنها، الا أنها تخضع لاحقاً لصوت قلبها وتنسى البلايين. أما عنوان المسرحية فيوحي للوهلة الأولى باسم وجبة غذائية فرنسية تتلخص في حشو قطعتين من الخبز بالجبن الساخن، ولكن بما أن «كروك موسيو» تعني حرفياً «أكل الرجل» يمكن إدراك كيف أن المؤلف أراد بهذه الطريقة الإشارة إلى بطلة مسرحيته ملقباً إياها بـ «ملتهمة رجال».
مشاركة :