رأى مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان أن «لبنان يمر بمرحلة حساسة ومصيرية، يسودها شيء من التفاؤل، ولا يمكن أن تستمر الحال كما هي، فالمشاورات والاتصالات التي أجراها ويجريها الرئيس سعد الحريري، هي فأل خير، ونأمل في أن تثمر جولاته انفراجات في شتى الميادين، وفي طليعتها انتخاب رئيس للجمهورية، ونتمنى على القيادات الوطنية، دعم هذه الجهود التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن، من تسوية وتوافق واتفاق، تنهي أزمة انتخاب رئيس، ليتم الانتخاب اليوم قبل الغد، لأن الوطن لا يحتمل مزيداً من الانتظار والتأخير»، وسأل: «لماذا يمضي عامان ونصف العام، ولا رئيس للدولة، ولا عمل للمجلس النيابي، والحكومة تتعطل؟ ويقال لنا إن التصعيد قادم، فلماذا هذا كله؟ ولماذا هذا الاستنفار للعصبيات والطائفيات، وسائر أنواع الكراهية؟ وأين هم النواب المنتخبون؟ ولماذا لا يأتون إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس؟ أتريدون أن تصبح الحال في لبنان مثل الحال في بعض دول المنطقة؟ ولأي هدف وغاية؟». وحذر «من أي خطوة تزيد في تفتيت البناء اللبناني، بل يجب العمل معاً من أجل وحدة الشعب، والسعي جاهدين لحلحلة القضايا المعقدة، لكي لا تنعكس آثارها السياسية على الشارع، الذي لا يحتمل أي خلل أمني أو اقتصادي، فالشعب بانتظار كلمة الفصل، التي تزف بشرى الوصول إلى حلول، وإلا سلام على لبنان». وجّه المفتي دريان رسالة لمناسبة أول أيام السنة الهجرية الجديدة قال فيها: «تحل علينا ذكرى الهجرة النبوية هذا العام، كما في الأعوام القليلة السابقة، وأمتنا غارقة في الدماء والدموع. إن ما يحدث في بلدان عربية، من حصار وقتل وتجويع، للإرغام على ترك الأرض والوطن، هو تهجير يأباه الحق وتأباه المواطنة، وتأباه إنسانية الإنسان. إن الإخراج من الديار، هو العمل الشائن الذي فعله ويفعله الصهاينة في فلسطين، ولا ينبغي أن يتكرر في ديارنا، وعلى ديارنا في سورية والعراق، وغيرهما. إننا بذلك نخرب بيوتنا بأيدينا، ونسلط الدول الكبرى والأخرى في الإقليم، على مصائرنا ونفوسنا وحيوات أطفالنا. إذ كيف يصير الإنسان في بعض بلداننا العربية، مخيراً بين التجويع والقتل من جهة، أو التهجير من جهة أخرى. إن ما يحدث في حلب الآن، وحدث ويحدث في عشرات المدن والبلدات، أمور يأباها العقل والدين والضمير، وإنسانية الإنسان». وأضاف: «ينبغي أن تكون هناك مقاييس دينية ووطنية وقومية وإنسانية، للتعامل بين المواطنين، ولا أقل من أن ننكر أشد الإنكار القتل والتهجير. في عاشوراء انتصر الدم على السيف، وفي سورية وغيرها، سينتصر الدم المسفوك، والطفل البريء المقتول، على الذين قتلوه بالطائرات والمدافع، والحصار والتجويع». وتوجه دريان الى المسؤولين اللبنانيين قائلا: «يا ساسة لبنان، كفى، جميعكم يريد حلاً على طريقته، فلتوحد الرؤى، فلا يجوز بعد اليوم السكوت والتهاون بمصير الوطن. الجميع مسؤول، وإلا كلنا مشاركون في احتكار الوطنية كما يراها كل واحد منكم، علينا أن نكون أحراراً في خياراتنا وقراراتنا التي توافق مصلحة الوطن. إننا نؤكد ضرورة الوعي الكامل، كي لا ينزلق لبنان واللبنانيون في صراعات داخلية، تعود بالخراب على وطنهم. ونعرب عن قلقنا من جراء تعطيل اجتماعات مجلس الوزراء، وتعليق هيئة الحوار الوطني، فالحكومة مدعوة للانعقاد مهما كان السبب، والحوار الوطني، ينبغي أن يعاود جلساته تحت أي ظرف». وإذ أكد «أننا أمام معركة احتواء لما يجري على الساحة اللبنانية، من توحيد الصف، ولم الشمل، وليس توجيه الاتهامات يساراً ويميناً بعضنا باتجاه بعض»، قال: «علينا أن نسعى جميعاً لأن نكون يداً واحدة، مهما اختلفت توجهاتنا، فلبنان يستحق منا كل تضحية من أجل بقائه، ومن أجل أبنائه. ويستحق أن نحميه من العاصفة التي قد تجتاح كل شيء في المنطقة، إذا لم نكن يقظين، وعلى قدر المسؤولية التي ألزمنا في أعناقنا. فقد بدأ فقراؤنا يئنون تحت وطأة العوز والحاجة، ويوشك العالم أن يعرض عنا، ونعلن دولة فاشلة». الراعي: كيف يقبل مرشح ذو كرامة تعريته بفرض سلة شروط غير دستورية؟ سأل البطريرك الماروني بشارة الراعي: «كيف يقبل أي مرشح للرئاسة الأولى، ذي كرامة وإدراك لمسؤولياته، أن يعرى من مسؤولياته الدستورية، بفرض سلة شروط عليه غير دستورية، وأن يحكم كأداة صماء؟ هذا اذا ما كان الأمر للمماطلة بانتظار الوحي وكلمة السر من الخارج»، مضيفاً: «مع تقديرنا الكامل وتشجيعنا للجهود الساعية الى انتخاب رئيس للجمهورية، والتي نرجو لها النجاح في أسرع وقت ممكن، يتكلمون عن سلة تفاهم كشرط وممر لانتخاب رئيس. هل هذه السلة تحل محل الدستور والميثاق الوطني؟ ان التقيد بالدستور، حرفاً وروحاً، وبالميثاق يغنيان عن هذه السلة. فإن كان لا بد منها فينبغي أن يوضع فيها أمر واحد هو: التزام جميع الكتل السياسية والنيابية بتأمين المصلحة الوطنية المشتركة العليا. اما المواضيع الأخرى التي يريدون وضعها في «السلة»، ومن دون جدوى، فلا يمكن ان تطرح وتحل وتنتظم إلا بوجود رئيس الجمهورية». وكان الراعي ترأس قداس الأحد في بكركي، وألقى عظة قال فيها: «لا تصدقوهم. بهذا الإنذار، يدعونا الله الى الوعي والانتباه وعدم الانزلاق وراء المضللين بالكلام او بالأعمال او بالمسلك او بالترويج الإعلامي او بالتضليل الايديولوجي او بنشر ثقافة مغايرة للمبادئ والثوابت والتقاليد من أجل زعزعة المجتمع والدولة، وإفساد الأخلاق التي عليها تقوم الأمم». وأضاف: «في هذا السياق أصدرت البطريركية ثلاث وثائق تدعو الجماعة السياسية الى الاستنارة بها، لكونها تشكل خريطة طريق بما تحتوي عليه من ثوابت ومبادئ. وهي: شرعة العمل السياسي، والمذكرة الوطنية، والمذكرة الاقتصادية. فمن بعدما رحبت بها الجماعة السياسية، نراها اليوم، وبكل أسف، تهملها بكليتها. فالعمل السياسي أصبح عندنا اليوم خروجاً عن غايته التي هي تأمين الخير العام لجميع المواطنين، ومخالفة فاضحة للدستور والميثاق الوطني بعدم انتخاب رئيس منذ سنتين وأربعة أشهر، وبتعطيل العمل التشريعي في المجلس النيابي وبشل السلطة الإجرائية في الحكومة، كما أصبح سبباً مباشراً لضرب القطاعات الاقتصادية: الزراعة والصناعة والسياحة والتجارة والصحة والمال، ولإفقار الشعب وتهجيره من وطنه. ألسنا نسمع كل يوم صرخة المواطنيين، وما من مجيب؟». وتابع: «لقد دعونا وندعو الى التقيد بالدستور والميثاق الوطني وصيغته التطبيقية، من أجل الالتزام ببناء الدولة العادلة والقادرة والمنتجة، مع ما يقتضي هذا الالتزام من واجبات، بيناها في المذكرة الوطنية. فالدولة العادلة والقادرة والمنتجة تشكل المساحة المشتركة لالتقاء اللبنانيين، وتوطيد الوحدة الداخلية المحرِرة من الرهانات على الخارج، والمحصنة ضد التدخل الخارجي، والضامنة للوحدة الوطنية في التنوع. الدولة العادلة والقادرة والمنتجة تقضي على المنحى الهدام الذي نشهره عندنا اليوم، وهو ممارسة سياسة تجنح الى المحاصصة ودوائر النفوذ، فالى الصراع على تنازع السلطة على حساب الميثاق، وتعطيل الدستور لمصلحة صراع القوي، والتفرد والتعنت والطمع في السلطة، وشل الدولة جراء لعبة تجاذبات المحاور الخارجية».
مشاركة :