شعلت مشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريس في القدس، غضبا وجدلا كبيرين في الأراضي الفلسطيني وسط تبادل للاتهامات بالخيانة بين حركتي فتح وحماس، إلى حد تبرأ فيه قياديون وتيارات في حركة فتح التي يتزعمها عباس من الزيارة. وكان عباس قد قرر المشاركة في جنازة بيريس، على الرغم من كم الانتقادات الكبير الذي بدأ مبكرا ضد هذا الاحتمال، حيث ذهب للمشاركة بحسب ما قال مقربون منه بصفتين: الأولى سياسية تتمثل في إرسال رسالة سلام محرجة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. والأخرى شخصية، حيث تلقى دعوة للمشاركة في الجنازة من طرف عائلة بيريس. وتعمد الإسرائيليون تصوير عباس عن قرب وهو يصافح نتنياهو في مشهد نادر، قائلا له ولزوجته «لقد مر وقت طويل»، وهو الفيديو الذي تناقله الفلسطينيون بكثرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي انشغلت بالفيديو، مع وسم اشتهر داخل الأراضي الفلسطينية خلال اليومين الماضيين وهو (#تعزية_السفاح). وزاد الطين بلة بالنسبة لعباس أنه كان الرئيس العربي الوحيد الذي شارك في هذه الجنازة، في وقت رفض فيه أعضاء الكنيست العرب كذلك حضور جنازة بيريس. وجلس عباس في الصف الأول خلال مراسم الجنازة، إلى جانب شخصيات أخرى مثل الرئيس الأميركي باراك أوباما، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والرئيس رؤوفين ريفلين، وولي العهد البريطاني الأمير تشارلز. وجلس إلى جانبه من الطرفين رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، والرئيس المجري فيكتور أوروبان. وعلى الرغم من أن نتنياهو لم يذكر عباس خلال كلمته، لكن حضوره ترك أثرا في كلمة الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي قال: إن وجوده هو تذكير على «أعمال غير منجزة بشأن السلام». وهذا الرأي عبر عنه كذلك الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند، معتبرا أن مشاركة عباس في الجنازة هي إشارة مفادها أنه لا يتخلى عن السلام. كما استغل أولاند وجود عباس ليخبره بأن مبعوثا فرنسيا سيزور المنطقة في الشهر المقبل في إطار مواصلة الجهود الفرنسية لعقد مؤتمر السلام. لكن هذه الإشادة الدولية لم تكن كافية لخفض نار الغضب فلسطينيا، حيث هاجمت فصائل فلسطينية مثل «حماس» و«الجهاد الإسلامي» مشاركة عباس في الجنازة ووصفوا فعله بـ«خيانة»؛ إذ قال الناطق باسم «حماس» سامي أبو زهري «إنه عار واستخفاف بالشعب الفلسطيني». فيما قال الشيخ خضر عدنان، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي بالضفة الغربية إن ما قام به عباس «خيانة كبرى». وفي مواقع التواصل الاجتماعي أدلى آلاف الفلسطينيين بدلوهم حول هذه المشاركة، وبدت الأغلبية العظمى رافضة للمشاركة مع اختلاف طرق التعبير. ووصل الأمر لأعضاء وتيارات في فتح نفسها، حيث تبرأ عضو في مركزية فتح من علاقة حركته بالزيارة؛ إذ قال توفيق الطيرواي إنه لم تتم استشارة اللجنة المركزية لحركة فتح بخصوص هذه المشاركة، ولم يطرح الموضوع أساسًا في إطار اللجنة المركزية، وهنا يجب التفريق بين حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية، فالرئيس يشارك في