دلالات عدة يكشف عنها توجه هيئة الرياضة، والذي انفردت الرياض بتفاصيله في عدد الخميس الماضي، نحو اتخاذ خطوات جادة وملموسة لضبط الهدر المالي الكبير في الأندية السعودية وتحديداً تلك التي تشارك في دوري جميل بعد الارتفاعات غير المسبوقة في حجم الديون التي تتراكم بشكل موسمي نظير سوء اتخاذ القرارات الإدارية والفنية، وعدم القدرة على السيطرة على مصاريف الأندية. بدت المشكلات وكأنها كرة ثلج تكبر منذ خمسة أعوام تقريباً، ولكن الدعم الحكومي تارة، والمساهمات الشرفية وعقود الرعاية والإعلان تارة أخرى كانت كفيلة بتسديد تلك الالتزامات أو على الأقل الإيفاء بجزء منها على أن يتم السداد لاحقا، لكن تزايد المطالبات ومحدودية الدخل جعلتا هذه السياسة عاجزة عن السيطرة وكبح جماح هذه الأزمة. ما زاد الأمور سوءًا هو الارتفاع المطرد في أسعار عقود اللاعبين حتى وصلت لأرقام فلكية، فلك عزيزي القارئ أن تتخيل أن لاعباً احتياطياً في أحد الأندية الكبيرة يتقاضى مبلغ تسعة ملايين ريال كأجر سنوي، وآخر لا يملك موهبة خارقة يحصل على سبعة ملايين وهذا ينسحب على عشرات من اللاعبين وخصوصاً في الأندية الثرية، الأمر الذي يدفع زملاءهم بالمطالبة بالمساواة والحصول على مبالغ مماثلة. محليون متواضعون وأجانب فاشلون ومدربون عاطلون يعبثون بها الغريب أن معظم هؤلاء اللاعبين لا يملكون موهبة خارقة، ولم يصنعوا تاريخاً يشفع لهم مثلما فعل أسلافهم الهواة الذين قادوا المنتخب السعودي لتحقيق لقبين في كأس آسيا قبل إقرار الاحتراف، ولا ذلك الجيل الذي وصل إلى كأس العالم في أربع مناسبات وحقق كأس أمم آسيا ١٩٩٦، والأسوأ أن معظمهم لا يملك روحاً قتالية تغطي من عيوبه الفنية، ولا يتمتع بطموحات للمساهمة في إنجازات وطنية لـالأخضر، لكن كل هذا يصبح هيناً، حين ترى تصرفات معظم هؤلاء اللاعبين، وعدم قدرتهم على المحافظة على أسلوب حياة منظم أو تقديم أنفسهم وسلوكهم بشكل جيد. وليس ببعيد عن المشكلات التي تواجه الأندية بسبب عقود اللاعبين المحلية، تلك التعاقدات الضعيفة مع عناصر أجنبية وبمبالغ فلكية يستفيد منها أشباه لاعبين لا يقدمون الإضافة للفريق ولا للدوري ولا للاعب السعودي الذي يحتك بهم، فهم يقبضون ووكلائهم أموالاً طائلة من الأندية التي تدار بطريقة سيئة يغلب عليها قل الدبرة كما يقول العامة، فضلاً عن بحث مسيريها عن الشو وفرد العضلات أمام الإعلام وعدسات المصورين وبعض الجماهير المخدوعة بهؤلاء الرؤساء والمسؤولين، والمضحك في هذا الأمر هي التصريحات التي يطلقها اللاعبون الأجانب حين تطأ أقدامهم أرض المطار وتأكيدهم على أنهم فضلوا الدوري السعودي والنادي الذي تعاقدوا معه على أندية أوروبية وآسيوية في كوريا واليابان والصين، على الرغم من أن لا أحد من هذه الأندية تفاوض معهم أو خطب ودهم، ذلك أن الأوروبيين والآسيويين يديرون أنديتهم باحترافية بحثاً عن ارتفاع المداخيل المالية عبر تحقيق المنجزات بواسطة لاعبين مؤثرين، وهو ما لا يحدث في رياضتنا، فالعمل على تنمية الموارد المالية خجول جداً وغير فعال، ويقتصر فقط على جلب المعلنين. ولأن الحديث هنا عن اللاعبين الأجانب وتصريحاتهم عند الوصول للأراضي السعودية وهم يجدون حشوداً تملأ المطار ابتهاجاً بوصولهم، فإنها لا تختلف كثيراً عما يقوله المدربون العاطلون وهم يدغدغون مشاعر الجماهير بتصريحات رنانة تخدم المسؤول المهايطي ولا تخدم العمل والفريق الذي لا يعرفه المدرب أصلاً، في وقت يجد كثير من المدربين العاطلين الملاعب السعودية مكاناً مناسباً لجني المكاسب المالية السريعة بسبب سرعة انتهاء العلاقة التعاقدية فور اكتشاف إفلاسهم. قرارات مثل هذه ستنعكس بشكل إيجابي على الكرة السعودية وستجعل الأندية تفكر ملياً قبل الإقدام على إبرام العقود التي أصبحت مجرد شخطة قلم لا يدرك صاحب القانون تبعاتها القانونية والفنية والمالية على ناديه وفريق كرة القدم الذي هو واجهة النادي، والأجمل هو إلزام الإدارات بعدم التعاقد مع أكثر من مدربين اثنين طوال الموسم. صحيح أن هناك الكثير من الطرق للتحايل على مثل هذه القرارات، خصوصاً في تعاقدات اللاعبين المحليين والأجانب، ولكن الحديث هنا عن العقود وما تتضمنه من أرقام، أما المبالغ التي يُوعد اللاعبون بالحصول عليها بشكل شخصي فلا يجب أن تتحملها الكيانات، ومن هنا جاءت فكرة وضع الحد الأعلى لعقود اللاعبين المحليين بواقع مليونين و٤٠٠ ألف ريال سنويا، وهو مبلغ يعتبر كبيراً في الفترة الحالية التي تشهد مرور العالم كله بدورة اقتصادية، في حين يمكن أن يكون مناسباً أن تتحول أي مبالغ إضافية إلى حوافز في حال تحقيق البطولات أو الانضمام للمنتخب، الأمر الذي ينعكس على رفع مستوى المسابقات ويخدم الفريق الوطني والكرة السعودية بشكل خاص. هذا التوجه سيحمي الكرة السعودية من مسؤولي الأندية أولاً، وسيحمي سمعة المملكة من أن تصبح مشوهة لدى غرف فض المنازعات وجهات التقاضي الدولية، وسيسهم في ضبط اللاعبين المحليين وسيوجه لهم ولبقية اللاعبين الأجانب والمدربين رسالة مفادها كفاية دلع في ظل متطلبات المرحلة التي تقتضي تقنين الإنفاق والحد من الهدر المالي حتى تتمكن الأندية من تحقيق التوازن بين المداخيل والمصروفات، أو على الأقل تقليص المديونيات إلى نسب ضئيلة يمكن التعامل معها. سلطان السيف
مشاركة :