بعد عقود من اختطاف بعض المنابر من قبل أقلية مختلفة التوجهات، جاءت مواقع التواصل الاجتماعي لتمنح كل إنسان منبره، وتعطي كل صاحب رأي حقه في التعبير عن رأيه بحرية كبيرة، ولم يكن هناك قبل بضع سنوات مضت منبراً يمكن أن يعتليه عامة الناس ليعبروا عن آرائهم وتطلعاتهم، فمن منابر الخطب في المساجد إلى منابر الإعلام بكافة قنواته، جاءت مواقع التواصل الاجتماعي اليوم لتفتح الباب على مصراعيه لكل صاحب رأي أن يعبر رأيه، إلا أن حرية التعبير الكبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي بعد عقود من الصمت لها تبعاتها أيضاً، حتى أضحت لغة التراشق والاسفاف والتجاوز على الأشخاص سمة في تويتر عند الاختلاف، وما يزيد الأمر سوءاً صدور تلك التجاوزات والاقصاء في الطرح من قبل كتاب ومثقفين لهم مكانتهم على الساحة الثقافية، فما الذي يدفع أولئك الرموز إلى الانحدار في الطرح إلى هذه الدرجة؟ وما هي مسؤوليتهم كمثقفين في قيادة حوار حضاري يحترم الطرف الآخر مهما كان حجم الاختلاف معه؟ التشنج في الردود وأكد خالد العلكمي- كاتب ومغرد - أن تويتر يعج اليوم بالتشنج والحدة في الردود وطرح الآراء، وقال: للأسف فإن لغة الحوار والاختلاف في تويتر اليوم يكتنفها عدم تقبل الرأي الآخر والتصنيف والإقصاء بشكل واضح، وغياب ثقافة الحوار لدينا مقلق، وأعتقد أنه ربما أن ثقافة الحوار لا يتم تعلمها في تويتر، وإنما تزرع لدى الشخص منذ الدراسة، من السنوات الأولى في حياته حتى يمكن أن يتقبل الآخر ويتقبل الاختلاف وعدم تحويل الحوار إلى حبة ملاكمة، هذه أمور مخيفة فعلاً. وأضاف: لدينا شريحة من المغردين يتحاورون وكأنهم في حلبة ملاكمة، ويتحاورون من منطلق أن رأيي لا بد أن يسقط رأيك، وينسفه، مع أنه في كثير من النقاشات قد يكون كلا الرأيين يستحقان الاحترام رغم الاختلاف بينهما، ولكي نكون واقعيين ولا نقسوا على أنفسنا كثيراً، فيجب أن نتذكر أننا إلى عهد قريب كنا مجتمع غابت عنه منابر الحوار أو حرية التعبير لعقود، ثم فجأة توفرت له وسيلة مفتوحة للتعبير، فمن الطبيعي مرحلياً أن تشهد هذه المرحلة تجاوزات وشحن واقصاء، ومن منظور آخر، أنا أرى أن وجود منبر حر للحوار هو بحد ذاته هو أمر ايجابي، وذلك لكي نخرج همومنا، ومشاكلنا، ونتحاور حولها، وذلك بظني أفضل من بقائها مكبوتة داخل أفراد المجتمع، وإذا اتفقنا أن الحوار بحد ذاته ايجابي، وأن هذه المرحلة المبكرة من الحوار ستشهد تجاوزات، فإنه من المهم ضبط تلك التجاوزات، وعدم تركها للأخلاق، وهناك فرق بين حرية التعبير وبين التجاوز، والتجريح الشخصي. وقال: من الطبيعي أن تتحسن لغة الحوار والاختلاف في مواقع التواصل الاجتماعي في المستقبل القريب، لكن علينا ألا ننتظر إلى ذلك الوقت ونترك المتجاوزين على الآخرين يمارسون لغتهم السلبية في الحوار، اليوم هناك حاوية قانونية يمكن اللجوء إليها عندما نصل بالحوار إلى مرحلة لا يمكن قبولها. وحول مسؤولية النخب في الارتقاء بالحوار قال: قد لا تعني شهرة الكاتب أنه من النخبة، فقد أدت سيطرة البعض على المنابر المتاحة قبل تويتر إلى أن فرضوا أنفسهم على المجتمع من خلال تفردهم بالمنابر المتاحة آنذاك، والجميل في مواقع التواصل الاجتماعي أنها كشفت أولئك الذين يعتبرون أنفسهم من النخب، وتتشكل حالياً نخب جديدة وهي نخب حقيقية من خلال الفرص المتساوية للجميع والمجتمع يفرز ويحدد من هم نخب المرحلة. شيطنة الآخر وقال عصام الزامل- كاتب ومغرد - إن الهدف من التغريد هو ايصال فكرة الكاتب للمجتمع، وأي انحراف عن أدبيات الحوار