عمون - هذا الفيلم هو من نوع كوميدي الفارس farce وتم عرضه لاول مرة في مصر في 20 اكتوبر 1986 في سينما كايرو. وكتب سيناريو الفيلم السيناريست الراحل أحمد الخطيب. ويعد هذا العمل من أبرز ما كتب من أعمال فنية. والجدير بالذكر عن هذا السيناريست انه مخرج ومنتج ايضا حيث اخرج العديد من الاعمال التي شاركت بها وانتجتها الفنانة الراحلة ماجدة الخطيب شقيقته. وقفة ضرورية مع ملخص دقيق للقصة : كراكون في الشارع عمل كبير وبارز برسالته الانسانية التي يعالج من خلالها مشكلة السكن وتكاليف شراء الشقق الباهظة في تلك الحقبة الزمنية في مصر. وقصته تروي معاناة المهندس شريف المصري (الفنان عادل امام)، وزوجته سعاد (الفنانة يسرا) حيث يسكنان في بداية هذا الفيلم في شقة قديمة في عمارة مترهلة في حي من الاحياء الشعبية في السيدة زينب. وتتكون هذه العائلة المكافحة من شريف وسعاد وطفل وطفلة ووالدة شريف (الفنانة الراحلة نعيمة الصغير). وفجأة مع بداية مشاهده الأولى تحدث كارثة غير متوقعة حيث يبدأ البيت بالانهيار والعائلة في فراشها في ساعات الليل، مما يضطر شريف الى اخلاء شقته هو وعائلته في العمارة. ونرى هنا جميع سكان العمارة وهم يقوموا بإخلاء شققهم بسبب الانهيار الجزئي لبنيتها. وتحل هذه الكارثة بقدوم نائب المحافظ الى مكان الحادث الذي يخبرهم أن المحافظة ستمنحهم شقق بديلة للتي انهارت وبأنها وأنها ستسكنهم خيم في مخيمات الإيواء المؤقت، ريثما تنتهي المحافظة من بناء وتسليم الشقق؟ عائلة شريف المصري هي من الطبقات المثقفة في مصر. فشريف يعمل مهندسا مدنيا في شركة للإنشاءات الفندقية، وتعمل زوجته سعاد مربية في مدرسة للصفوف الابتدائية في القاهرة. وتعتمد هذه العائلة المكافحة على مدخولها الشهري لتغطية مصاريفها. تشعر هذه العائلة بالإمتنان للمحافظة على وعودها بالشقة الجديدة، فتلتقط ما تستطيع من أغراضها وتتوجه الى مخيمات الايواء المؤقت لتتفاجئ بكم هائل من المواطنين بانتظار دورهم عند مكتب الاستقبال. المشكلة لا تكون حينها بوجود عدد كبير من المتضررين الذين ينتظرون دورهم، بل أيضا بوجود موظف غير مبال بمصلحة الناس، فنراه يتعامل معهم باسلوب الاستهزاء والصراخ وقلة الضمير. ومع كل اسف لا يتم حل هذه المشكلة الا حينما تتحرك امرأة شابة وجذابة من بين المصطفين الى الامام لتغري الموظف بجمالها، فتنجح بجعله ينظر لأمرها وأمر شريف المصري وعائلته. يصدم شريف وزوجته بوضع مخيم الايواء المؤقت ووضعه الصحي. ويتضح لهم حينما يدخلا المخيم وخيمتهم أن المكان لا يصلح للسكن البشري إطلاقا. فالمساحة الداخلية للخيم قذرة ونتنة وتفتقر للبنية التحتية السليمة لإيواء اية نسمة بشرية، وحتى المياه للخيم يتم ضخها عن طريق مضخة يدوية من نقاط مركزية، فنراهم يقيمون بخيمهم بحذر شديد جدا حيث تضطر هذه العائلة ال