«الخليجي» في مهب الأحداث الإقليمية والسياسة الأحادية! - مقالات

  • 10/3/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بعد 35 عاماً على تأسيسه، يعيش «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» على مفترق طرق، تعصف به رياح عاتية تختبر مدى قدرته على المقاومة والبقاء، في ظل الكثير من التباينات التي لا تخفى على المراقبين في السياسات، سواء الداخلية أو الخارجية، ومدى التضامن الذي تحتمه ضرورات المرحلة الدقيقة التي تعيشها منطقة الخليج. فمنذ أن تأسس المجلس في 25 مايو العام 1981، لم يستطع تحقيق حالة من التقارب والانسجام، على الرغم من المحافظة على عقد قممه السنوية على مستوى قادة دول المجلس، فيما تبقى كل مقررات القمم المتعاقبة، حبيسة ملفات الأمانة العامة للمجلس، من دون أن تترجم إلى واقع يلمسه مواطنو دول المجلس. وبالنظر إلى ما تحقق، لا يستطيع الباحث أن يرى شيئاً ذا أهمية يسجل لهذا المجلس الذي نظر إليه الأشقاء العرب على أنه نواة لوحدة عربية شاملة، ولكنهم اليوم، وبعد ردح من الزمن لم يتقدم به خطوات ملموسة في تحقيق سياساته، فقدوا الأمل في أن يكون النموذج الذي يقتدى في تحقيق تكامل عربي منشود، في أي مجال كان. وعلى الرغم من مضي سنوات عديدة على دعوة ملك السعودية الراحل عبدالله بن عبدالعزيز بضرورة «الانتقال من حال التعاون إلى حال الاتحاد» لم يحدث شيء حقيقي في هذا الاتجاه، بل على العكس رأينا انكماش بعض دول المجلس تجاه الدعوة، التي خفتت ولم يعد لها اليوم أي ذكر. فحتى الإنجاز الوحيد الذي تحقق في السماح بتنقل مواطني الدول بينها بالبطاقة المدنية، أصبح مهددا اليوم، وخاصة مع إقرار دولة الكويت قانون البصمة الوراثية الذي سيشكل صعوبة في دخول مواطني دول المجلس إليها، في ظل إجبار القانون كل من يدخل للكويت بإجراء البصمة الوراثية، هذا عدا السياسات الخاصة الأخرى لدول المجلس التي تزيد من حالة التباين بين دول المجلس، ومنها ما أقرته السعودية أخيرا عن رفع رسوم الدخول والمرور إليها بشكل كبير، لتكون هذه الرسوم مسمارا جديدا يدق في نعش مجلس التعاون. وجاءت الأحداث الإقليمية لتزيد من الشقاق الخليجي - الخليجي، بدءا من أحداث «الربيع العربي» الذي غرق في المستنقع السوري، ليشهد الملف السوري حالة صارخة للتباين الخليجي في التعاطي مع الأزمة، في صور مختلفة، ففيما نأت إحدى دول الخليج بنفسها عن القضية، والتزمت سياسة الحياد والبقاء على قنوات تواصل مع بشار الاسد، كان تعاطي بقية الدول أكثر جدلا وحدة في القضية، واتخذ مسارين بعيدا عن السياسات المعلنة التي يشدد فيها الجميع على الاتفاق على سياسة واحدة تجاه الملف، ففي حين رأينا دولتين من دول الخليج اتخذتا موقف التأييد والنصرة للشعب السوري والعمل على دعم المعارضة المسلحة بعد تحول الثورة إلى مواجهات دامية، كان هذا الدعم عنوانا للانقسام، حيث عملت كل دولة على دعم جهات معينة من المعارضة من دون إيجاد التنسيق المشترك، فازداد الانشقاق والابتعاد بين فصائل المعارضة المسلحة، بالقدر نفسه الذي يفصلها عن النظام والميليشيات الأجنبية التي تدعمه، فكانت حالة التفكك في صفوف المعارضة نتيجة هذا الموقف المتباين الخليجي، وأثرت على سير المواجهات مع قوات