في أعقاب بضعة أيام في عالم كرة القدم أصابت الجميع بالصدمة، أجد نفسي مضطرًا للاعتراف بأنني، مثلما الحال مع كثيرين داخل صناعة كرة القدم، لا أجد في نفسي هذا القدر من الصدمة حيال مزاعم الفساد التي طفت على السطح أخيرًا. وأعتقد أن كرة القدم كانت بحاجة حقًا لصيحة إيقاظ قوية منذ فترة. وباعتباري عملت وكيلاً معتمدًا من جانب اتحاد الكرة على مدار قرابة 6 سنوات، ثم أعيد تصنيفي وسيطًا مسجلاً ومعتمدًا لدى اتحاد الكرة الإنجليزي منذ أبريل (نيسان) 2015، يمكنني القول إن الحقيقة المؤسفة أن مزاعم وقصص الفساد من الأمور الشائعة بمجال كرة القدم. بطبيعة الحال، قد لا تعدو تلك مجرد شائعات، لكن خبراتي تؤكد وجود ممارسات منحرفة على نطاق واسع. وكان من شأن شعوري بالسخط حيال مثل هذه الممارسات نعت بعض أقراني لي بـ«الصبي الكشاف». بطبيعة الحال، هناك كثير من الوسطاء والوكلاء الآخرين الذين يلتزمون بالعمل في إطار القواعد المقررة وبما يخدم مصلحة عملائهم على النحو الأمثل. ومع ذلك، فإنه سيكون من قبيل السذاجة القول إن صناعة كرة القدم نظيفة تمامًا وخالية من التجاوزات. في الواقع، ثمة نسبة كبيرة من العاملين داخل المجال يتطلعون نحو الالتفاف على القواعد المقررة لتحقيق مكاسب شخصية على نحو يتنافى مع العمل على خدمة مصالح عملائهم. وبالنسبة للوسطاء والوكلاء عاقدي العزم على العمل على النحو الصائب، ليس من السهل التزام القواعد والتنظيمات والعمل على نحو أخلاقي تمامًا، خصوصًا أننا نهاية الأمر لا نتلقى تشجيعًا أو حافزًا من جانب السلطات المعنية مقابل ذلك. وقد يشعر البعض بإغراء لتجاوز القواعد عندما يرون أنه يجري تطبيقها بصورة جزئية أو عندما تكون العقوبات المترتبة على اختراق القواعد هينة بعض الشيء. ورغم أن كثيرين يشعرون بالفزع حيال ما يمكن حدوثه على أرض الواقع، مرت صور السلوك الفاسدة من دون حساب لمدة طويلة، بما يكفي لأن تصبح أمرًا مقبولاً وتتحول إلى جزء لا يتجزأ من ثقافة كرة القدم. والآن، يرغب البعض في رؤية تغيير وتطور وتحرك نحو الأفضل على صعيد كرة القدم. ومع ذلك، اختارت كثيرًا من الأطراف الفاعلة التي بإمكانها تغيير الوضع الراهن الوقوف دون حراك. وقد يعود ذلك إلى الرغبة في النأي عن المشكلات، أو الاهتمام الشديد بمسألة التمويل أو ربما لافتقاد الاهتمام ببساطة والرضا عن الوضع القائم. وبدلاً من محاولة تفكيك العبوة الناسفة، نجد أنفسنا مضطرين الآن للتعامل مع التداعيات والأضرار الخطيرة، التي كان يمكن تفادي كثير منها. ويبقى التساؤل الآن: كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟ سيلقي كثيرون باللوم هنا على عاتق الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وذلك لـ«تخليه» عام 2015 عن التنظيمات القائمة لعمل الوكلاء الرياضيين وإقرار تنظيمات مؤقتة. وكان من شأن ذلك، نقل بعض من السلطة من «فيفا» إلى اتحادات الكرة الفردية. وبذلك، لم يعد هناك وجود للوكلاء الكرويين بمختلف أرجاء العالم (بخلاف فرنسا)، واضطروا لإعادة تسجيل أنفسهم وسطاء لدى الاتحادات الوطنية التي يتبعونها. ورغم أن إطار العمل العام منح «فيفا» سلطة مطلقة، فإن مسؤولياتها تقلصت. أما المنطق الذي اعتمدت عليه «فيفا» في ذلك، فكان أنه ليس بإمكانها تنظيم الأمر، وأن الاتحادات الفردية أكثر قدرة على التنظيم، وبالتالي جرى نقل جزء من السلطات والمسؤوليات إليها. وكان من المقرر أن تتولى الاتحادات الوطنية تنظيم شؤون الوسطاء، ما دامت ملتزمة بإطار العمل العام الذي أقرته «فيفا». وعليه، نجد أنفسنا الآن في مواجهة