جلب سرائرها من بيتها القديم المنهار لتفادي الارض المتسخة التي سيقيمون عليها. ونرى هنا بمشهد كوميدي ولكن مؤثر وضع المراحيض الغير صحي بالمخيم حيث يصطحب شريف ابنه لاستعمال المرحاض ليتفاجئ بحالته القذرة. نرى عند هذه النقطة كارثة آخرى ينجح الفيلم بتسليط الضوء عليها وباسلوبه الكوميدي المميز، وهي الاكتظاظ البشري بالمخيم. فوضع المخيم وطبيعة ترتيب الخيم يجرد العائلات من الخصوصية التي يجب ان تحيط بها في داخل خيمتها، فبمشهد كوميدي واثناء نوم شريف وسعاد يتفاجئا بساق امرأة تخترق جدار القماش الفاصل ببن خيمتهم وخيمة جار لهم وتدخل عليهم. فيرتبك شريف من هذا الامر وبصفع ساق الإمرأة...فيتفاجئ بزوجها يتهجم عليه بالخيمة. فيتضح لشريف مع كل هذه الظروف القهرية بالمخيم انه غير صالح للمبيت مما يدفع هذا الأمر سعاد لقبول دعوة شقيقتها للمكوث بمنزلها الى حين ترتيب امورها هي وشريف، تعتقد سعاد بأنها وجدت الراحة أخيرا الى حين ولكن تتفاجئ بعقبة جديدة لم تكن تتوقعها. رغم ترحاب شقيقة سعاد بها الا ان شعبان (الفنان الراحل يوسف داود) زوج شقيقتها قابلها هي وعائلتها بعدم ترحاب، فتبين لنا مشاهد هذا الفيلم كم ان معاملة شعبان كانت جافة حتى مع اولاد شريف وسعاد. فعندما فتح أحد أولادهما الثلاجة لشرب الماء قام وانتهرهما من دون شفقة لتشعر العائلة المنكوبة بالصدمة القوية من هذه المعاملة. تذكرت مقولة شائعة في ديارنا العربية وأـنا أتابع أحداث هذا الفيلم تقول كلماتها ما حدا لحدا، فلم يستطيع شعبان ايواء عائلة شريف التي قسى عليها الزمن حتى ليومين في منزله، حتى بعد شرط سعاد ان تتقاسم مصاريف اقامتهم مع شقيقتها. يتلقى شريف صدمة أخرى حينما يراجع المكتب المعني بتوزيع الشقق في المحافظة، حيث يكتشف ان هناك من ينتظر شقته منذ أكثر من عشرين عام ولم تصدق معه المحافظة، فيطفح به الكيل اخيرا. وحينما يعود الى المنزل ويرى شعبان كالعادة يسيئ معاملة ولديه يغضب منه كثيرا ويضربه ويغادر منزله، حيث يتوجه بطلب من والدته الى مكان قد يستغرب منه من يرى الفيلم من خارج مصر، الا انه اضحى ملاذا آمنا للكثيرين الذين قسة عليهم ظروفهم ولم تتكقل بهم المحافظة لتعينهم في محنتهم، مكان ساكن لا يسمع به الا تغاريد العصافير وصوت النسمات العابرة بسلام على سكانها الصامتين منذ سنين وربما دهور طويلة، لا يزور هذا المكان الا الباكين على موتاهم حينما يريدون دفنهم ولا يسكن باروقته الا اصداء نوح النساء على فراق الاحبة الذين غادروهم، والمساكين الذي اضحوا من دون مسكن، فتتذكر والدة شريف ان لديهم مدفن عائلتهم، وهي مقبرة للعائلة وملك خاص بهم، فيتوجهوا إليها ظنا منهم ان محنتهم قد انتهت وبأنهم سينالون الراحة والآمان بها. ولكن حين وصولهم اليها يكتشفوا بأنها مسكونة من قبل أحدهم. نزيل مقبرة آلمصري يدعى