واحترام الاختلاف في الرأي كفيل بنسف تلك الفكرة وعدم تقبلها من قبل الجمهور، وأضاف: إن اخلاقياتنا العامة تلزمنا كمغردين بالحفاظ على حد معين من الحوار الملائم، وأن لا نتجاوز على الأشخاص بالتجريح أو الخروج بالحوار إلى شخصنة أو اقصاء يفرغ الحوار من قيمته الأساسية. وقال: إن التجاوز والتجريح والقذف في حق الآخر الذي يختلف معه المغرد، تهز صورة المغرد، وتبين ضعفه وعجزه عن ايصال فكرته بأسلوب منطقي ومهذب ومقبول، كما أن شيطنة الآخرين بطريقة تعسفية وغير مؤدية خاصة عندما يكون الخلاف حول موضوع متعلق بالأمور الدينية أو الاجتماعية، فعندما يشيطن أحدهم الطرف الآخر، قد يظن أن ذلك يشرعن لسوء الأدب معه، كونه يعتقد أنه يخاطب عدو، وليس مجرد شخص آخر يختلف معه حول نقطة معينة، ويعتقد في الوقت ذاته أن الآخرين سيتفقون معه ويصطفون ضد ذلك الآخر لمجرد أنه يشاركون النظرة السلبة تجاه الآخر، وعلى الرغم من التجاوزات اللفظية الغير مقبولة من قبل بعض المغردين، إلا أنني لا أرى أنه من المناسب أن تتدخل السلطة في هذه الساحة المفتوحة، والحوار دائماً هو عمل ايجابي، وأعتقد أنه من المتوقع أن تتحسن لغة الاختلاف في توتير، وأن تتراجع الحدة والاقصاء والتجاوزات بين المختلفين مع مرور الوقت. فوضى الحرية د. محمد الخرعان -أستاذ الإعلام المتخصص المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية- أكد أن الأصل في الحوار هو احترام أطراف الحوار بعضهم لبعضهم، وإذا كان هدف المحاور أو المغرد هو ايصال فكرة، فليس هناك حاجة للابتذال والاسفاف في القول، أو شخصنة موضوع الحوار، وقال: إن الحوار في تويتر وإن كان الهدف منه اقناع الطرف الآخر بفكرة معينة، إلا أن هذا الهدف ليس مضموناً دائماً، لذلك فإن الأصل في هكذا حوار أن تعمل على ايصال فكرتك بشكل جيد، ومن المهم في الحوار مع الطرف الآخر الذي قد تختلف معه أن تعلم أنك لا تخاطب ذلك الشخص فقط، وإنما تخاطب متابعيه ومتابعيك، وقد يكونون الوف مؤلفة، ويجب أن يؤخذ هؤلاء المتابعين في الاعتبار، والاحترام كذلك. وأضاف: كان خطاب الله تعالى وخطاب نبيه الكريم مع أعداء الدعوة والرسالة، كان خطاباً راقياً، فمثلاً خطاب إبراهيم عليه السلام مع النمرود، أو حواره مع قومه، نجد أنه حوار راقي جداً، يعتمد على الاعتماد على الحجة والبرهان أكثر من الهجوم على الطرف الآخر، مشيرا إلى أن غياب المنابر في المراحل السابقة، وسيطرة البعض على بعض المنابر المحدودة إلى أن جاءت مواقع التواصل الاجتماعي قد أوجد لدى مرتادي هذه المواقع دهشة كبيرة جعلت ممارسة الحوار المفتوح يشوبها بعض التجاوزات، لدرجة أن الحوار لدى البعض إلى انتصار للذات أو فرض الرأي، واقصاء الآخر، ولا شك أن على المثقفين والكتاب مسؤولية كبيرة في ضبط الحوار والنقاش، وعدم شخصنة الأمور أو الانزلاق نحو لغة هابطة لا تحترم الطرف الآخر. أخلاقيات الحوار د.عبدالمنان ملا بار – استاذ الارشاد النفسي للدراسات العليا – أكد أنه كان يفترض أن يمثل تويتر بالنسبة لنا التواصل عبر الثقافات المختلفة، وكان ينبغي كذلك أن تخضع حواراتنا عبر تويتر لأخلاقيات الحوار وأخلاقيات التعامل، وقال: إنه إذا غابت المعايير الأخلاقية عن أي حوار، فإن هذا الحوار يفتقد لإنسانيتنا، والحوار مطلوب بين البشر بكل الوسائل ولكن وفق القيم والمعاير الأخلاقية. وأضاف: إننا كمجتمع سعودي كان يجب أن تضبط لغة الحوار لدينا قيمنا الدينية والاجتماعية التي تفرض علينا أدباً ووقاراً في الحوار مهما كانت مساحة الاختلاف في ذلك