تحول الشعر إلى خواطر والرواية إلى سرد ممل والقصة أصبحت توقيعات فارغة

  • 10/1/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

وصف الشاعر والروائي عارف عواد الهلال قارئ الكتاب بالذي يعيش زمانين؛ زمانه الحاضر، وزمان سلفه الغابر، ويقول مؤلف «أمواج السنابل» القارئ الحاذق هو الذي لا يفصل ما بين النص والشخص والبيئة كاشفا أن هنالك ارتباطا -ولو كان خفيا- بين الكتاب وكاتبه مضيفا أن المضمون لا يفترق عما كان عليه أهل الزمان ولو اجتهد البارعون في الخيال، فهو يراهم يتخيلون أحوالا أخرى نقيضة لأحوالهم التي يرغبون بالخروج منها إلى ما يعتقدون أنها أفضل من واقعهم، عارف عواد الهلال شاعر وروائي وكاتب أردني صدر له العديد من المؤلفات من أبرزها: ديوان «حزوم التلال» وديوان «الإلُ والآل» ورواية «القبة الحمراء»، دعا في حواره المثقف إلى أن يزيد في رحابة أفقه بكثرة مطالعاته وتعددها لتشكل مع الوقت في فكره وضميره ومنطلقا بها إلى نتاج ثقافي رصين بعيدا عن الضعف والركاكة التي هي سمة بارزة لأغلب النتاجات الثقافية المعاصرة قائلا حين يدعون الحداثة أعتقد جازما بأنها تتعلق بالمضمون أكثر من تشبثها بالشكل الذي يتمسكون به فإلى الحوار: *ما الكتاب الذي أحدث تأثيرا فيك بعد قراءته. وما نوع التأثير؟ لا أجد جوابا محددا على هذا السؤال، فليس من كتاب بذاته أحدث أثرا في ثقافتي التي جاءت حصيلة متراكمة من مطالعة واسعة ومستمرة للعديد من الكتب الأدبية والثقافية، فالكتاب الواحد لا أظنه يجعل ممن يطالعه كاتبا أو مثقفا، فالثقافة تعتمد على الزخم المعرفي في جميع الجوانب التي تؤثر في الشخص، وتعزز قدرته على مواكبة الكتابة في شتى أتون المعترك الثقافي ما بين الشعر والرواية والقصة والخاطرة والمقالة، بل أظن أن الاطلاع الواسع، والقراءة بنهم لكل ما كان يقع بين يدي من كتب الأدب، كونت لدي معرفة ربما مكنتني من الانخراط في منحى الثقافة على أكثر من وجه، فمن يسعى إلى المعرفة لا يمكنه إلا أن يكون قانصا لكل ما يثري ثقافته التي أرى أنها لا تتوقف عند جنس أدبي أو صنف ثقافي واحد، بل أجد ضرورة للمثقف أن يزيد في رحابة أفقه بكثرة مطالعاته، وتعدد قراءاته التي ستتراكم مع الوقت لتشكل ركنا حصينا في عقل المرء وفكره وضميره ووجدانه لينطلق منها وبها إلى النتاج الثقافي بحصافة قوية، ورصانة متينة بعيدا عن الضعف والركاكة التي بدت سمة بارزة لأغلب النتاجات الثقافية المعاصرة، وحجة أصحابها تتكئ على ما ليس هو عذرا لتلك الهشاشة حين يدعون الحداثة التي أعتقد جازما بأنها تتعلق بالمضمون أكثر من تشبثها بالشكل الذي يتمسكون بها، فتحول الشعر على ألسنتهم إلى خواطر خالية من الغاية، والرواية إلى سرد يملؤه الملل، والقصة إلى توقيعات فارغة، وأطلقوا على أنفسهم الألقاب الأدبية الرفيعة، وصفقت لهم ثللهم التي من حولهم، وتناسوا مكانتهم الحقيقية، ونحن على يقين أن قلوبهم تخفق وجلا من مهابة الأدب لضعف قناتهم، وهم لا يعلمون سوء ما يقترفون من مآثم بحق الأدب والأمة. عارف عواد الهلال: الكتابة باللهجات العامية ضعف لو رجع بك الزمن ما الكتاب الذي تود أنك قرأته في وقت مبكر ولماذا؟ الزمن لن يعود بأحد، وتلك من أماني النفوس التي نرددها لاستطابتنا الفائت من الأيام التي ازداد وعينا بها، وتمسكنا بما ارتبط بوجداننا من خوالي الماضي في أبعادها الثلاثة: الزمان والمكان والإنسان، فالزمان انقضى بعضه بما ساء أو سر، والمكان إن لم يتغير بالارتحال تبدل مع الأحول فاستحال بعض جوهره إلى زيف نرى سابقه أفضل من حاضره، والإنسان افتقدنا أعزة لنا بتصاريف الأقدار كانت لهم ذكريات حميمة في نفوسنا تشدنا إلى ذلك الزمن العتيد، وهذه الركائز تعيدنا دوما إلى أن نعيش على أثر ما استقر في دواخلنا خشية من المستقبل المجهول