نظام الترقيات الحكومي، لا بأس أن تُنحى المصلحة جانبا في سبيل أن يُرقّى شخص فاشل أو محبط، بحجة أن الله قسم له تلك الترقية، وأن قَدَرَ الوظيفة أن يتقلدها مَن لا تتواءم كفاءاته مع أبسط متطلباتها "الجدارة"، وأصبح قَدَر الأداء والإنجاز أن يبقى على الوتيرة نفسها في مغبة التخلف والجمود. في نظام الترقيات، لا غضاضة في أن يتساوى الموظف المجتهد المبدع مع زميله الكسول المحبط، وإذا جاءت ساعة المكافآت والترقيات بحثوا عن المعايير الشخصية، والتي ربما يتساوون جميعهم فيها، فيقتصر التقييم على الغياب والحضور ودرجة محبة زملائه ورئيسه له، ضاربين بالأداء الكمي والنوعي والإنجازات والتحسين والإبداعات في العمل عرض الحائط. في نظام الترقيات، لا فرق بين ذلك الموظف الذي يصرف من جهده ووقته وماله على نفسه في تطويرها، فتراه يقتنص الفرص لحضور المؤتمرات والمحاضرات والدورات الخاصة، سواء في مجاله أو في المجالات التي يرى أنها تخدمه لإبراز نفسه عن زملائه، بما يعكسه من آثار إيجابية على نفسه وعلى زملائه وعلى بيئة العمل. لا فرق بين كل من يفعل ذلك وبين من يعلم يقينا أن ما يفعله زميله "المثابر" ليس إلا نفخا في قربة مشقوقة. في نظام الترقيات، يعدّ التقييم الوظيفي للسنوات الأخيرة بمثابة صك الإعسار والورقة الرابحة للمرشح للترقية، ومن لا يعرف ورقة التقييم الوظيفي، فهي جرة قلم على ورقة من الكرتون المقوى، فيها معايير تقييم سطحية، يدون فيها الرئيس المباشر ما علق في ذاكرته طوال عام كامل عن موظفه في مدة لا تتجاوز الدقائق الخمس. يؤسفني أن أقول، إني أتحدث عن نظام الترقيات الحكومي للمراتب الدنيا، من المرتبة العاشرة فأقل، والتي تعدّ محطات الفرز "الحرج" للمناصب القيادية. يعتقد النظام أنه بضوابط الفرز تلك قد حقق العدالة بين الموظفين، أما الوظيفة المغلوب على أمرها، فقد انتُزع مبدأ الجدارة مِمّن تقدم لخطبتها، ولم يعد أمامها إلا ما قسم الله لها مِمّن هم قابعون في طابور انتظار شغورها، حتى لو كانوا لا يعرفون من خصائصها إلا مرتبتها، وربما لا يهمهم حتى مسماها. أما إذا أردنا أن نتحدث عن نظام الترقيات للمراتب العليا، حيث المناصب القيادية، والمهام الجسام، وريادة التغيير، وإدارة دفة السفينة، فالأمر أشد وطأة وأشد سوءا وتعقيدا، وفي المقابل أشد أثرا على بيئة العمل، وعلى مكانة المنشأة في المجتمع والدور المنوط بها في منظومة الإنتاج القومي. في تلك المرحلة من الترشيحات للمناصب القيادية، نرى العجب، فلا توجد معايير أسمى من تلك التي وضعت للمراتب الدنيا، ولا يوجد تقييم لجدارة أو سجل لإبداع أو إنجاز صنعه الموظف، أو بحثٍ علمي للموظف أحدث تغييرا في نفسه أو في محيط عمله، أو فكرٍ أسهم في دفع عجلة الإنتاج إلى الأمام. ينعكس، وللأسف، أثر تلك المعايير الضعيفة على العمل، بشكل مباشر وغير مباشر، وتظهر نتائج الأداء المحبطة بشكل لا يملك أحد القدرة على تصحيحها، بسبب ضعف الضوابط التنظيمية، وكثرة الاجتهادات في تفسيرها. ثم نعود إلى أنفسنا نشتكي ونولول ونتساءل: لِم كل هذا التردي في النتائج؟ ولمصلحة مَن ينحدر الأداء الحكومي؟ والى متى تهدر حقوق الوظيفة؟ المؤسسات الحديثة بدأت توجهاتها إلى التعامل مع الموظف على أساس ربط الأجر بالأداء، هذا التوجه يحقق الحد الأدنى من الأداء والحد الأعلى من الإنصاف والعدل بين الموظفين. وبعيدا عن التقييمات الشخصية، يمكن الاستئناس بنتيجة ذلك الربط لمعرفة الموظف الجدير "بالبقاء" في الوظيفة التي يشغلها حاليا، أو البحث عمن هو أفضل منه لأداء أعباء مهامها وواجباتها، تحقيقا لسيرورة عجلة الإنتاج والتطور والتحسين المستمر.
مشاركة :