الشغف حينما يتجلى.. رحلة في "متجر السينما"

  • 3/2/2014
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

لطالما شهدنا أفول نجم من نجوم الأعمال المبهرة، ولطالما استمعنا بمزيد من الأسى لقصص نجاح خاطفة، القاسم المشترك بينها –جميعًا- أنها ولدت نتيجة رغبة صادقة لمحبيها وتنفيذا لأفكار رائدة... لكنها جميعا كانت تفتقد ما يطلق عليه بالشغف Passion! هناك في الغرب تدلف إلى أحد المتاجر المتخصصة؛ لتجد أمامك بائعا بدرجة "خبير"، تدهش من دقة وعمق المعلومات، وسرعة البديهة، بل والقدرة على سبر أغوارك دون معرفة مسبقة ليعرف ماذا تريد بالضبط! هذا هو أحد الفروق الكبيرة التي تميز الأعمال الصغيرة والمتخصصة لديهم وبين ما لدينا من مشاريع وأفكار، فالعمل هناك لا ينتهي فقط بمجرد استئجار المتجر وجمع البضاعة ونشر الدعاية، بل إن بيت القصيد هنا: هو أن تحب عملك حتى الثمالة، أو لنقل بلغة أوضح: الشغف. مساء الاثنين الماضي كنت على موعد ممتع مع شغف من نوع آخر، تزامن مع طقس لطيف قلما تنعم به تلك المدينة، هناك وفي زاوية قصيّة تبعد دقائق قليلة عن ساحة ليستر الشهيرة Leicester Square وسط لندن -أو قاهرة أوروبا كما أحب أن أطلق عليها- يقبع على جادة شارع القديس مارتن العلوي متجر صغير من نوع فريد، إنه: "متجر السينما Cinema Store"، المتخصص في كل ما يتعلق بالفن السابع من متعلقات. أيقونة متفردة في مجالها، صدق أو لا تصدق متجر لا يبيع سوى كل ما يتعلق بالسينما وصناعتها المساندة، جنة لا حدود لها، يحج له عشاق هذا الفن العظيم من كل فج عميق، هناك كنت على موعد مع زيارة شاركني إياها أخي الأصغر "فهد"، وبالتأكيد أتمنى أن أعود إليه في كل زيارة للمدينة، بعد أن أدركت أن الشغف شيء يمكن أن تلامسه بيدك؛ شرط أن يكون حقيقياً ونابعاً من القلب والروح. ولكن دعوني أصحبكم في جولة سريعة في هذا المتجر الفريد من نوعه، فهو يتكون من قسمين اثنين صغيرين، أولهما يقع بالدور الأرضي ويحتوى زاوية متخمة بالكتب السينمائية، بالإضافة إلى المجلات ذات العلاقة بصناعة السينما، مثل مجلة التصوير السينمائي، وغيرها من مجلات القصص المصورة Comics، بالإضافة إلى وجود أعداد بعض المجلات الأخرى التي أفردت غلافها الرئيس يوماً لموضوع سينمائي، وكذلك يحتوي القسم على ركن لـ"البوسترات" الأصلية (الحجم الكبير) لعناوين –أفيشات- أمهات الأفلام العالمية والشهيرة، بالإضافة إلى صور وبوسترات للأفلام موقعة بشكل شخصي من أبطال الأفلام، تتراوح أسعارها ما بين (250-500 جنيه إسترليني) أي ما بين 1500-3000 ريال سعودي وأكثر، بيد أنني للأسف بحثت عن ملصق فيلم أعشقه ولا أمل من مشاهدته لكنني لم أجده! كما يحتوي هذا الدور على زاوية لتذكارات الأفلام الكبيرة، وخصوصا الحديثة منها، ابتداء من "كوخ العم توم" مرورا بالحديقة الجوراسية و"حرب النجوم" إلى "هاري بوتر" بإجزائه المختلفة، وكذلك قائمة مختارة من الأفلام الناطقة بغير اللغة الإنجليزية، وغالباً ما تكون أفلام الإثارة والرعب الغالبة بين جملة تلك التذكارات الغريبة، بالإضافة إلى أقنعة الشخصيات الشريرة والمختّلة وعدد غير قليل من متعلقات تلك الشخصيات من أدوات وملابس. القسم الثاني يوجد في الدور السفلي، الذي تنزل إليه بواسطة درج ضيق مهترئ، ازداد ضيقاً حينما ملئت جنباته بالصور والتذكارات المختلفة، هذا القسم يحتوي على مكتبة ضخمة لا تصدق من الأفلام السينمائية من كافة دول العالم قاطبة، بعضها على أشرطة فيديو، وأخرى على أقراص مدمجة، بل إن بعضها موضوع على شكل رول فيلم سينمائي أصلي! محفوظ داخل تلكم الأسطوانات العتيقة. قضيت في المتجر الحلم أكثر من ساعة أتجول بين تلكم المقتنيات المتنوعة، التي تبحر بك في عالم بعيد عن الواقع، فكل زاوية تحتوي على صورة أو تذكار يعيد لك جانبا من ذكريات سعيدة، أما كتب إنجاز الأفلام فتلك الكتب تحتاج وقتًا طويلاً لقراءتها واستيعاب المراحل الطويلة والرحلة الشاقة لإنجاز فيلم ما، تلكم الكتب التي تحتوي على نسخ كربونية من سيناريو وحوار الفيلم الأصلي، بما فيها تعديلات المؤلف والمخرج، ورسومات المشاهد و"الاسكشات"، بالإضافة إلى الرسوم التخيلية للشخصيات وعمليات المكياج والديكور العام، أما الأمر الأكثر روعة في هذا المتجر، الذي قلما تجده في متاجر أخرى؛ فهو القدرة المبهرة لطاقم المتجر على تجاذب أطراف الحديث مع زوارهم، وسعة بالهم في الإجابة الوافية عن أسئلتهم، فضلاً عن قدرتهم على تقديم الاستشارة والمعلومة المفيدة فيما يخص صناعة السينما سواء في بريطانيا أو الولايات المتحدة الأميركية على حد سواء. أيها الأصدقاء..قضيت مع شقيقي "فهد" لحظات ماتعة في هذا المتجر الذي تشتم رائحة الحب والقرب بينه وبين رواده، مما جعله هدفًا محدداً لزيارة المهووسين بعالم السينما، ودار خبرة في مجاله. ولكن وبغض النظر عن محتوى المتجر، أكاد أجزم بأن الدرس الأهم الذي خرجت به من هذه الزيارة الخاطفة لهذا المتجر اللطيف أن أي عمل - حتى لو كان تجاريا محضا- حينما يغلف بالشغف الصادق، ويقترن بالعمل الجاد والمخلص سوف يجد طريقه المباشر نحو النجاح بشكل سلسل وميسر.. ذلك أن الجمهور – أو الزبائن في حالة المشروع التجاري- سوف يدرك هذا الجهد الحقيقي ويقدره، بل وسوف يحرص على استمراره بشكل يضمن تقديم خدمة تنفعه وتفيده في حياته اليومية أو هواياته الشخصية.

مشاركة :