تتحرك السياسات والبرامج المالية الراهنة نحو رفع مستوى الإيرادات غير النفطية، والوصول بها في منظور الأعوام القليلة المقبلة إلى أعلى من ضعف مستواها الراهن على أقل تقدير، وتعد تلك السياسات المالية جزءا رئيسا من رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني المعمول به الآن، ويعد هدفا طموحا بكل تأكيد، ويؤمل أن يتكلل العمل على تحقيقه بالنجاح والتحقق. يقتضي العمل اللازم لأجل تحقيق هذا الهدف المالي البالغ الأهمية، أخذ عدد من الاعتبارات التنموية والاقتصادية في الحسبان، وتتصاعد أهمية تلك الاعتبارات بدرجة كبيرة جدا، نظرا لارتباطها وتأثيرها القوي في الأداء الاقتصادي المحلي بوجه عام، إلا أن من أهمها القطاع الخاص على وجه الخصوص، إضافة إلى مستويات دخل أفراد المجتمع التي تمثل الوزن الأكبر والمرجح في جانب الإنفاق الاستهلاكي العائلي (قيمة إنفاق الأسر المقيمة على السلع المعمرة وغير المعمرة والخدمات مخصوما منها مبيعاتهم من السلع المستخدمة). حيث يعول على منشآت القطاع الخاص تحمل مزيد من الأدوار والمهام، وأن تتنامى قدرته الإنتاجية، بما يعزز بدوره استقرار الاقتصاد الوطني، واستدامة نموه، وزيادة قدرته على إيجاد مزيد من فرص العمل أمام المواطنين والمواطنات، التي ستؤدي إلى زيادة وتحسين مستويات دخل الأفراد والأسر، وكل هذا سيؤدي في العموم إلى الإنفاق الاستهلاكي الخاص، ليعود بالربحية المتنامية على الثروات ورؤوس الأموال الوطنية التي تم ضخها في قنوات الاستثمار المحلية. لذلك لا بد من اهتمام القائمين على ترجمة السياسات المالية، الهادفة إلى الإيرادات غير النفطية، ودراسة الآثار المحتملة لأي قرارات أو إجراءات تتعلق بأي عنصر من عناصر تلك الإيرادات، والتأكد التام من أن أي زيادات في أي عنصر منها سيتم العمل على تحقيقه، لن يؤدي إلى إلحاق الضرر بمقدرات الاقتصاد الوطني وركائز استقراره عموما، وتحديدا لن تترتب عليه أضرار جسيمة قد تفوق بحجمها المكاسب المستهدفة من تلك الزيادات في أي عنصر من عناصر الإيرادات غير النفطية. لا يقف الأمر عند هذا الحد فحسب؛ بل لا بد من أخذ الحيطة والحذر من أن يتسبب العمل على زيادة أحد عناصر الإيرادات غير النفطية في انخفاض التدفقات الداخلة من عنصر فرعي آخر، وتتصاعد الأهمية القصوى هنا إذا كان العنصر الفرعي الذي دفع الثمن هنا، يحظى بأولوية وأهمية تفوق كثيرا العنصر الفرعي الآخر الذي تم العمل على رفع تدفقاته الداخلة! بالنظر إلى العناصر الفرعية التي تشكل في مجموعها الإيرادات غير النفطية حسبما ورد في آخر بيان للميزانية الصادر عن وزارة المالية نهاية العام الماضي، سنجد أنها بلغت 13 عنصرا، حددها البيان حسب التالي: رسوم المنتجات البترولية، الرسوم الجمركية، رسوم وأجور الخدمات العامة، حصة الحكومة من قطاع الاتصالات، الأوراق ذات القيمة (الجوازات والإقامات ونحوها)، ضرائب الدخل الأخرى، الإيجارات والمبيعات، الاستثمار، الإيرادات المتنوعة، الزكاة (تودع في حساب مؤسسة النقد العربي السعودي، وتصرف مباشرة على مستحقي الضمان الاجتماعي، إضافة إلى ما يعتمد بالميزانية لصرف مستحقاتهم)، رسوم وأجور خدمات الموانئ، رسوم التأشيرات، والمقابل المالي للتعدين. بلغ مجموعها بنهاية 2015 نحو 163 مليار ريال، احتل المرتبة الأولى من حيث المساهمة الأكبر عنصر دخل الاستثمار بنحو 37 مليار ريال (22.7 في المائة من الإجمالي)، تلاه في المرتبة الثانية عنصر الإيرادات المتنوعة بنحو 25.5 مليار ريال (15.6 في المائة من الإجمالي)، فيما حل في المرتبة الثالثة عنصر الرسوم الجمركية بنحو 25.0 مليار ريال (15.0 في المائة من الإجمالي). لا يمكن على الإطلاق فصل تأثير أي تغيير في تلك العناصر عن الأداء الاقتصادي، والعكس أيضا صحيح لا يمكن عزل أي تطورات تتم في الاقتصاد الوطني عن أي من عناصر الإيرادات غير النفطية، خذ على سبيل المثال؛ أي زيادة أو انخفاض في التجارة الخارجية ستنعكس فورا على إيرادات الرسوم الجمركية. كما لا يمكن أيضا فصل تأثير أي تغيير في أي عنصر من الإيرادات غير النفطية على بقية العناصر الأخرى، مثال ذلك؛ أي تغير بالزيادة أو النقص في رسوم وأجور الخدمات العامة أو رسوم التأشيرات، لا شك أنها ستنعكس على قيمة التدفقات الداخلة من الإيرادات المتنوعة، أو ضرائب الدخل الأخرى، أو الزكاة. يتطلب العمل على تنفيذ وترجمة السياسات المتعلقة بتعزيز الإيرادات غير النفطية، اتخاذ كثير من التدابير والإجراءات ذات الأفق الواسع، الذي يأخذ بعين الاعتبار جوانب بالغة الأهمية تنمويا واقتصاديا وماليا حتى اجتماعيا، كما يتطلب ضمان استدامة التنمية والنمو الاقتصادي الكلي، عدم التسرع أو الاستعجال الذي قد يحقق زيادة كبيرة في التدفقات الداخلة لعدد من العناصر المحددة خلال فترة قصيرة، لكنه قد يأتي على حساب الأداء الاقتصادي الكلي، أو على حساب عناصر أخرى من الإيرادات غير النفطية، لا تقل أهمية بأي حال من الأحوال عن العنصر أو العناصر التي طرأت عليها زيادة، دع عنك إذا كانت تتسم بأهمية أعلى، فستكون النتائج حينئذ وخيمة جدا لا قدر الله. إن أهمية ضمان الاستقرار الاقتصادي، واستدامة النمو، تقتضيان بالدرجة الأولى ونحن نتحرك بخطى جادة ودؤوبة نحو تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، اتسام العمل المتكامل من الأجهزة الحكومية وشريكها الاستراتيجي ممثلا في كيانات القطاع الخاص، بـ(1) التوازن. (2) الرؤية الأكثر شمولا للمتغيرات كافة. (3) عدم التسرع لأجل تحقيق أهداف قصيرة الأجل، الذي قد يترتب على نتائجه المتحققة سريعا، ما قد يعرقل تماما أو يهدد بدرجة عالية، الجهود والبرامج والسياسات الأخرى الساعية إلى تحقيق أهداف مهمة لـالرؤية الشاملة 2030، التي لا تقل أهمية دون أدنى شك عن غيرها من الأهداف، إن لم تكن تعلو عليها أهمية وأولوية. والله ولي التوفيق. نقلا عن الإقتصادية
مشاركة :