ابودومه (الفنان الراحل علي شريف)، وقد سكنها منذ فترة بسبب أزمة المساكن التي تجتاح القاهرة وتكاليف شراء العقارات الباهظة. فيتفاجئ شريف واسرته بأن اروقة المسكن مؤثثة بالكامل مما يستفزه للعراك مع ابودومة. وينتهي بهم المطاف في قسم الشرطة حيث يقرر المأمور بعد الاستماع للشكوى ان يسجن اطراف النزاع الى حين عرضهم على النيابة. وحتى في النيابة لم يجد شريف من ينصفه بمدفن عائلته. فيبرز ابودومة وصولات للنور ولخدمات عامة تثبت انه يقطن به منذ زمن بخلاف ادعاءات شريف التي تفيد بأنه خاص بأسرته. فيحكم وكيل النيابة بأن يبقى الحال على ما هوعليه وعلى المتضرر اللجوء للقضاء، شيئ لم يراه شريف يعدل بين اطراف النزاع. يجبر شريف أن يعيش مع هذا الشخص الاعزب الغريب هو وعائلته الى حين ايجاد مخرج من مأزقه الكبير. فإذا توقفنا قليلا لننظر الى ما وصلت اليه هذه العائلة سنجد انها بورطة كبيرة، فتقطن بمكان ليس مهيئ لإيواء البشر اطلاقا لا صحيا ولا نفسيا ولا معنويا. وليس لديها مورد لتصلح من امرها وتخرج من هذه الورطة. ولعل من يتأمل بذه الرواية ومشاهدها سيتنبه لأمر معين بأنه ربما يحمل بطل الرواية اسم المصري لأنه يرمز الى شريحة واسعة جدا من المكافحين الشباب في المجتمع المصري الذين لا يجدون مأوى للزوجية، او ربما يكونوا ضحايا لكوارث انهيار العقارات التي تحدث من حين لآخر في انحاء مختلفة من مصر، وربما بانتظار الغيث اوحتى قطرات منه كالرجل الطاعن بالسن الذي التقاه شريف بمكتب المحافظة ليستفسر عن شقته، كيفما كان الوضع تعطينا هذه الرواية الكبيرة واقع قد تعيشه الكثير من العائلات المستورة في مصر. ومع مرور مشاهد هذه الرواية يكتشف شريف ان ابو دومه الذي يشاطره مدفن عائلته تاجر للمخدرات، فيزوره شريف في صالة جلسته المجاورة لغرفة نومه بعد ان اقتحم غرفته اثناء خلوته مع عائلته غريب من ضيوف ابودومه. فيزوره ليعترض على هذا التصرف ليجد نفسه يتشارك بما اعتقد انها ارجيلة معسل عادية، ولكن يتضح له انها حشيش. ولا تنتهي الصدمات الذي يتعرض لها شريف عند هذا الحد، بل تأتيه صدمة عنيفة من الحج نادي، وهورجل متقدم في السن ذاع صيته بأحياء مختلفة من القاهرة بأنه رجل محترم لا يشترط دفعات كبيرة من الراغبين بشراء شقة من عقاراته التي يتاجر بها. بل حتى يرى شريف في مكتبه شخصيات شرطية محترمة تشتري منه الشقق. ويفرح شريف فرحا بالغا حينما يقبل الحج نادي بألفين وخمسمائة جنيه مصري منه كدفعة اولى لشقة رغب بشراءها، بل يشعر شريف وزوجته بأن ابواب الرحمة الالهية فتحت لهم من جديد. واحتفالا بالمناسبة تذهب زوجته الى عملها وبيدها تشكيلة من الحلوة لتحلي زميلاتها بسبب شقتها الجديدة، ولكن لتخبرها زميلة لها بالصدفة خبرا غير سار...