الاقتصاد في عالم اليوم يبنى على المعرفة، فلكي ينمو الاقتصاد لابد من تشجيع التكنولوجيا المبنية على المعرفة، التي تستلزم تعميق السعة الإنتاجية، وتسريع وتيرة الاختراعات والإنجازات في كل مجالات التقنية الجديدة، فضلاً عن استهداف زيادة الطبقة الوسطى لأنها تؤدي لرفع الطلب الكلي داخل الاقتصاد. إن الطبقة الوسطى في أي مجتمع من الأهمية بحيث تعكس عافية الاقتصاد رغم وجود خطأ في استيعاب علاقة الطبقة الوسطى بالعليا، إذ يفترض البعض أن نموّها ناتج من حجم إنفاق الطبقة العليا، بينما الطبقة العليا شريحة محدودة العدد، وبالتالي الاستهلاك، مما يجعل تأثيرها في الطبقة الوسطى ضعيفا، فهي شريحة لا تزيد عن 10%، وبالتالي استهلاكها من حجمها لا يؤدي لزيادة ثراء الطبقة الوسطى، بل العكس صحيح، لأن الطبقة الوسطى هي صاحبة الدور الحاسم في زيادة ثراء الطبقة العليا ومضاعفة حجم الاستهلاك وتميّزه، وما يهمّنا دورها في تشجيع الاقتصاد المبني على التكنولوجيا وبرامجها. إذ تُؤكِّد تجارب ما بعد الحرب العالمية أن الطبقة الوسطى تمددت وزاد ثراها، فانعكس ذلك على الطبقة العليا، بل وأضحى هناك تقارب -وإن استمر في التوازن- إلى أن جاءت فترة ريغان، ففعل سياسات اقتصادية أيدولوجية غيَّرت من المعادلة من حيث تقليص الأنظمة على المصارف الخاصة، وتخفيف الضرائب على الأثرياء، وإطلاق عقال السوق، فازداد الأثرياء ثراءً على حساب الطبقة الوسطى التي تآكلت، فجلبت سلسلة أزمات اقتصادية عالمية هزت قواعد الاقتصاد العالمي، وكانت تلك من ثمار سياسات ريغان وثاتشر، ومن المؤكد أنها أثَّرت سلباً في الاقتصاد المعرفي، لأنها جاءت بالأزمات ونشرت الفقر. إن الاقتصاد المعرفي والتكنولوجي يُبنى في الأساس على الاختراعات ورفع السعة الإنتاجية، ويصبح الاستنتاج بأن للدعم الحكومي لقطاع الأبحاث ودعم الواحات التكنولوجية بالجامعات دوراً أساسياً. وحيثُ إن المنشآت الصغيرة تعبير عن مبادرات العصاميين في المجال، فإن دعمهم يُولِّد منافع للاقتصاد، لأن منشآتهم تستوعب أفراد العائلة، ومع الزمن تنمو لتستوعب أكبر عدد من العاملين، مما يزيد السعة الإنتاجية، ويحدُّ من معدل البطالة في الاقتصاد، ولهذا أهمية توفير بنية للاقتصاد المعرفي في أهمية دور هذه المنشآت، فضلاً عن الفوائد للشركات الكبرى مثل أرامكو، التي حين تسعى لتطوير أبحاثها تلتفت لخارج المملكة، لعدم وجود بنية تحتية ومراكز بحث محلي، مما يستلزم التفكير فيها لتنهض بهذه الأدوار، وفق محاور رؤية 2030، مع تمكين المنشآت الصغيرة من الوصول إليها لمساعدتها فى رفع الطلب الكلي، وقد يستدعي الأمر تشجيع دور البنوك، أو بعدم استثمار الكثير من أموالها خارج اقتصاد المملكة، حتى ينعكس إيجاباً على تطوير واقع الاقتصاد المعرفي، ومنشآت الطبقة الوسطى.
مشاركة :