المواطنة ليست مجرد كلمة نرددها في المناسبات أو نفخر بشرفها أمام الآخرين، ولكنها مسؤولية والتزام، والانتماء للوطن لا يعني حقوقاً ومكتسبات فحسب، بل أيضاً واجبات وعطاء وفداء وتضحيات قد تصل في أسمى درجاتها تقديم الروح والدم دفاعاً عن الوطن وكرامته وعزته. عبر التأريخ وفي كل الأزمنة والحضارات كان الناس يدافعون عن أوطانهم بالغالي والنفيس، وكم من شعوب صبرت وكابدت ظروفاً صعبة للنهوض بأوطانها، فالصين التي كانت تعاني الفقر والعوز تبرز اليوم كقوة اقتصادية عظمى والدول التي خرجت مدمرة من تحت ركام الحرب العالمية الثانية تتصدر اليوم القوى الصناعية في العالم. ونحن في هذا البلد المعطاء نذكر تاريخنا وكفاح الآباء والأجداد الذين أسسوا هذا الوطن العزيز في ظل إمكانات شحيحة، لكنهم تغلبوا على الصعوبات بالصبر وقوة الإرادة حتى أفاء الله علينا من خيرات باطن الأرض ذهباً أسودَ أحسن ولاة أمرنا استثماره بناءً وتنمية ونهضة حضارية كبرى نقلت مجتمعنا إلى آفاق الرخاء والتقدم، وعبر مسيرة التنمية خلال نصف القرن الماضي مرت بنا ظروف اقتصادية تفاوتت بين الرخاء المفرط والظروف التي اقتضت ربط الأحزمة وتقليل الإنفاق وترشيد المنصرفات كما حدث إبان أزمة احتلال الشقيقة الكويت وحرب تحريرها، يومها لم يتردد الملك فهد - رحمه الله - في أن يواجه شعبه بحقائق الوضع الاقتصادي؛ وقال بالحرف الواحد إن تلك الأزمة «أكلت الأخضر واليابس»، لكننا لم نجزع ولم نرتبك وتجاوزنا تداعيات الأزمة بسرعة قياسية واستعاد اقتصادنا بزخم نموه وازدهاره. اليوم تواجه بلادنا وكل الدول التي تعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل القومي أزمة أسبابها معروفة ومبرراتها واضحة، فقد تضافرت عوامل كثيرة أدت إلى انخفاض أسعار البترول بأكثر من 50 ٪ وتزامن هذا الانخفاض مع أزمات وتطورات سياسية وإستراتيجية فرضت علينا أعباء كثيرة دفاعاً عن أمن بلادنا واستقرارها، وكل هذه المعطيات معروفة للقاصي والداني، فالشعب السعودي اليوم منفتح على كل الوسائط الإعلامية والمعرفية، ولذلك لم يكن مستغرباً تجاوبه الواضح مع كل الخطط والإستراتيجيات والإجراءات التي اتخذتها قيادته الرشيدة للتكيف مع متطلبات هذه المرحلة سواء على صعيد التصدي للمهددات الأمنية والإستراتيجية أو على صعيد التخطيط الاقتصادي ممثلاً في طرح رؤية المملكة 2030م وبرنامج التحول الاقتصادي 2030م. إن الأوامر الملكية السامية وقرارات مجلس الوزراء التي صدرت الإثنين الماضي هي جزء من معالجات الترشيد وضبط المنصرفات لمواجهة تداعيات هذه الأزمة الاقتصادية التي بات العالم كله يعاني من آثارها، وإذا حسبنا مجمل فاتورة هذه الإصلاحات فإننا سنجد أنها لا تؤثر تأثيراً حقيقياً على مستوى معيشة المواطن السعودي ولا على الدعم الهائل الذي تقدمه له الدولة في مختلف جوانب حياته من احتياجات المعيشة والتعليم والعلاج المجاني وتسهيلات القروض والمنح ودعم السلع الضرورية وغير ذلك كثير، وكون إجراءات الترشيد قد شملت الوزراء وأعضاء مجلس الشورى ينطوي على رسالة مهمة مفادها أن الدولة من أعلى مستوياتها يجب أن تكون القدوة والمثل في الاستجابة لنداء الواجب الوطني. إن هذا الوطن الذي منحنا العزة والكرامة والاستقرار والنهضة والرخاء يستحق منا كل التضحيات لمواجهة هذه الظروف الاقتصادية الطارئة، وهو جدير بأن نكون أوفياء لشرف الانتماء لترابه الطاهر.
مشاركة :