فيتضح من تعميم بالصحف ان الحج نادي نصاب كبير. بعد هذا الأمر ببعض الوقت تضيق الحال بسعاد. فتشعر بان اوضاعهم لا يمكن اصلاحها ويبدأ الخوف الحقيقي يتملكها بأنه قد تخسر اولادها بسبب الظروف القهرية التي تمر بها، فتأخذ اولادها وتقرر الابتعاد عن شريف ووالدته، وتذهب للمكوث عند شقيقتها من جديد. هنا يحدث امر أثني عليه في هذا الفيلم كثيرا...بل كان الدافع الاكبر الذي دفعني لأكتب النقد عن هذا الفيلم، بأنه لا يقدم المشكلة ويعرضها بحقيقتها المرة على الرأي العام فحسب، بل يحاول حلها بطريقة درامية ذكية وفريدة، فرحيل سعاد عن شريف كان كالصفعة التي ألمته وهوفي قمة ظروفه الخانقة. ولا يكف أنه سُلب شقته القديمة بالسيدة زينب، بل ذاق الأمرين وهويتنقل من مكان لأخر الى ان استقر الحال به في مقبرة عائلته، واصبح يبيت في ظروف غير صحية اطلاقا، وها زوجته واولاده غادروه بسبب الظروف الصعبة التي اصبحت اكبر من طاقة تحمله. وفجأة أثناء عمله يتنبه لوجود كرفان على مقربة منه في الشارع.، فيعجب بفكرته بعد جولة بسيطة بمرافقه. فيقرر عمل شيء مميز بالموارد البسبطة التي بين يديه، فيقرر بيع ما يملك من عفش بيته لصنع كرفان أشبه بشقة صغيرة المساحة ومتنقلة يشبه الى حد كبير الكرافان الذي رأه في عمله. وتضمن هذا البيت المتحرك اسرة للنوم وطباخ غاز وبراد وصالة صغيرة تتضمن طاولة قابلة للطي، جهاز تلفاز ايضا. وبعد هذا الانجاز العريق تعود له زوجته حيث تعجبها فكرة الكرفان، وظن شريف ان رحلة عذابه انتهت، لكنه كان مخطئا. واجه شريف العديد من المشاكل مع عائلته اثناء سكنهم بالكرفان، فهذه الشقة المتنقلة بحاجة لمساحة لتتوقف بها، فحينما ركنها بجانب النيل تفاجئ بأن زوجته الحامل على وشك الولادة، فذهب باحثا عن الماء المغلي بحسب تعليمات الدكتور، ولكن عندمت عاد تفاجئ بوجود الشرطة بجانب الكرفان حيث اوقفته وسندت اليه سلسلة من التهم ابسطها سرقة تيار كهربائي وقيادة عربة من دون ترخيص من ادارة السير. عاد شريف بعدها ليجد ان زوجته قد ولدت ابنه وهوفي الكراكون مما دفعه لتسمية ابنه كراكون. فشعر شريف أن هذا الاسم هوالانسب له ولابنه بسبب ما يمر به من تردد على اقسام الشرطة بسبب ظروفه القهرية. ينصح محامي صديق لشريف بتحويل الكرافان الى عربة متنقلة ليتفادى التهم المنسوبة اليه من قبل النيابة. فيشتري حمارا ليجر بيته المتنقل إلى أماكن مختلفة من القاهرة، ولكن تتبعه المشاكل حيثما ذهب، فتارة يشكوه جيرانه للشرطة بسبب صوت الحمار، وتارة يقدم رجل اعمال صاحب نفوذ شكوى للشرطة بسبب وقوف الكرافان على باب بيته. أما المصيبة الكبرى تأتي لهذه العائلة حينما يقرران اقامة سبوع لمولودهم الجديد، فيقومان بدعوة مدرائهم وزميلات سعاد في العمل والكرافان متوقف على مقربة من حارة سكنية. ويلبي الضيوف الدعوة ولكن في منتصف الحفل يسمع شريف وزوجته صوت صفارات الانذار. فيهربا الى داخل الكرافان