ابكِ يا صديقي.. لقد فقدنا تاريخاً!

  • 10/2/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

"سرقوك يا عراق .. سرقوك يا عراق".. خرجت الصرخة من حنجرة ذبيح، إنها بوابة عشتار تقف في الأرض الغريبة، فأين الهروب يا عشتار؟ سيبقى تموز نائماً، وستتوهين في البراري باحثة عن بوابة مدينتك، وستنسين حبيبك في غياهب الأرض بين أيدي الموت. "سرقوك يا عراق"، قالها عالم الآثار العراقي وهو يبكي حين دخل متحف برلين ووجد الآثار المنهوبة، صورة انتشرت مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصلتني في ذاك اليوم لأجد نفسي أشاركه النحيب، نعم نحن الشعوب المنهوبة التي لم يعرف الغازي نهب دموعنا، إنه العراق! وأقولها لمن لا يعرف العراق: أقل ما قيل عنه الكلام الذي جاء في الكتب القديمة إبان سقوط سد مأرب وبداية الهجرات السامية الكبرى قول عمران الكاهن والمقولة تنسب للكثيرين غيره أيضاً فيصف البلدان التي ستهاجر إليها القبائل فيقول من جملة ما قال: "ومن كان منكم يريد الثياب الرقاق، والخيول العتاق، والكنوز والأرزاق، فليلحق بالعراق". وكأن مقولته قيلت الآن ولحق اللصوص بالكنوز، وأي لصوص! لا رحمة في قلوبهم، لم يفكروا بالحجر الذي اقتلع من أرضه ليؤخذ بعيداً، نعم للحجر مشاعر إنها أرضه ومكانه الذي لم يغادره؛ لذلك اختار أن يكون حجراً لا يتحرك، فذاك يجعله يبقى حيث هو، فكيف وقد وضع النحات والنقاش روحهم فيه! فهل يسمى بعدها حجراً؟ هل بقي قاسياً؟ أما زال لقيطاً؟ أوليس كونه في أرض عشتار كافياً كيلا تقربوه؟ كيلا تكسروا قلبه بإبعاده عن أرضه؟ لكن متى كان للصوص قلوب؟ العراق أرض العجائب، والحكايات، والخصب والرزق، ما الذي جعله يصبح رمزا للحزن والمراثي؟! ما اللعنة التي طالت الحجر قبل البشر؟ ما الذي جعل القصائد تتغير ويقول شاعر عراقي: "مطر.. مطر .. مطر وفي العراق جوع"؟ أين أنت يا عمران الكاهن لتسمع؟ أين أنت أيتها القبائل لتري العراق وهو ممزق؟ أين رحلت الخيول من أرض الخصب، من أرض الكنوز؛ ليحل الجوع مكان الأرزاق، ليحل القحط مكان الخصب، لتحل رائحة البارود مكان العشب الغض؟ لقد سيقت عشتار كأسيرة إلى المجهول تاركة خلفها تموزها التائه فلا عشتار بلا تموز، ولا تموز بلا عشتار! "أقيمي المراثي أيتها المروج أقيمي المناحة، أقيمي العزاء، ولتذرف عيناي الدموع على المروج مثل أمي ولتذرف عيناي الدموع على المروج مثل أختي الصغيرة"، قالها تموز الهائم في المروج تاركاً حبيبته تموت قهراً على تموزها الغائب، على دجلة الكحلي من حبر الكتب التي رميت فيه على يد المغول، على الحجارة المرمية بلا اهتمام. لقد مزق الحزن قلب عشتار من هول ما رأت على أرض العراق من قتل وجوع و هزائم، لكنها لم تتخيل أن تساق بوابة معبدها أسيرة في أيدي الغرباء! بوابتها المنقوشة بحكاية حبها، بصورة حبيبها المكلوم، المنتظر لها لتنقذه من أيدي الشياطين والموت، لكن هيهات.. هيهات.. لقد نهبوها. وأذكر ذاك اليوم وأنا أهرول في أحد ممرات كلية الفنون الجميلة في دمشق حاملة لوحة زيتية لأريها لأستاذ التصوير في مكتبه قبل أن يرحل حين كنت طالبة هناك، توقف فجأة، مشيحاً ببصره عن اللوحة، وهو ينصت لصوت موسيقى قادمة من أحد المشاغل وقال: هل تسمعين؟ قلت: نعم إنها موسيقى "نينوى" وقبل أن أكمل جملتي بأنني أحبها! قال: أشعر أنها تحمل كل الحزن والفاجعة العراقية! نعم.. نبهني لحجم الحزن الذي تحمله، وتغير شعوري تجاهها، لأكتشف أنها ليست مجرد موسيقى قديمة، ربما كانت نوح عشتار على تموز الذي تركها ومضى. أعود إلى العالم العراقي لأقول له: ابكِ يا صديقي لقد فقدت عراقك، وفقدت عشتار تموزها. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :