زايد حاشد الكناني شاعر يحبس شمس الكلمات في يمناه ثم يطلقها في فضاءات أبها غيماً ونغماً، يتنافس على قلبه الشعر والموسيقى ولا ينتصر منهما أحد على الغلبة في الحضور. كان لنا معه هذا الحوار: ,, الشاعر زايد حاشد شاعر لا يغريه وهج الحضور فيترك قصائده معلقة على مشجب الانتظار حتى ينهيها أو ينشرها للجمهور. ما صحة هذه التهمة؟ - قبل كل شيء شكراً لك ولمجلة اليمامة العريقة على هذه الاستضافة. الحضور نشوة موازية للإبداع.. لكنه يتشكل حسب ما يراه المبدع، أحياناً يأخذ طابعاً مباشراً من خلال المشاركات الرسمية وهذا الشكل أنفر منه أو لا يناسب شخصيتي لأنني أفقد فيه تلقائية زايد. وهناك شكل آخر «ما ورائي» أو غير مباشر أميل إليه وأشعر معه بتدفق وجداني لا تستهلكه الأضواء! ,, «اللحظات التي تشعلني قليلة جداً»... هكذا برر زايد حاشد في لقاء مسجل له سبب قلة منتجه الشعري. هل على الشاعر أن ينتظر اللحظة أن تشعله أم عليه أن يبادر هو بإشعال الحرائق في الوقت والأماكن؟ - عدا قصائد المناسبات التي أجبر فيها على الكتابة في الغالب أنا لست مشغولاً بافتعال لحظة الاتقاد الشعري، لدي نهر صغير من التجربة يجري بي في مساربه وأرجو أن يوصلني إلى محيطات الخلود يوما دون افتعال التجديف! ,, اعتمادك على الرمز في نصوصك الشعرية هل يخلق لك مساحة من الانطلاق في فضاء الشعر أم هو مجرد رمز يوضع في سياق طارئ وينتهي بانتهاء النص؟ - الرمز حالة تفسد الشعر إن لم يوظف بشاعرية «هذا رأيي» وهو بلا شك يفتح الأفق أمام الدلالة، لكنه إن فشل في وظيفته يتحول إلى إبهار لغوي لا معنى له! ما زلت أحاول الحفاظ على شاعرية الرمز وأرجو أن أوفق في ذلك. ثنائية الظل والشمس ,, ثنائية الظل والشمس تتكرر في كثير من قصائدك الأخيرة خاصة تلك القصيرة، ألا تخشى أن يصبح التكرار رتابة وأن يمحو الظل شمسه ذات سطوة؟ - التكرار والرتابة عدوا الإبداع، لأن الإبداع حالة ميلاد جديد مع كل إشراقة شمس وتشكل ظل، لذلك أزعم أن الشمس والظل في نصوصي تشبه الإشراق الذي يمد الشمس والظلال كل يوم بمعان جديدة، وكما أن النهر لا يمر مرتين فالشمس أيضاً لا تمر به مرتين!! وكل من الشمس والظل يحتفي بمعنى وجوده وجماله في الآخر! ,, يقال إنه لا بد للشاعر من وجود ملهمة تلهب خيال قصائده. ما المسافة بين تلك الملهمة وبين واقع الشاعر، وهل لو تلاشت بينهما المسافة انتهى الدور الذي خلقها الشاعر من أجله وبدأ البحث عن أخرى؟ - الإلهام للمبدع هو عصاه التي يتوكأ عليها فبلا إلهام تطغى الصنعة على الطبع، ولكن حكاية الملهمة في الشعر بكامل حمولتها الكلاسيكية تكاد تندثر في مدارس الشعر المعاصر أو أنها تستتر خلف تكثيف الحالة الرمزية التي ربما تحيل الملهمة من شريك في الوجدان إلى لعبة شعرية يمكن الاستعاضة عنها بأخريات!! ,, للعرب قول مأثور: «أصدق الشعر أكذبه». هل علينا أن نصدق الشعراء؟ أم علينا أن نمر على قصائدهم سريعاً حتى لا يعلق بنا شيء من غوايتها؟ - الشعراء «بشر ممن خلق» يملكون خيالاً متجاوزاً للسائد والمألوف، وهم وفق استقراءات ودراسات تاريخية لديهم ما لدى بقية الناس من خلل إنساني طارئ أو دائم في النفس الإنسانية منهم الكاذب ومنهم المراوغ... إلخ ومنهم عكس ذلك. لكن إسقاط هذه الحالات الإنسانية على ما يقولونه ليس دقيقاً ولا منصفاً. ويبقى الشاعر والمتلقي في تحول لا ثبات فيه وهذه حكاية الإبداع باختصار! صوت زايد همّش شاعريته ,, يتهم المقربون من زايد الموسيقي في بعده عن الانشغال بنتاجه الأدبي. من سرق الآخر أنت أم الموسيقى؟ وماذا تشكل الموسيقى في حياتك كإنسان وشاعر وعاشق؟ - أريد أن أعترف لك بأن الموسيقى أكثر غواية من الشعر بالنسبة لي بالذات، وإن كان تعلم العزف «المكتسب» جاء متأخراً كثيراً عن الشعر «الموهبة»، إضافة إلى أن ما أراه في الموسيقى من البراءة من الأيديولوجيا خلافاً للشعر هو الذي قدم الموسيقى في وجداني على سواها لأنها أصدق في التعبير عن الإنسان شاعراً وعاشقاً! ,, لك تجارب يشهد لها بالتفرد في إلقاء قصائدك وقصائد لكبار الشعراء العرب. إلى أي مدى يمكن زايد أن يستغل خامة الصوت الرخيم الذي يملكه في تجربته الشعرية الخاصة وتجاب الآخرين؟ - سأكون أكثر صراحة في الإجابة هنا وأقول: إنني عانيت من هذا الأمر بالقدر الذي أضافه إليّ، وذلك أن المتلقي - حتى النخبوي - همش زايد «الشاعر» وكرس زايد «الصوت»، إضافة إلى طغيان شخصية الشعراء الكبار الذين نشرت قصائدهم بصوتي على حضوري الشعري، وفك الارتباط يحتاج مني إلى جهد كبير في بناء الذات الشعرية ولذلك توقفت عن نشر قصائد الآخرين. تقاسيم زامر الحي لا تطرب! ,, أبها في وجدان الشاعر زايد حاشد كيف حفرت مكانها وشكلت وعيه ولامست مواطن الجمال في روحه؟ - أبها في وجدان من عرفها وجه مكتمل الملامح للحياة، شعراً وحباً وغناء وحكايات، منحتني ما أنا فيه من محبة وسلام واستقبال للبهجة، أتحدث هنا عن أبها البريئة التي عرفتها طفلاً وليست أبها المستلبة الآن باسم التدين الزائف حيناً وباسم التطوير والتنمية أحياناً! ,, ديوانك الشعري الأول والوحيد صدر قبل أكثر من 14 عاماً من الآن؟ لماذا كل هذا الوقت حتى موعد عملك الموعود القادم؟ وهل سنشهد فيه تجربة مختلفة عما كانت في هذا الإصدار؟ - أعترف بأن 14 عاماً زمن طويل ولن أبرر هذا الغياب، لكنني بصدد ترتيب مجموعتين شعريتين إحداهما تمثل تجربة خاصة آمل أن تنال استحسانكم. ,, تقول في إحدى قصائدك: «إن الحياة بلا يقين رحلة من غير قصد». ما اليقين الذي يعيش عليه زايد في هذا الوقت؟ - اليقين عندي هو النقطة الأعمق والأصدق في الإيمان وهي التي تصنع من معتنقها إنساناً محباً للوجود ومتناغماً معه وتضيف قيماً أجمل لما بعد الحياة. ,, أخيراً: بظنك هل ما زالت تقاسيم زامر الحي لا تُطرب؟ - نعم؛ إلا قليلاً!
مشاركة :