ليتركا ضيوفهم على باب الكرفان للشرطة حيث اخذتهم الى القسم. في حقيقة الأمر لا تنتهي اتعاب هذه الاسرة إلا حينما تقرر سعاد ترك شريف بسبب المشاكل التي يجلبها هذا الكرافان لهم فحينما يقدم شريف يد العون لشخصين متقدمان في السن ليركبا معه في مقدمة الكرافان حيث يقود الكرافان يوقفه شرطي بدعوة انه يحول الكرافان الى مواصلة عمومية. ويطلب منه اللحاق به الى القسم لتكون هذه المشكلة القشة التي كسرت ظهر البعير. فتختار سعاد ترك شريف وقبول اعارة سفر للعمل في الخليج واصطحاب الاولاد معها، ليبقى شريف يصارع الزمن ليحافظ على بيته المتنقل. وينتهي به المطاف مع مجموعة من الشباب الذين يعيشون بكرافانات وهم في ارض صحراوية خالية يحاولون التأقلم مع ظرفهم المميز ولكن المؤلم، وبعد صراع بسيط مع الشرطة حيث ان الارض تمتلكها الدولة تساعدهم قناة تلفزيونية بعرض مشكلتهم على الهواء مباشرة لتصل الى الراي العام بالسرعة الممكنة، فيصل خبر كفاح الشبان الى فخامة رئيس الجمهورية، فيهبهم الأرض لتفهمه ظروفهم القهرية. نقد فني للفيلم ونقاش حول النقاط الإيجابية به : كما عودنا الفنان عادل إمام وكما تعودنا من افلامه، فالفرادة ميزة نجدها بمعظم اعماله الدرامية. فليس هناك فيلم له لا يحتوي على المميز لكي يقدمه للرأي العام. فهذا الفيلم يقدم لنا مشكلة كبيرة تعاني منها شريحة واسعة جدا من المجتمع المصري. فهنالك الكثير من المواطنين الذين يعانون من مداخيل شهرية خجولة تكاد ان تكون كافية لشراء حاجاتهم الاساسية على مدار الشهر الواحد. إذا حدثت معهم كارثة كبرى قد يكون التخلص من اثارها مكلف ماديا وستعاني الأمرين وهي تبحث عن وسيلة للتخفيف من معاناتها. في حقيقة الأمر الفقر في مصر وصل الى ذروته قبل ثورة 25 من يناير حيث كان مؤشر من مؤشراته ارتفاع نسبة البطالة الى ما يقارب 25%، فيما المجتمع المصري يعاني من المشاكل الاقتصادية منذ زمن حيث حملت عددا من الافلام الدرامية رسائل مفادها بأن هذه البلاد يوجد بها مشاكل اقتصادية ضخمة جدا وبأن هنالك طبقات مكافحة حاجاتها مهملة من قبل الدولة؟! وفيلم كراكون في الشارع واحد من هذه الافلام التي تجعلك تتأمل فقط بما يعانيه المواطن المصري المعوز وهو يحارب لكي يعيش بكرامة، وبحثا وراء العيش، والعدالة الاجتماعية، وهي شعارات ارتفعت مؤخرا بأكبر ثورة شهدتها مصر في 25 يناير، لكن المتأمل للافلام المصرية سيتنبه انها موجودة منذ عتقية تاريخ الدولة المصرية، وهذا الفيلم شاهد على هذا الكلام فتم انتاجه عام 1986. ويناقش الفيلم ماذا يحدث لعائلة مصرية فجأة تجد نفسها بالشارع بعد ان ينهار مسكنها القديم والمترهل في السيدة زينب؟! فالذي حدث معها اشبه بكابوس مرير. فبعد انهيار بيتها لا تجد لها مأوى. ولعل ما حدث معها مقنع وهي تحاول ايجاد الحلول بشتى الوسائل لمصابها، فالابداع الدرامي تمثل بتقديم معاناتها باسلوب كوميدي حيث طبيعة شخصية شريف مسالمة جدا هو وزوجته مقارنة بالمجتمع من حولهما ومقارنة بحجم الكارثة. بل يمتازوا ايضا بطيبة القلب حيث توضحت هذه الخصائص منذ أولى مشاهد العمل حينما صدقوا فورا وعود نائب المحافظ حينما وعدهم بالشقة. فلفتت انتباهي هذه الخاصية النقية في شريف وسعاد، بل تباينت باسلوب جميل حينما كانت عائلة شريف وسعاد تسكن في بيت اختها كحل مؤقت للسكن. فالطريقة التي استقبل شعبان بها عائلة شريف جعلت الخصائص الطيبة في سعاد وشريف تبرز بصورة كبيرة. ورأينا كم ان شريف مسالم لدرجة انه لم يكن قادر على العراك مع ابو سريع في الفيلم في مخيم الايواء المؤقت. وتكرر عجزه عن الوقوف بوجه ابودومة تاجر المخدرات...مما جعله لقمة سهلة للبلطجية الذين كان يتواجه معهم في الفيلم. وتواتر شخصية شريف في الفيلم والقدرة المبدعة للفنان عادل امام على فهم هذه الشخصية وتقديمها باسلوب كوميدي من خلال رواية الفارس هذه اضاف قيمة حلوة للعمل، فمما لا شك به ان شريف انسان جامعي مثقف مسالم مستقيم الخلق ومكافح بطيئ الغضب ويتمتع بنسبة ذكاء عالية جدا، فلم نراه يغضب إلا مرة واحدة خرج بها عن طوره حينما غضب من شعبان بعد تكرار سوء معاملته لأولاده...فمن الواضح ان حتى استفزاز هذه الشخصية دمثة الخلق صعب جدا. ورأيناه يحل مشكلة سكنه بأسلوب مهني ذكي جدا اذ صنع لنفسه واسرته مأوى من تقريبا لا شيئ، مما يدل على نسبة ذكاء عالية جدا، كأب لأولاده ابدع بمحاولة حماية اسرته من التشرد فالذي استطيع قوله عن هذه الشخصية انها شبه مثالية بالأدب والاخلاق ودماثة الخلق والانضباط. سعاد زوجة شريف انسانة مثقفة ومرأة عاملة، ومن الواضح ان ظروفها أجبرتها على العمل وهي حامل رغم تعب الحمل نراها ملتزمة بالتدريس في مدرسة أساسية. ومن الواضح انها مخلصة لزوجها فقد رافقت زوجها بالسراء والضراء في هذه الرواية الرائعة...ولكن امتحنت الظروف صبرها كثيرا بعد انهيار العمارة فبالرغم من حملها تحملت السكن عند شقيقتها ثم الاقامة في المدفن بين تجار المخدرات والزعران. وتحملت تردد زوجها على اقسام الشرطة وتحملت ايضا السكن في الكرافان المتنقل البسيط الذي حتى وإن لم شمل اسرتها تسبب لزوجها بمشاكل قانونية كبيرة. فلم اتفاجئ حينما تركت زوجها في آخر ايام سكنهم في المدافن ثم مرة ثانية حينما تكرر ايقافه في الاقسام اثناء مشاهد الكرافان، فلكل انسان طاقت تحمل وربما في هذه الظروف التي جعلت هذه العائلة تتخذ من الارض سريرا لها ومن السماء ورحمتها غطاءا اعذر فوران اعصاب سعاد وتركها لشريف. فلو كان لدى زوجة مثل سعاد لقبلت قدميها ان تبقى بجانبي نظرا لاخلاصها كزوجة خصوصا في زمننا التي اصبحت لقمة العيش فيه صعبة المنال واصبحت المادة مقياس للعريس المناسب عند الكثير من