كوثر خلف حامد

  • 10/2/2016
  • 00:00
  • 153
  • 0
  • 0
news-picture

أشار الخبير ستيفن هاسان في كتابه الشهير حول «الإرهاب الديني وسيطرته على العقول» إلى لجوء المنظمات الإرهابية إلى استخدام تقنيات الإيحاء ومسح الأدمغة لتجنيد عناصر جديدة من الشباب للقيام بعمليات تخريبية أو انتحارية. وقد بين ستيفن أن ما تقوم به المنظمات الإرهابية عند استمالة الشباب هو عملية تبدأ بمظهر رقيق وحنون ويطلق على هذه المرحلة الأساسية فترة الاستمالة والإغواء «grooming seduction period» حيث توفر المنظمة الإرهابية من خلال أفرادها الحب الشديد والاهتمام المبالغ من خلال التواصل الكثيف مع الضحية بهدف بناء ارتباط عاطفي قوي جداً لدرجة تفوق الارتباط الروحي والوجداني مع والدي الشخص أو أصدقائه.. وبمجرد أن يقوى هذا الرابط ما بين الضحية والإرهابي فإنه تبدأ المرحلة الثانية من السيطرة على العقل ألا وهي مرحلة التلقين. وتبدأ مرحلة تلقين عقل الضحية إما بشكل مباشر أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي كما هو شائع حالياً. ويتم في هذه المرحلة جذب الضحية لكي تستمر بالتردد والتواصل لتلقي المزيد من التلقين وفي كل مرة يتم إعطاء الضحية جرعة من الإيهام والذي يكون في نوعيته متوائم مع تركيبة شخصية الضحية وهو ما يسمى في علم الاجتماع بمصطلح double bind ويتم من خلال ما يشبه التنويم المغناطيسي وبعبارات أخرى بسيطة تشرح هذه العملية فإن الضحية تقوم بتنفيذ ما اختارته من خيارات قامت باختيارها بنفسها وعن اقتناعها بها ولكن بناء على جرعات الوهم والإيحاء والإسقاط المقدم له من خلال الملقن أي إن الشخص الضحية في الحقيقة ما هو إلا وسيلة لتنفذ ما تريده المنظمة الإرهابية وهذا هو المعنى المبسط من عملية double bind والتي تستخدم لمسح عقول الناشئة وحشوها بأفكار إرهابية. ويفسر ستيفن هاسان إقبال الإرهابيين على تفجير أنفسهم بأنهم لا ينظرون إلى هذا التفجير الذاتي على أنه موت أو انتحار، وإنما هم يؤمنون بما لقنوه في أذهانهم من أفكار وأوهام والتي تصور لهم أن هذا الموت شرف لأنه به ومن خلاله سينفق عدداً من الكفار. ويضيف ستيفن هاسان أنه كان وبقية الشبان المغرر بهم وقت انضمامه لإحدى المنظمات الإرهابية في السبعينيات من القرن الماضي يؤمنون بأنهم عندما يموتون فإن أرواحهم ستخرج من أجسادهم بشكل شعاع يصل لسفينة فضائية تنتظرهم لتعود بهم من جديد إلى الأرض وهي سفينة يقودها مخلوقات غير بشرية وإنما قادمة من كوكب آخر. وقد يبدو لنا هذا الأمر سخيفاً وصعب التصديق ولكنه بالنسبة لهم حقيقة كانوا يؤمنون بها وأدخلت لأذهانهم من خلال مراحل جرعات التلقين والإيهام المكثفة. وتأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة وقوع الضحية فعندما يتم الانتهاء من بناء علاقة ودية قوية مع الضحية فإنهم يبدأون بالحديث معها أخيراً عن الجهاد في صفوف الإرهابيين وكما يشدد دليل التجنيد الإرشادي لاستقطاب ضحايا جدد على أنه: يجب أن يتم بهذه المرحلة الحرص على أن يعرف المرشح معظم أحاديث الجهاد والاستشهاد بآية من القرآن والسنة، كدليل ويتم تلقينه هذه الأدلة جيداً بحيث يصبح راغباً بالقتال في صفوفنا وعادة ما يكون ذلك سهلاً مع الأشخاص الذين يخافون عقوبة النار وعندما تفهمه أن جهاده معنا سينقذه منها فإنه سوف يقبل عليه خاصة عندما تشرح له فضل المجاهدين على البشر يوم الحساب فستكون النتيجة رغبته بنيل هذا الفضل وتمنيه وتأكد بتلك المرحلة أنه ملتزم بالصلاة وقراءة القرآن. وتقوم عناصر التجنيد بهذه المرحلة بعمل دعاية لها من خلال وضع جدول زمني للضحية بالاستماع لمحاضرة واحدة على الأقل يومياً ويجب أن تصبح هذه المحاضرات والكتب والمنشورات التي ترسل له من أعز أصدقائه وبالنسبة للمنظمات التي تستخدم الدين للإرهاب مثل داعش فإنه يتم إرسال كتب مثل حقوق المرأة في الإسلام وغيرها من خلال أقراص ممغنطة في حال كانت الضحية المستهدفة امرأة فضلاً عن تزويد الضحايا بقائمة من الكتب التي يوصى بأن يطلع عليها وفي هذه المرحلة فإنه لا يجب أن يعرض على الضحية أي مقاطع فيديو تظهر أفعال المجاهدين أو أنشطتهم القتالية إلا في حال وصل إليه عقله إلى مرحلة التعلق المطلق بالمنظمة وأهدافها وعند وصوله إلى هذه المرحلة يتم عرض تلك المقاطع عليه لتتمكن من قلبه بعمق ولا تخرج منه أبداً لدرجة أنه قد يفضل الموت على أن يخرج عن انتمائه للمنظمة التي ينتسب لها.. حيث إن قلبه وروحه تعلق بهؤلاء المجاهدين الذين تعرض على ناظريه أنشطتهم المصورة ومذكراتهم فيعجب بهم أيما إعجاب فينساق وتصبح أعز أمنياته أن يكون بينهم فيبدأ بالانعزال والرفض لأهله وأقرب الناس إليه بما فيهم أمه، بل وأنه قد يصل لمرحلة أن يقوم بتصفيتهم جميعاً وفي هذه المراحل النهائية يكون قد وصل التأثير الوجداني للإرهابي الذي ظهر في حياة هؤلاء الضحايا المغرر بهم بصورة صديق ليقدم للشاب المخدوع تعزيز معنوي دائم من خلال الإنصات لهمومه ودعمه وتقديم الحب له وكل هذا يجعله بعين وعقل الضحية مصدر للهداية ذات التأثير الأقوى بكثير من أي تأثير لأي شخص آخر حتى ولو كان أمه التي حملته وأرضعته.كان هذا عرضاً مبسطاً وملخصاً لكيفية السيطرة على عقول شبابنا وهي عملية مدروسة ممنهجة تمر بمراحل علمية نفسية عميقة ينبغي لنا أن نتوعى بها وندركها حتى نحل لغز إقبال كثير من الشباب في العالم من مختلف الجنسيات على هذا التفكير الضال العدو لخير البشرية جمعاء.

مشاركة :