الحوار، واحترام الطرف الآخر، وعدم التقليل من الطرف الآخر ومن رأيه من خلال التطاول الشخصي والتجريح وتجاوز أدب الحوار، كما أنه يجب على من يطرح رأياً في تويتر أو غيره من وسائل التواصل الاجتماعي ألا يخرج من عملية الضبط الانفعالي، ولا يجب أن نطرح أطروحات انفعالية تخرج بالحوار من إطاره الأدبي والانساني. وأضاف: إن التعصب الفكري الذي نعاني منه هو الذي يقود للأسف بعض الرموز الأدبية والثقافية والكتاب إلى النزول الهبوط بالحوار إلى مستوى لا يليق بهم ولا بمكانتهم، وللأسف في مجتمعنا حتى وأن وصل المرء إلى أعلى الدرجات العلمية أو المكانة الأدبية والثقافية، إلا أن كثيرين لا يستطيعون الخروج من التعصب الفكري أثناء الاختلاف مع الآخر، وهذا لا يليق بمثقفينا، وأصحاب الرأي الذي ينتظر منهم احترام الآخر عند الاختلاف، وكان حرياً بهم الابتعاد عن التعصب الفكري أو الثقافي أو الاجتماعي، والانفعال بشكل يخرج الحوار عن لغته الراقية، وللأسف نحن نتعلم العجز المتعلم، وهذا أمر يبقينا بعيداً عن التطور الحضاري الانساني الخالي من التشنج والتعصب، وإن مسؤولية الكتاب والمثقفين وأصحاب الرأي كبيرة جداً في تحمل مسؤولياتهم في ضبط الحوار ولغة الاختلاف التي لا تلغي الآخر ولا تذهب الحوار إلى التجريح والتجاوز اللفظي الذي لا يليق أبداً بأي إنسان فكيف إذا كان هذا الانسان مثقفاً أو كاتباً. د. فهد السلطان حذر من تغريدات الإثارة وطالب بفحص الأفكار قبل قبولها د. السلطان: مؤشر الشهرة لايعني أن صاحبها ذو أفكار جيدة أكد د. فهد السلطان - نائب الأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني- أكد أن الكتاب والمفكرين والدعاة الذين يسجلون حضوراً في مواقع التواصل الاجتماعي، يتحملون مسؤولية كبيرة تجاه المجتمع والوطن، وقال: إن القراء والمتابعين لهؤلاء الكتاب والمثقفين ينظرون إليهم على أنهم قدوة، وهذا يعني أنهم يتحملون مسؤولية كبيرة في كل ما يطرحونه من أفكار وآراء. وأضاف: مشكلة مواقع التواصل الاجتماعي أن ما يطرح به من آراء وأفكار ولدت في ظرف لحظي، بحيث أن المغرد يغرد بشكل مباشر حسب ما يخطر في بباله من أفكار دون تمعن ومراجعة في أغلب الأحيان، على النقيض تماماً من طرح الأفكار في المرحلة السابقة حينما يكتب المثقف مقالاً مثلاً لنشره في صحيفة، فإنه لا يقدم ذلك المقال للنشر إلا بعد مراجعة دقيقة وشاملة، إضافة إلى أن بعض المغردين يعمد إلى نشر تغريدات تحمل شيء من الإثارة لكي يكون له تواجد ويحظى بأكبر عدد من المتابعين، وهذا الأمر في تصوري على المدى البعيد أو المتوسط، سيفقدون مكانتهم على المستوى الاجتماعي إذا كانت تغريداته غير مسؤولة. وقال: ليس مؤشر الشهرة يعني بالضرورة أن هذا الكاتب المشهور يمكنه أن يقدم أفكار جيدة، وعلينا كمتابعين أن نفحص الأفكار وليس تقبل الرأي بناء على ما يقوله الأشخاص اعتماداً على خلفياتهم المعرفية، وأعتقد أنه مع مرور الوقت سيكون هناك نضج أكبر من قبل المتلقي، وسيكون هناك فرز كبير لمستوى ثقافة ووعي الكاتب أو المغرد، وهذا كفيل بتحسن لغة الطرح ورقيها، وفي ظل الظروف التي تمر بها المنطقة العربية عموماً، فإن هناك مسؤولية كبيرة على الأفراد وعلى الأشخاص المؤثرين في الرأي العام في استشعار دورهم المؤثر في تعزيز اللحمة الوطنية، وهذا الدور نحن أيضاً نقوم به في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في محاولة تعزيز التعايش والتلاحم الوطني. شهرة المغرد لاتعني انه من النخب د.عبدالمنان ملا بار عصام الزامل خالد العلكمي
مشاركة :