جاءت مبادرة «الإمارات ما بعد النفط» لتؤكد من جديد عمق الرؤية الوطنية الثاقبة لقيادة الدولة الرشيدة نحو إعداد جيل جديد، يستطيع الاعتماد على اقتصاد متنوع قادر على المنافسة والوجود بقوة ضمن اقتصاديات العالم المتقدم، بعدما كشفت الحقائق إلى بلوغ معظم البلدان النفطية لذروة الإنتاج والهبوط الواضح للمخزون العالمي من النفط. وعلى الرغم أن النفط ومنذ بداية القرن الماضي أصبح جزءاً أساسياً في كثير من القطاعات الاقتصادية، وكذلك في هندسة الحياة الإنسانية بشكل واسع، إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة استطاعت خلال فترة زمنية قياسية تقليل الاعتماد عليه كمصدر رئيس للدخل، ونجحت في تنشيط معدلات مساهمة قطاعات اقتصادية غير نفطية في الناتج المحلي للدولة، وذلك في استجابة أولى لمتطلبات مرحلة اقتصاد ما بعد النفط، إضافة إلى مواكبة الاتجاهات والتطورات المستقبلية من النواحي الاقتصادية والمالية والتكنولوجية والاجتماعية وغيرها، فضلاً عن تحقيق مفاهيم الاستدامة والابتكار في المجالات كافة. إلا أن المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع العمل على استشراف المستقبل عبر إطلاق المزيد من المبادرات والاستراتيجيات الاستباقية لمرحلة اقتصاد ما بعد النفط، تلك المرحلة التي تتطلب العمل بمنظور استراتيجي قائم على المعرفة والانفتاح على العالم الخارجي بمقومات حديثة ومتطورة وكوادر بشرية مواطنة قادرة على مواكبة كل جديد وتحديد البدائل واختيار الأفضل ومواجهة التحديات وتقديم حلول واقعية للمعوقات والمشاكل التي تواجه مسيرة التنمية الشاملة. ويتسابق الجميع حالياً على تنفيذ دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لوضع برنامج وطني حول تحقيق رؤية شاملة للاحتفال بآخر برميل نفط تصدره الدولة، سواء جهات حكومية أو خاصة. أما القطاعات المهيأة لقيادة الاقتصاد الوطني وصولاً إلى تلك الرؤية الطموحة، فهي عديدة، إذ تتملك دولة الإمارات العديد من القطاعات الواعدة والقادرة على قيادة دفة الاقتصاد مع انتهاء حقبة النفط، ومنها على سبيل المثال لا الحصر السياحة والنقل والخدمات اللوجستية والقطاع المالي والخدمات المصرفية، وهم من القطاعات التي أثبتت كفاءة في تحقيق معدلات نمو عالية ودعم الاقتصاد الوطني واستقطاب استثمارات أجنبية. فيما نراهن على القطاع الصناعي ليكون مدخلنا الرئيس نحو اقتصاد متنوع ومعرفي قائم على الإبداع والابتكار، وهو ما ظهر واضحاً في الخطط التي توليها الحكومة الاتحادية نحو إطلاق المزيد من المشاريع الصناعية الجديدة ودعم وتعزيز البنية التحتية المحفزة لنمو الاستثمارات الصناعية. إذ تمتلك الدولة العديد من المميزات التي تمكنها من دفع القطاع الصناعي إلى موقع منافس على المستويين الإقليمي والعالمي. وجاء الإعلان عن «استراتيجية دبي الصناعية» لتمثل إضافة نوعية لهذا التوجه وتعزز من ممكنات القطاع الصناعي بالدولة، مدعومة برؤية طموحة في تحويل دبي إلى منصة عالمية للصناعات القائمة على المعرفة والابتكار، بما يعزز من مسيرة الدولة نحو التحول إلى اقتصاد متنوع قائم على المعرفة. إذ تعمل القيادة الرشيدة للدولة بخطط واستراتيجيات طويلة الأمد لتحقيق هدف رفاهية المواطن والمقيم على أرض الإمارات من خلال رؤى وبرامج ومبادرات واضحة المعالم وقابلة للتنفيذ. إن «مرحلة ما بعد النفط» تأتي في سياق رؤية طموحة لبناء اقتصاد مستدام قائم على المعرفة والابتكار تقوده الكوادر والكفاءات الوطنية المتميزة، والتي ستتحقق من خلال تكاتف جهود مختلف القطاعات والمؤسسات الوطنية، سواء الحكومية أو القطاع الخاص في ظل دعم قيادتنا، لبناء اقتصاد وطني، يحمل كل ما هو أفضل لمستقبل أجيال الإمارات المقبلة.
مشاركة :