منذ أحداث 11 سبتمبر والإعلام الأميركي الرصين والفضائحي يوجه التهم إلى المملكة بأن لها علاقة بتلك الهجمات الإرهابية، ولعبت مراكز الأبحاث الأميركية ومعها الإعلام الأميركي حرباً نفسية ضد المملكة، تزيد الوتيرة بحسب الظروف السياسية في الشرق الأوسط وموقف المملكة منها، سواء أكان بالاتفاق أم الاختلاف مع واشنطن منها، إلا أن تلك المراكز وعلى مدى الـ15 الماضية لا تنقطع عن نشر الدراسات والاستطلاعات عن المملكة في القضايا الداخلية كافة، وترجمت تلك الأبحاث إلى اللغة العربية ونُشرت في مواقع تابعة للأجهزة الأميركية أو مرتبطة معها، ودخلنا في حال من الحرب النفسية مع واشنطن، وأصبحنا في موقف الدفاع بدلاً من الحركة الفعالة على الساحة الأميركية. أعتقد أن هناك سببين لانتقال اتهام المملكة من الإعلام إلى المؤسسات الرسمية، بداية من قصة «الـ28 ورقة» في تقرير الكونغرس عن أحداث سبتمبر، والتي لم يكن فيها ما يدين المملكة عندما تم الكشف عنها، ولكنها استخدمت ورقة للضغط والمساومة والتمهيد لمشروع قانون «جاستا»، الذي أقره مجلس الشيوخ الأميركي، وكان البعض منا يعول على استخدام الرئيس لحق الـ«فيتو»، الذي تم بالفعل لكنه لم يغير في النتيجة النهائية لمشروع القانون بعد نقض الكونغرس بمجلسيه لـ«الفيتو» الرئاسي، وأصبحنا اليوم أمام قانون وبدأ تفعيله بأول قضية ترفع على المملكة هذا الأسبوع. هذا القانون وما مر به في أميركا هو لعبة انتخابية بامتياز في المقام الأول، وذلك لكسب المؤيدين للمرشحين الديموقراطي والجمهوري، واللذين أيدا هذا القانون في أكثر من تصريح في حملتهما الانتخابية، أما من ناحية الإدارة الأميركية ممثلة بالرئيس أوباما فصحيح أنه استخدم حقه الدستوري في النقض، ولكن عند عودة مشروع القرار إلى الكونغرس لم تقم الإدارة بأي جهد ومناقشة له في المجلسين، وهو الـ«فيتو» الوحيد الذي نقضه الكونغرس للرئيس أوباما في فترة حكمه الممتدة لثماني سنوات. بعضنا يرى أن التعديلات الأخيرة على القانون أفرغته من مضمونه وصعبت واقعية رفع قضايا على دول في المحاكم الأميركية، وأنه في حال تطبيقه بصيغته الأولى سينسف مبدأ سيادة الدول، وهو من المبادئ المهمة التي قامت عليها الأمم المتحدة، وأن مثل هذه القوانين ستخلق حالاً من الفوضى في العلاقات الدولية. باعتقادي أن هذا التشريع للأسف هو موجه، وسيستخدم للضغط والابتزاز السياسي ضد المملكة وبعض الدول العربية، ومنها مصر، لتحقيق أهداف سياسية تتوافق مع المصالح الأميركية. كلنا يعرف أنه بعد دخولنا في مرحلة الربيع العربي وقفت المملكة ضد بعض فصائل الإسلام السياسي، خصوصاً تنظيم الإخوان المسلمين، وهذا يبدو أنه ليس توجه الإدارة الأميركية التي تراهن على هذا التنظيم الذي تراه معتدلاً وسيسحب البساط من التنظيمات الراديكالية في المنطقة، وهذا اعتقاد خاطئ، فكلنا يعرف أن معظم التنظيمات الإرهابية خرجت من تنظيم الإخوان. من ناحية اقتصادية يبدو أن اعتماد أميركا على نفط الشرق الأوسط تغير بظهور بدائل أخرى للنفط التقليدي، وهذا كان له انعكاس على تبدل في السياسة الخارجية الأميركية بالشرق الأوسط، وأصبحت الإدارة الأميركية ترى إيران هي الشريك المستقبلي لها في المنطقة، ما دفع ببعض الدول العربية ومنها المملكة إلى تغيير تحالفاتها الدولية مع قوي آخر، مثل روسيا والصين. من جانبنا علينا عدم الخوف من هذه الهجمة النفسية الموجهة ضدنا، ولكن علينا الإقرار أن أداءنا الديبلوماسي والإعلامي في الفترة الماضية ومنذ وقوع هذه الأحداث كان ضعيفاً جداً في دولة مفتوحة تسمح بالتحرك، وعلينا تفعيل ديبلوماسيتنا الرسمية والشعبية وعدم الركون إلى شركات العلاقات العامة هناك، فأبناء الوطن مؤهلون للقيام بهذه المهمات، وهم كثر، فقط أعطوهم المساحة ولن يخذلونا، حتى لا نكون عرضة للابتزاز من الحكومة الأميركية وشركات المحاماة والإعلام، في حال وجود عدم اتفاق على قضايا إقليمية تعني لنا الكثير. نقلا عن الحياة
مشاركة :