النظام، ولم يحدث نوع من التفاهم بين الطرفين حتى اليوم رغم كل ما يقال عن إعادة دمج المعارضة المسلحة في كيان واحد. في المقابل، وفيما اتخذت دولة الكويت سياسة ونهجا إنسانياً، تمثل في الاضطلاع بالمسؤولية الإنسانية تجاه ضحايا النزاع السوري من النازحين، وحمل لواء «المانحين» لمساعدتهم في مخيمات اللجوء، فإن تسريبات واتهامات من المعارضة السورية لدولة خليجية أخرى بأنها تسير عكس اتجاه السياسة الخليجية، بدعم نظام بشار في شكل سري، متحدثين عن تحويلات مالية ودعم سياسي له، رغم السياسة المعلنة بالتزام سياسة دول المجلس تجاه الملف، وهو ما يؤكد، وفق مراقبين، أن مجلس التعاون يعيش حالة من الضعف تهدد كيانه. ولعل التحالف الخليجي الذي حدث لنصرة الشرعية في اليمن، في وجه «الانقلاب الحوثي - العفاشي» الذي مضى عليه نحو سنة ونصف السنة، قد حافظ على الهيكل العام للمجلس وأعاد إليه انسجامه، رغم اتخاذ إحدى دوله كذلك سياسة الحياد والتوسط بين المتنازعين. اليوم، يبدو مجلس التعاون أمام أكبر اختبار يتعرض له منذ تأسيسه، كونه يواجه أمراً خطيراً يهدد إحدى دوله، ونقصد بإقرار الكونغرس الأميركي قانون «جاستا»، وهو قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب» الذي يمهد لذوي ضحايا اعتداء 11 سبتمبر 2001 بمحاكمة السعودية، حيث يتهمونها، ظلماً وبهتاناً، بأنها راعية للإرهاب، وأن منفذي تفجيرات مركزي التجارة العالمية جاءوا منها، وهو القانون الذي استخدم الرئيس باراك أوباما حق النقض «الفيتو» ضده، ولكن الكونغرس رد ذلك الفيتو بتصويت على تمريره بغالبية ساحقة، ما يؤكد أن هناك نوايا عدوانية تجاه المملكة من جهات أميركية تريد ابتزازها في أكبر ظاهرة عربدة يشهدها العالم، وهو ما يجعل دول مجلس التعاون في وضع حساس سيكشف مدى قوة العلاقات الخليجية - الخليجية، ومدى قوة تأثيرها العالمي، من خلال ردها على ذلك القانون، ليس بالتصريحات السياسية إدانة وشجباً، بل في تحرك حقيقي يبعث رسالة إلى الأميركيين أن السعودية ليست وحدها في وجه ابتزاز رخيص لن ينجح. وهو المطلوب حاليا، فليس هناك مجال للتراخي أو التخاذل عن نصرة المملكة، منعا لامتداد آثار هذا القانون العدواني وغير الأخلاقي على بقية دول الخليج، التي أصبحت على المحك بعد أن وصلت السكين إلى العظم، فيجب التحرك السريع وتنسيق السياسات الخليجية في اتجاه واحد، وعدم التأخر عن نصر الأشقاء، حتى لا يأتي يوم وتقول الدول الخليجية «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض». *** التحلطم الذي يكثر هذه الأيام، ويتناول فيه المتحلطمون اشاعة حل مجلس الامة خلال الشهر الجاري، أعتقد أنه وسيلة مكشوفة من بعض أعضاء المجلس في محاولات لكسب الشارع الانتخابي، مع بدء العد التنازلي لعمر المجلس الحالي. فليس هناك من داعٍ لحل المجلس الذي لن تجد الحكومة في تاريخها مجلس «أطوع» منه حقق لها كل أمانيها، وسهّل لها إقرار كل ما أرادته من قوانين وقرارات، فلماذا تحله؟ أقول للمروجين «اركدوا»، فالمجلس سيتم فصله التشريعي كاملاً بالدور المقبل، وبعدها ستعود الكلمة للشعب ليقول كلمته في من جلسوا على مقاعد قاعة عبدالله السالم 4 سنوات، ولم يحققوا له شيئاً! h.alasidan@hotmail.com Dr.alasidan@

مشاركة :