قالت المحامية وناشطة حقوق الإنسان الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، شيرين عبادي، إن أسرة موسى الصدر تقدمت بطلب لها للمساعدة في البحث بعد اختفائه في ليبيا. وقدمت عبادي شهادة لأول مرة حول اختفاء مؤسس حركة أمل، موسى الصدر، بقولها إن قضية «اختفاء الإيراني اللبناني موسى الصدر قبل أشهر من الثورة الإيرانية في 1979 بطريقة مريبة أثار اهتمامها»، منذ إطلاعها على بعض تفاصيل اختفائه بعد مقابلة أسرته في بداية الثمانينات. وأفادت عبادي، خلال مقابلة مع «راديو فردا» الأميركي الناطق بالفارسية، بأن «أسرة الصدر تقدمت بطلب المساعدة للعثور على موسى الصدر»، وذلك خلال مقابلة في مكتبها بطهران، وأضافت أن الطلب «أثار استغرابها» بسبب «العلاقات الأسرية بين بيت الخميني وبيت الصدر». وأشارت إلى أنها سالت أسرة الصدر عن أسباب «عدم طلبها المساعدة من الأجهزة الحكومية». في غضون ذلك تكشف أسرة الصدر عن رفض طلب تقدمت به إلى الوزارة الخارجية الإيرانية، لأن «السلطة الإيرانية لا تريد التضحية بالعلاقات السياسية من أجل العلاقات العائلية». ولفتت عبادي إلى أنها علمت بأن النظام الإيراني «يتجاهل قضية موسى الصدر الذي يعتبر شخصية مهمة ومن المقربين لأسرة الخميني». ونوهت بأن البحث عن رد لأسئلتها حول الصدر تحول إلى أحد همومها حتى اطلعت على كتابين نشرا قبل عامين في أميركا، أحدهما «الجاسوس الجيد» لضابط سابق في وكالة المخابرات الأميركية، والكتاب الثاني عبارة عن تحقيق أحد أساتذة العلوم الاجتماعية في الجامعات الأميركية الشهيرة. وفق عبادي فإن الأبحاث تظهر أن موسى الصدر كان على خلاف سياسي كبير مع زعيم الثورة الإيرانية الخميني، بسبب ميول الصدر إلى عزل السلطة عن الدين، ومن أجل ذلك كان يرفض فكرة التعاون الوثيق مع الخميني في تلك الفترة. وأفادت عبادي بأن القذافي كان يقدم المساعدات إلى كل من الخميني والصدر، ومن هنا قدم دعوة للتوسط بينهما، ومن لبنان يتوجه الصدر مع اثنين من مساعديه إلى ليبيا ومن إيران تقرر أن يسافر مساعد الخميني الأول محمد بهشتي إلى ليبيا. يشار إلى أن بهشتي اليد اليمنى للخميني اغتيل في تفجير مكتبه في يونيو (حزيران) 1982، وكان أول رئيس للسلطة القضائية ورئيس مجلس خبراء القيادة ورئيس مجلس الثورة، كما أن الوثائق التي رفعت عنها وكالة المخابرات الأميركية في يونيو الماضي، أظهرت أن بهشتي كان يمثل الخميني في المفاوضات التي جرت قبل إسقاط الشاه مع السفير الأميركي ويليام ساليفان والملحق العسكري في السفارة الأميركية الجنرال روبرت هاريز. وشرحت عبادي أن «الصدر يمكث أياما في ليبيا بانتظار وصول بهشتي. ولكنه بعد تأخر ممثل الخميني يقرر الصدر مغادرة ليبيا، إلا أن اتصالا هاتفيا من بهشتي مع القذافي يؤدي إلى احتجازه في مكان مجهول ومنعه من العودة. بحسب عبادي فإن بهشتي يخبر القذافي بأن الصدر على تواصل مع الشاه، وأنهم حصلوا على وثائق تثبت صلته بأميركا، ولأن الثورة تتجه إلى أوضاع حساسة فإن الخميني يطلب منعه، وذلك قبل أشهر من الثورة الإيرانية». في هذا الصدد، تضيف عبادي أن الأبحاث «تظهر أنه بعد مضي أربعة أشهر من عملية الاحتجاز تتمكن أسرة الصدر من التواصل مع القذافي بوساطة من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. لكن بهشتي على الرغم من انتصار الثورة وعودة الخميني إلى طهران يرفض مجددا إطلاق سراح الصدر ويقول للقذافي إن إطلاق سراحه يلحق أضرارا بالثورة الإيرانية، لأنه منافس للخميني في السلطة». لكن عبادي تضيف أنها لا تعرف «إن كان ذلك قرار الخميني أم بهشتي». وخلال حديثها أشارت إلى أن «بهشتي يطالب بتصفية الصدر وإبعاده عن طريق الخميني، والقذافي يقتل الصدر ويأمر بدفنه في الصحراء الليبية في مكان مجهول». وأعربت عبادي عن أملها بأن تحصل على شواهد جديدة توضح حقيقة ما حدث للصدر ودور بهشتي والخميني في اختفائه. ويبدو أن إشارة عبادي إلى كتاب «سقوط الجنة» للأميركي آندرو سكوت كوبر، ويوضح الكتاب أن الصدر كان بصدد مفاوضات في ألمانيا الغربية خلال شهر سبتمبر (أيلول) مع ممثلي الشاه، لبحث كيفية إعادة الهدوء إلى إيران، والبحث عن مخرج للأزمة التي أطاحت بنظام الشاه بعد أشهر قليلة. وذكر كوبر في كتابه أن شاه إيران الأخير محمد رضا بهلوي كان مستعدًا لمفاوضة موسى الصدر، خلافًا للإمام الخميني الذي خاف منه وتآمر على إخفائه في عام 1978، أثناء زيارته إلى ليبيا. وذكر تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، أن كوبر استقى معلوماته عن الإمام الصدر المختفي من مقابلات كثيرة أجراها مع عائلة الشاه، ومع رجال دين سابقين في إيران، ومع مستشارين سابقين كانوا على علاقة وثيقة بالشاه، مما أعاروا هذه القضية اهتمامًا أو سكتوا عنها. ويقول كوبر: «كان الشاه مستعدًا لمفاوضة موسى الصدر، وكان ذلك ليشكل أملاً كبيرًا لتعايش التشيّع والحداثة. لكن اختفاء الصدر أطفأ جذوة ذلك الأمل، وعبّد الطريق أمام تشيع متطرف ثوري في إيران». في نهاية أغسطس (آب) الماضي، كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، أن ما يسمى «حزب الله» اللبناني كان بصدد تسوية مع معمر القذافي حول قضية الصدر تتلخص في ثلاث فقرات، أولا تسوية مالية بقيمة مائتي مليون دولار لإنشاء مشاريع تنمية ورعاية اجتماعية باسم الصدر يديرها ما يسمى «حزب الله» مباشرة. ثانيا تزويد ما يسمى «حزب الله» بأسلحة، لا سيما الصواريخ المضادة للدروع والعربات، روسية الصنع. ثالثا اعتذار عام من القيادة الليبية عن اختفاء السيد موسى الصدر. وكشفت مصادر لبنانية أن الجانب الإيراني كان متحمسا لحل هذه الأزمة، وقد قام بعدة محاولات في هذا المجال، لكنها اصطدمت بواقع رفض حركة «أمل» ورئيسها، أي نقاش في هذا الملف لحساسيته المفرطة.
مشاركة :