يبدو أنه حان الوقت من أجل تقييم جاد لما يمكن أن تنطوي عليه رئاسة المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، من تأثيرات في الأمم المتحدة. وخلال معظم العام الجاري كان هذا الاحتمال ليس أكثر من موضوع للهزل. ولكن مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية أصبح الأمر أكثر جدية. والمرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، متقدمة على ترامب حسب استطلاعات الرأي، ولكن على نحو ضئيل. ويسعى المسؤولون الأميركيون وكذلك الدبلوماسيون في العواصم الأجنبية في التحضير استعداداً لاحتمال انتصار ترامب، في حين أن نظراءهم في الأمم المتحدة منشغلون بمنافسة من سيخلف الأمين العام الحالي للمنظمة الدولية، بان كي مون، ناهيك عن أعمال العنف الأخيرة في سورية. ولكن ينبغي عليهم القيام بدورهم في الاستعداد لفوز ترامب، خصوصاً في ما يمكن أن تقوم به القوى العالمية لدعم الأمم المتحدة إذا حاول هذا الرجل القضاء عليها. ويرجع ذلك إلى أن ترامب أشار مراراً وتكراراً إلى أنه لن يعير هذه المؤسسة الدولية كثيراً من الاهتمام. كما وعد بإلغاء اتفاقية المناخ، أهم إنجازات الرئيس الأميركي باراك أوباما. ورغم أن ذلك ربما لن يكون بالسهولة التي يتصورها ترامب، إلا أن دولاً عدة يمكن أن تعيد التفكير بالتزاماتها في ما يتعلق بالبيئة إذا اعتقدت أن الولايات المتحدة ستتنصل من الاتفاقية. إذ إن إلغاء سنوات عدة من المفاوضات بصورة أحادية الجانب، من شأنه أن يضخ جرعة كبيرة من انعدام الثقة بدبلوماسية الأمم المتحدة. وإذا أقدمت واشنطن على إلغاء مثل هذه الاتفاقية الحيوية، فمن الصعب أن نجد أي سبب يجعل الحكومات توقع على أي اتفاق في المستقبل. وإذا قام ترامب أيضا بتقويض اتفاقية إيران النووية فإن الضرر سيكون كبيراً جداً. ولكن ترامب يمكن أن ينزل ضرراً كبيراً بالعديد من العناصر الأخرى لنظام الأمم المتحدة، حيث يقوم بتحدي القيمتين اللتين تمثلان أساس المنظمة الدولية، وهما الأمن المالي والصدقية السياسية. وإذا بدأنا بموضوع القيم، فمن المعروف أن الرؤساء الأميركيين السابقين من الحزب الجمهوري كانوا يتعاملون مع جهود الأمم المتحدة، المتعلقة بالترويج لحقوق الإنسان، بالتشكك. وكانت إدارة الرئيس، جورج بوش الابن، قد قاطعت مجلس حقوق الإنسان في جنيف، واتهمته بالانحياز ضد إسرائيل. وكان أوباما، قد جعل الفوز بمقعد في المجلس من أولى أولوياته، بعد تسلمه السلطة، كإشارة تدل على الانفصال الكامل عن عهد بوش الابن. وإذا فاز ترامب بالرئاسة فيمكن أن يقوم بانفصال مشابه ورمزي عن قضايا حقوق الإنسان المتعلقة بالأمم المتحدة، ويمكن أن يكون ذلك شخصياً، وكان المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة انتقد بشدة «الشعبوية والخرافات السياسية في العالم الغربي، من أجل شحن التعصب ضد العالم الإسلامي» واتهم ترامب صراحة بذلك. وإضافة إلى الابتعاد عن آلية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، من المرجح أن يدعو ترامب إلى تخفيض كبير في ميزانية المنظمة. ولطالما حاولت جميع الإدارات الأميركية، بغض النظر عن توجهها السياسي، ترشيد الإنفاق في الأمم المتحدة، إلا أن انتقاد تبذير الأمم المتحدة تميزت به الإدارات الجمهورية أكثر. وكان ترامب قال لأحد الصحافيين في مارس الماضي «نحن لا نستفيد شيئاً من الأمم المتحدة. وهم لا يحترموننا ولا يفعلون ما نريد، ومع ذلك فإننا ندفع لهم التمويل الذي يحتاجون إليه».
مشاركة :