الذي يضطرب قلقه بين جنبات صدورنا، لكنني، وبرأيي الخاص أقول بأنه لو هيئ لي الاختيار في زمن أفترض عودته لما اخترت غير الذي أنا عليه الآن، لظني الأكيد بأن فطرة الإنسان لا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وفكره لا يتبدل مع الرغبة بتبدل الأهواء، فالجبلة البشرية متعلقة ما بين العقل والنفس والروح، قارة مستقرة في المرء ولو اختلف زمانه ومكانه والأشخاص من حوله، لذلك نجد أن بعض الناس يعيشون غرباء في زمانهم وهم في ديارهم وبين أهليهم بسبب عدم موافقة ما بنفوسهم مع ما بنفوس من حولهم، ومن هنا باعتقادي جاءت أسباب الهجرات والخلوات في كثير من العصور، نقرؤها في سير الأنبياء والحكماء والأذكياء. هل ترى أن القراءة محرك أو دافع للتغيير في وقتنا الحاضر؟ في القراءة منافع جمة، وفوائد كثيرة، ليس أولها كسب المعرفة، وليس آخرها التأثير في النفس، وتهذيب الأخلاق، فالكتاب زمان مطوي على أهله وأمكنته، فلا يمكننا أن نعرف ما بداخله إلا إذا سبرنا ما بين دفتيه، فمن يقرأ الكتاب يعيش زمانين، زمانه أهله الحاضر، وزمان سلفه الغابر، والقارئ الحاذق هو الذي لا يفصل ما بين النص والشخص والبيئة ثالثتهما، فهنالك ارتباط ولو كان خفيا بين الكتاب وكاتبه، ولا يفترق المضمون عما كان عليه أهل الزمان ولو اجتهد البارعون في الخيال، فهم إنما يتخيلون أحوالا أخرى نقيضة لأحوالهم التي يرغبون بالخروج منها إلى ما يعتقدون أنها أفضل من واقعهم الذي يسأمون، فتظهر من بين ثنايا السطور حقائق بيئتهم، وعلى قلة طرح هذا السياق في كتب الإرث الثقافي التي نقلت لنا أحوال القرون السالفة من غير تشويه لحقائقها البيئية والاجتماعية، إلا أنني أردت التأكيد على أن بعض المثقفين المعاصرين قد أخذوا يطرقونه على غير تمكن منهم لظنهم أنه ابتكار يتوافق مع ما يعتقدون من أن الأدب صنعة، غير معتبرين أن الصنعة تعني التجويد وليس التهويم، مما يسهم بإظهار بعض النتاجات الثقافية ذات الأثر السلبي في نفوس الناشئة من القراء، وربما تؤدي إلى أن يسلك من سيدرج في مضامير الثقافة على هذا المسلك غير الموطأ، فينشأ الأدب الهجين، ويتلاشى الأدب الرصين، فيستقر شيء أصله أن لا يكون. وهنا لا بد من إعادة التأكيد على رسالة المثقف العقائدية والقومية والإنسانية، وعلى أدوار المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي مثل: وزارات الثقافة، ودور النشر، والهيئات الثقافية والتي بدا منها في العقود الأخيرة التساهل في الرقابة، لا بل ربما رسخوا أسماء في عمود الثقافة لا يعتمد على نتاجها لا أدبا ولا فكرا، ما أسهم بنشر العديد من المؤلفات دون السوية الأدبية المرجوة، فتسارع كثير ممن يرغبون بولوج معترك الثقافة إلى الكتابة متجاوزين القداسة الدينية، والقيم الأخلاقية، والأعراف الاجتماعية، وكان همهم فقط أن يصبحوا شعراء أو كتَّابا. ما سمات الكتاب الذي يلزمك قراءته كاملا؟ لعلي لا أتوقف كثيرا عند سمة الكتاب من حيث محتوى الموضوع بقدر ما تستوقفني سلامة اللغة، فكل كتاب يستهويني إن كان قد كتب بلغة أدبية فصيحة، حتى الكتب العلمية، فاللغة محمل الفكر، والكتابة باللهجات العامية، أو باللغات المحكية التي تكاد تكون قد استقرت في الوسط الثقافي العربي تعجز عن إيصال الفكرة، وإن حاول أصحابها التبرير لأسبابها، والترويج لها، بحجة تعدد الألسن، واختلاف مستويات الخطاب، غير أنني لا أجدها إلا ضعفا سيؤدي إلى ضعف ثم إلى موت اللغة العربية على ألسنة النشء، والرسالة الأدبية لا تخلو من تعزيز اللغة العربية الفصيحة لدى الأجيال الصاعدة، وترسيخها في نفوسهم، وتقريبها لهم، وتسهيلها عليهم، وليس محاولة جعلها وكأنها عقبة لا يمكن اجتيازها، وتلك رغبة من يودون لو نتكلم بألسنتهم ونتخلى عن لغتنا التي يغيظهم توحدنا بها.

مشاركة :