جنازة بيريس بصفته رئيسًا للسلطة الوطنية الفلسطينية، وأضاف موضحا «أنا ضد هذه المشاركة بشكل مبدئي؛ لأنها جنازة لإسرائيلي تمرغ من رأسه إلى قدميه بدماء أبناء شعبنا الفلسطيني، وأبناء شعوب عربية شقيقة في مجازر كثيرة، منها مجزرة قانا الشهيرة، وهو مهندس المشروع النووي الإسرائيلي الذي هدف إلى ردع كل مشروع لاستعادة بلادنا وتحريرها من الاحتلال، وهو من المؤسسين الأوائل الذين أتوا من الكيبوتسات الإسرائيلية لهذا الغرض ولغرض تأسيس وتمكين الحركة الاستيطانية الصهيونية منذ بدايتها، والتي هدفت إلى محو وإلغاء الوجود الفلسطيني على أرضه، وعمل لنفسه سيرة سلام انطلت على الكثيرين». كما انتقدت حركة «الشبيبة الفتحاوية» التي تمثل قطاع الشباب داخل فتح «المشاركة الفلسطينية الرسمية في مراسيم تشييع رئيس إسرائيل السابق شمعون بيريس»، مؤكدة رفضها أي تصريحات أو خطوات فلسطينية تظهره بمظهر الشريك، أو صانع السلام. وقالت الشبيبة في بيان إن المشاركة الرسمية في تشييع «الإرهابي القاتل»، تعد نقيضًا للإرادة الشعبية، «ولما يشكله هذا السفاح من صورة قاتمة في الذاكرة الجمعية لشعبنا في الوطن والشتات». ولم يقف الأمر عند ذلك، بل انتقد عسكريون الزيارة، ورفض أحدهم بشكل نادر ولافت خطوة رئيسه. وأكد مدير العلاقات العامة بجهاز الارتباط العسكري الفلسطيني، أسامة منصور أبو عرب، أنه أوقف عن عمله بسبب ذلك قبل أن يتم اعتقاله لاحقا. وكان أبو عرب كتب على «فيسبوك» «من هو (بيريس) حتى تتوجه للمشاركة في جنازته، فيما يرفض معظم أبناء شعبك الذين تمثلهم ذلك. لك أن تمر بأم الشهيد أسيرا ياسر حمدوني وتسألها، فإذا وافقت فتوكل على الله، وإذا لم توافق فاحسم أمرك»، مضيفا: «لا علاقات شخصية ولا علاقات ودية مع المحتل». وفي غضون ذلك، دبت شائعات مثل أن مسلحين أطلقوا الرصاص على منزل عباس، وهو أمر نفاه الإسرائيليون والفلسطينيون بشكل كامل. من جهتها، ردت حركة فتح في بيان رسمي قائلة إن مشاركة عباس بمثابة «رسالة سلام» تظهر للعالم أن الشعب الفلسطيني هو شعب محب للسلام. وقال المتحدث باسم حركة فتح أسامة القواسمي في تصريح صحافي إن «المحرك والدافع الوحيد لخطوات الرئيس محمود عباس على كافة الصعد الدولية والعربية والمحلية، هو دافع وطني بامتياز، ولا نسمح لكائن من كان أن يشكك في مواقفه الوطنية الثابتة والمعروفة». وقال القواسمي ردا على بيان لحركة حماس أدانت فيه مشاركة الرئيس أبو مازن في جنازة الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريس «إن الخيانة الحقيقية تلتصق مباشرة في الجهة التي حققت أحد أهم الأهداف الاستراتيجية للكيان الإسرائيلي، والمتمثلة بالانقلاب والانقسام وفصل القطاع عن الوطن، وتشتيت القضية الفلسطينية وتمزيقها، وضرب النسيج الوطني والثقافي والاجتماعي لشعبنا الفلسطيني، والمحاولات المستمرة من قبل قيادات حماس المتنفذة في غزة لترسيخ حالة الانقسام والانفصال لمصالحهم الخاصة، أو تلبية لأجندات غير وطنية». وعلى الرغم من الجدل الكبير والمستمر والمتشعب، أكد مسؤول فلسطيني كبير أمس أن عباس غير نادم على قراره المشاركة في جنازة بيريس، على الرغم من كل هذه الانتقادات.
مشاركة :