الصوم في القرية له نكهة مميزة يصعب وصفها، هي أشبه بأن تصف لبائع العطور رائحة عطرك المفضّل، وإن كان صيام (البدو) يجعلك تتعرّف على الإنسان أكثر، فإن للصيام في القرية (روحاً) لا تُنسى، أبرز التغيرات أن تلاحم بيوت القرية لم يجعل فرصة (للفتى البدوي) أن يراقب غروب الشمس ليخبر والده ليؤذن بالعائلة معلناً وقت الفطور، لكن هذا لم يمنعه أن يقف على الباب الخارجي ليستمع لصوت الأذان من العم (سليمان المثيب) رحمه الله، وما أن يسمع الصوت حتى ينطلق مردداً: (يُبه أذَن)، ورغم أن صوت الأذان يُسمع بوضوح من داخل البيت لكن هذه (اللعبة) أعجبت الصبي، ولم يشأ الأب أن يفسدها على الابن، بل إنه يذكره أحياناً بالذهاب إلى الباب لسماع الأذان! من أبرز مظاهر الصوم بالقرية هو الفطور الجماعي أو «الدوريّة»، حيث يفطر أهل القرية كل يوم عند أحدهم، ولك أن تتخيّل كيف تجتمع قرية في بيت واحد من قُبيل أذان المغرب حتّى يدعوهم (العم سليمان) لصلاة العشاء والتراويح في صوته الفطري الجميل الذي لم تقتله المقامات ولكنات البنقال! يوم القرية الرمضاني يبدأ كالعادة صباحاً ويتوقف عند (تشغيل الكهرباء) في الساعة الحادية عشرة والنصف تقريباً حتى الرابعة عصراً حيث يتوقف الكهرباء (المحلي) فيعود الناس لأعمالهم، وهذه عادة جميلة حاولت شركة الكهرباء تطبيقها في الوقت الحاضر ولم يتبق على نجاحها إلا ألا تختار (القايلة) وقتاً للتوقف، وإنصافاً لشركة الكهرباء فقد كان (الماطور) سابقاً يتوقف أحياناً بشكل مفاجئ ، لكن كانت الحلول موجودة، فكل ما يلزم عند انطفاء الكهرباء أن يأخذ الرجال (شراشفهم) بعد أن يبللوها بالماء ويتوجهوا لأقرب شجرة شاغرة ليكملوا قيلولتهم، أما النساء فلا أنسب من الخروج من الُغرف والارتماء (بالليوان) حتى صلاة العصر! من الأشياء الجميلة في القرية منظر العجائز وهن يتأبطن «سجاجيد الصلاة» متجهات لأداء التراويح قبل الأذان، أما الشباب فإنهم يأتون بالركعتين الأخيرتين، ويرفعون أصواتهم بالتسبيح والاستغفار حتى يتأكدوا أن الوالد التفت وتأكد من وجودهم، وفي الغالب لا يعفيهم هذا من التحقيق لأن كبار السن شمّوا رائحة (تتن) مع مُصل أتى متأخراً!
مشاركة :