النساء، فسعاد لم تترك زوجها بسبب فقره اوعوزه المادي. بل تركته بسبب تجوالهم من دون مأوى ومبيتهم في الشوارع واماكن غير مهيئة للسكن اطلاقا. سعاد انسانة مثالية جدا بوقفتها مع زوجها ولعلها عملة نادرة بزمننا، ولكن في كثير من الاحيان كنت اشعر ان شخصيتها كإمرأة بحاجة لأن تقدم بجدية اكبر في الفيلم. فتكرار محاولات تقبيلها من قبل زوجها جعل منظر القبل يفقد بهائه ووهجه في الفيلم. كما انني شعرت ان تكراره حولها قليلا الى رمز جنسي وعاد بالمردود السيئ بعض الشئ على الفيلم، فربما يكون هذا سبب ضعف معين عانت منه شخصية سعاد فظهورها بهذه المشاهد بصورة متكررة جعل شخصيتها تبدوخانعة لزوجها فوق المستوى المطلوب...ولكي لا يفهمني القارئ بصورة خاطئة الفنانة يسرا ابدعت بتقديم هذه الشخصية وربما تكون من اروع السخصيات التي قدمتها في ارشيفها الفني...ولا اعترض على مناظر القبل اطلاقا ففي بعض المشاهد كانت بمحلها تماما، ولكن تكرارها كان يعود على الشخصية نفسها بالسوء امام شخصية البطل وهذه الامور التقنية يحاسب عليها مخرج العمل اكثر من الفنان نفسه...اما بغير ذلك لا اجد مأخذ تقني على الشخصية اطلاقا. شعرت ان نهاية الفيلم لم تكون بقوة مشاهده المثيرة، فحينما وجد الصراع على الارض التي طالب بها اصحاب الكرافانات رأينا سيارة شرطة تذهب الى الارض وتنذر شريف بضرورة اخلائها لأنها ملك للدولة. ثم رأينا قناة تلفزيونية تساعد اصحاب الكرافانات بتقديم شكواهم للرأي العام لعل يكون هنالك من ينصفهم من اصحاب القرار في الدولة. وفي هذه المشاهد ترى سعاد زوجها على التلفاز وتقرر العودة اليه...وفعلا ترينا المشاهد المتتالية بأن امر هبة الارض اتى من مكتب فخامة رئيس الجمهورية شخصيا. ولكن انتهى هذا الصراع المهم بأسلوب ضعيف جدا. فتأتي جرافة انشاءات لتزيل الكرافانات وسط هتافات شريف لاصحابها بعدم ترك الارض...واستطيع تفهم هذا الامر لأن هذه الارض هي ملاذ اصحاب الكرافانات الاخير من التبعات القانونية لاستخدامها، لكن فجأة والجرافة تقترب من الكرافانات تقطع عليها الطريق سيار الشرطة لتخبر شريف بان الدولة وافقت على الهبة وفجاة نرى سعاد تجري هي اولادها الى شريف وسط هذه الدوامة مما يجعل هذه المشاهد تبدوضعيفة وساذجة. كنت اتمنى ان ارى نهاية اقوى بكثير للفلم. هذا الفيلم هو قطعة ابداع كبيرة لا يتضمن فقط المشكلة حيث نراها بكامل ابعادها الواقعية بل يطرح حلا بسيطا بمتناول ايدي الجميع. ويقدم لنا الحل ايضا مع ابعاده القانونية وبقالب درامي لطيف يستطيع المشاهد تقبله بكل شفافية. رأيي ان هذا الفيلم الكلاسيكي هو من اروع ما انتجت السينما المصرية وكناقد درامي وفني اشجع على انتاج اعمال تتمتع بنفس الروح الفنية الحلوة فهناك مشاكل كثيرة في عالمنا العربي نسطيع معالجتها وتقديمها من خلال افلام درامية
مشاركة :