هل أدّت تفاهمات حقيقية وجدّية بين أطراف النزاع اللبناني إلى انتهاء أزمة تشكيل حكومة تمام سلام؟

  • 3/3/2014
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

د. بهاء أبو كرّوم لا بد من مُلاحظة أن ما كان مستحيلا لفترة 11 شهرا أصبح مُتاحا الآن، أعني بذلك تأليف الحكومة اللبنانية على قواعد سياسية وبمشاركة من معظم الأطراف الأساسية في لبنان. هذا الأمر يشكل تعبيرا عن تحوّلات حصلت وعن توازنات جديدة نشأت في لبنان والمنطقة، لكن في المحصّلة فإن هناك تفاهمات جرت بين الأطراف اللبنانيين وأدت إلى تشكيل الحكومة. النقاش هو حول مدى جدية وعمق هذه التفاهمات التي أعتقد أنها لا تزال مرحليّة، ولا ترقى إلى حد التفاهم على كل الأمور الخلافية، التي ربّما ستناقشها طاولة الحوار الوطني لاحقا. من المُهم التذكير بأن المبادرة التي انطلقت من خلال تفاهم جرى بين رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي كانت نتيجة بلوغ الأزمة السياسية حدا كاد يهدد الاستقرار الداخلي ويُدخل البلاد في أزمة دستورية كبيرة. ولقد جرى التنازل عن قضايا كانت تحول دون تشكيل الحكومة لفترة طويلة. فحزب الله تنازل عن مطلبه بنيل الثلث المعطِّل، و«تيار المستقبل» تنازل عن رفضه الجلوس مع حزب الله في حكومة واحدة، وبالتوازي مع ذلك جرى نقاش سياسي تطرّق إلى قضايا مثل مسألة المداورة في الوزارات وإلى إمكانية تجاوز العُقَد التي تقف أمام صوغ البيان الوزاري ونيل الحكومة الثقة في المجلس النيابي. من خلال مواكبتنا هذا النقاش كنا دائما نلمس جدّية عند الأفرقاء، وكنا على يقين بأن الجميع يتهيّب حجم التحديات، ولا يريد الدخول في أزمة دستورية أو مواجهة سياسية جديدة تهدد وحدة البلاد وتضرب العلاقات بين الطوائف اللبنانية، خاصة في ظل التهديد الأمني الكبير الذي طرأ أخيرا، وبروز ظاهرة العمليات الانتحارية التي ترفضها كل الطوائف والمرجعيات. خلال السنوات السابقة كنا في حالة قطيعة تامة بين الأطراف، اليوم هناك تواصل مباشر وحرص على حماية الاستقرار الداخلي، إضافة إلى ذلك فإن هناك تفاهمات ولقاءات حصلت بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» أدت إلى تبديد كثير من العُقد والعقبات أمام تشكيل الحكومة. وهناك أيضا «وثيقة بكركي» التي شكّلت محورا لمواقف مؤيدة لها ولمضمونها الذي يؤكد على دور الدولة ومرجعيتها في مختلف الأمور، ويحدد شروط الحفاظ على السيادة وحياد لبنان تجاه الأحداث في سوريا وحصول الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها وحماية «اتفاق الطائف». ليس من المبالغة القول إن هناك مستجدّات طرأت على برامج القوى والأحزاب المختلفة، ودفعت حزب الله إلى إعلاء شأن الشراكة الداخلية. فالتفجيرات الأخيرة لا يمكن مواجهتها بالأمن الذاتي الذي حاول حزب الله تطبيقه في بعض مناطقه ولم يوصل إلى نتيجة، ولا بمواجهة من طرف واحد في داخل لبنان أو خارجه، ولا فقط من خلال مقاربة أمنية أو ملاحقات تقوم بها الأجهزة الأمنية. المواجهة لا بد أن تكون وطنية شاملة تلتقي من حولها كل الأطراف وتتحصن عبرها القوى الأمنية بغطاء سياسي واحتضان القيادات الرئيسة في البلاد. وهذا ما حدا بالرئيس سعد الحريري لاتخاذ قراره بالمشاركة السياسية مع حزب الله وفصل مسألة المحاكمة الدولية لعناصره عن موضوع تشكيل الحكومة، ثم إعلانه رفض التطرف وإصراره على نهج الاعتدال وتغطية القوى الأمنية في عملها لمكافحة ظاهرة التفجيرات. لكن كل ذلك لا يلغي القدرة التي برزت عند اللبنانيين على اقتناص اللحظة الإقليمية والدولية لإنجاز تسوية داخلية أدت إلى تشكيل الحكومة. وقد تكون هذه التسوية مؤقّتة أو مرحلية، لكنها بالطبع كانت ضرورية ومهمة وانتشلت البلاد من إمكانية الانجرار إلى حرب داخلية. وهي أتت لتؤكد قدرة لبنان على إدارة شؤونه الداخلية بنفسه من دون وصايات أو تدخلات خارجية. وقد يكون الأمر لافتا إذا ما نظرنا إلى فشل مفاوضات «جنيف 2» وذهاب الأمور في سوريا نحو مزيد من التصعيد وبروز أزمات جديدة على الساحة الدولية، في وقت ينجح فيه لبنان في إخراج نفسه من دائرة التجاذبات تلك. لقد جرى احتضان إقليمي ودولي للجهود التي أطلقها وليد جنبلاط، الذي كان حريصا على إيجاد شبكة أمان إقليمية، فتحدّث إلى عدد من المسؤولين العرب والإيرانيين، كما التقى وهاتف مسؤولين أوروبيين ودوليين ولمس حرصا من هؤلاء جميعا على حماية الاستقرار اللبناني وضمان ألا ينجرّ إلى الفتنة الداخلية. في الخلاصة، لقد ظهرت استنتاجات كثيرة نتيجة ما حصل في لبنان أخيرا، فمراهنة البعض على الاستئثار بالسلطة لا تضمن قدرة على إدارة البلاد، ورهان البعض على قضايا تتخطى وتتجاوز التفاهمات الداخلية لا تؤدي إلى نتيجة هي الأخرى. فلا يمكن أن يجد اللبنانيون مصلحتهم في الخارج، وهم إذا غرّدوا خارج سربهم الوطني في لحظة من اللحظات فإنهم سيجدون أنفسهم في مواجهة داخلية لا يقوون عليها وحدهم. في لبنان الكُلّ بحاجة للكُلّ، ومنطق التلاقي ينتصر على منطق الافتراق، وما جرى يفتح الباب أمام رجَحان كفة الأولويات الداخلية للأطراف اللبنانيين على كفة الأجندات الخارجية ذات الكلفة الباهظة. * باحث وعضو مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني

مشاركة :