يبرز مفهوم «المواطنة» كأحد مفاهيم مرحلة ما بعد الحداثة، تلك المرحلة التي انفصلت كليًّا عن فكرة الهويات المتعددة داخل الوطن الواحد، كالهويات العرقية والقبلية والمناطقية والمذهبية؛ إذ لا سيادة داخل الأوطان إلا للانتماء الوطني، وهو الانتماء البنّاء القادر على بلورة الرؤى الحضارية بتعزيزه مبدأ التشارك الوجودي والهموم المشتركة والمصير الواحد؛ لينتج بيئة محفزة لتحقيق الرقي والنمو في شؤون الحياة كافة. «المواطنة» في جوهرها ليست مجرد سلوكيات خالية من الدلالة، إنما هي حالة ثقافية فكرية ومعرفية بالدرجة الأولى، تستلزم وعيًا بقيمة الوطن، وتستصحب فكرة الاعتزاز بالأرض والهوية والتراث، يبني من خلالها الفرد تكوينه الذهني ورؤيته لذاته وللآخر، ويكتسب منها القيم الإنسانية السامية؛ ليتمكن من تمثلها بوصفها سمات حضارية تكشف عن جماليات وطنه الأخلاقية، وتغرس لديه مفاهيم التسامح والتعايش في تعاطيه مع الثقافات والشعوب الأخرى؛ لينقل تجربته الوطنية الثرية إلى الآخرين، ويصبح بذلك سفيرًا حقيقيًّا للوطن. الانتماء إلى الأرض والوطن متجذر في النفس البشرية، وهو جزء من تشكُّل هوية الفرد، يتلقفها منذ الولادة كما يتلقف أبجديات لغته الأم، ووجوده الثقافي والإنساني لا يمكن أن ينفصل عن وجود وطنه الجغرافي، وتزداد صلته بوطنه إن كان وطنًا يضم فوق ترابه قِبلة المسلمين ومسجد أعظم شخصية في التاريخ، وأرضًا تمثل مهد الحضارات العربية العتيقة؛ ما يفرض عليه مسؤوليات متعددة للحفاظ على تلك القيمة، والدفاع عنها كجزء من كينونته الوجودية. اليوم الوطني السعودي في حقيقته ليس يومًا للسعوديين فحسب، إنما هو يوم مجيد للأمتين العربية والإسلامية؛ لما تمثله المملكة من ثقل استراتيجي نظير دورها البارز في الدفاع عن مقدسات المسلمين عامة، ونضالها في سبيل وحدة الأراضي العربية، ورفضها أي اعتداءات تنتهك استقلالية عروبة الأرض والإنسان، لتصبح بذلك مصدر أمن لكل فرد عربي أو مسلم، ويجد في حماها الأمان والسلام والحفاوة. والمملكة من خلال تحركاتها الداخلية والخارجية كشفت عن قدرتها على تحمُّل تلك المسؤولية الكبرى رغم تزايد التحديات والتحولات الإقليمية المتسارعة، وظلت متمسكة بمواقفها ومبادئها إزاء الدول الصديقة والحليفة، ولا تتأخر في توفير الدعم بأشكاله كافة متى ما تطلبت الظروف المستجدة ذلك، ولديها حضور فاعل في مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة ومجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة الدول المصدرة للنفط. ويحمل اليوم الوطني السعودي السادس والثمانون رمزية ثقافية وتاريخية عميقة في تشكلها، تتمثل في توحيد أرض شاسعة الأبعاد، تبلغ نحو مليونَيْ كيلومتر مربع، تضم ثقافات متعددة ومرجعيات تاريخية متنوعة وحضارات ذات جذور عربية أصيلة؛ لتشكل جميعها فسيفساء داخل وطن واحد، يسود فيه التعايش والمحبة والانسجام؛ ما جعل المملكة قادرة على مواجهة أي تغيرات يشهدها العالم، واكتسبت بذلك قوتها واستقرارها على الصعيدَيْن السياسي والاقتصادي، وعززت من مكانتها الدينية بوصفها حاضنة للكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف.
مشاركة :