نظام ممزق دوليًا فيما يخص نشاط الوسطاء، في ظل وجود تنظيمات مختلفة تحكم النشاطات بكل دولة. وبذلك، ربما وجد اتحاد كرة القدم الإنجليزي نفسه في مواجهة مسؤولية صعبة لم يكن يرغب في تحملها. الملاحظ أن ثمة ممارسات عدة تقع بمنطقة رمادية ويتعين إجراء نقاش حولها، من بينها ملكية الطرف الثالث، وكذلك «الازدواجية» التي يعمل في إطارها وسيط ما لحساب لاعب ما والنادي البائع/ المشتري، بموافقة الأطراف المعنية، ثم يتلقى أجره من كلا الطرفين. ومن القضايا الأخرى «الانتقال»، التي بمقتضاها يمثل وسيط لاعبًا ما، ثم يغير موقفه ليمثل ناديًا ما، فيما يخص هذا اللاعب، سواء وقت إجراء الصفقة أو في فترة ما لاحقة. ويمكن أن تنطوي جميع الممارسات سالفة الذكر على تعارض مصالح فيما يخص خدمة مصلحة العميل. وعلى مدار سنوات عديدة، حرصت أنا وكثيرون ممن عايشوا تجارب مشابهة، على تسليط الضوء على الإجراءات الواجب اتخاذها وتقدمنا بمقترحات حيال كيفية تنفيذها. إلا أننا لم نجد أمامنا سوى حائط من الصمت المطبق. من جانبي، تتمثل إحدى أولوياتي في إقرار نظام اعتماد للوكلاء، بحيث تشكل أرفع معايير الممارسة. وقد تقدمت بورقة عمل إلى كثير من الأطراف الفاعلة داخل مجال كرة القدم للنظر في مسألة اعتماد الوكلاء، بجانب مقترح لبذل جهود تثقيفية على نطاق واسع داخل صناعة كرة القدم بخصوص نشاطات الوسطاء. وقد استجاب البعض بصورة إيجابية لما تقدمت به، لكن كثيرين آخرين لم يكلفوا أنفسهم مشقة الرد. في الواقع، تؤثر نشاطات الوسطاء على اللاعبين والمدربين والأندية والاتحادات وأخيرًا الجماهير، فلماذا إذن لا تتعاون الجهات المعنية لتناول المشكلات القائمة؟ بدلاً من ذلك، عاشت هذه الجهات في حالة مرضية من الإنكار أدت بنا إلى الأحداث المؤسفة التي شهدناها هذا الأسبوع. أينما وُجدت الأموال وجدت الأعمال القذرة والفساد، وأينما وجد الفساد فثم التربح السريع. كان ما كشفته صحيفة «ديلي تلغراف» عما قاله مدرب إنجلترا، سام ألاردايس، متسقًا إلى حد معقول مع ميثاق العمل الصحافي. كان هناك شك أولي بوجود مخالفة، ولم تكن هنالك سبيل أخرى لتأمين الأدلة. عندما سُئِل رئيس اتحاد الكرة الإنجليزي السابق ديفيد بيرنستين عن الفساد في كرة القدم في وقت سابق، استمر في ترديد مقولة «لا شيء مثبت بالأدلة». لكن هذه هي مشكلة الرياضة الدولية. لا يمكن إثبات أي شيء أبدًا، إذا ترك الأمر للرقابة الذاتية. انظر إلى اللجنة الأولمبية، والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) واتحاد الدراجات، واتحاد الكريكيت، ورياضيي ألعاب القوى. لقد ضرب عفن الفساد كل هؤلاء بدرجات متفاوتة. وقد استلزم الأمر من الصحافيين - البريطانيين في الغالب - إخضاعهم إلى درجة من المحاسبة الأولية على أقل تقدير. تعاني الإدارة الخارقة من مصيبة عدم المحاسبة. لا أحد مسؤولاً أمام أحد. يرتفع مد من الأموال ليغطي كل الخطايا. كذلك يضرب غياب المحاسبة الأمم المتحدة وجميع هيئاتها، كما يضرب الاتحاد الأوروبي، والمؤسسات الدينية والمؤسسات الخيرية الدولية. لكن الرياضة تتضرر بشكل خاص بغياب المحاسبة، لأنها تغرق في أموال البث التلفزيوني، والمجد الذي تجلبه الهيبة السياسية بفعل الانتصار العالمي. بدا أن الجميع في «شارع كرة القدم» يعرف ما كان يتحدث عنه ألاردايس. كل ما هنالك أنهم لم يريدوا لذلك أن يصبح معروفًا لآخرين. وما دام انغمس هؤلاء الأشخاص في جشع الرياضة الدولية، فإن الإحراج هو العقوبة التأديبية الوحيدة التي سيعترفون بها. ولهذا هم لا يخشون بحق إلا الصحافي الاستقصائي.
مشاركة :