كشفت دراسة صادرة عن جامعة الملك خالد أن الشاعر حمزة آل فتحي، أحد شعراء منطقة عسير، وظّف المكان في مجموعاته الشعرية توظيفا حيا، جعلت الوقوف عليه موضوعا ذا أهمية في الدراسات النقدية، ومن خلال النماذج التي تم اختيارها في الدراسة تبين أن المكان لديه يمثل قيمة مهمة تناسب الموضوعات التي نظم فيها. وجاءت الدراسة بعنوان (دلالة المكان من المعنى إلى معنى المعنى، قراءة في نماذج من شعر حمزة آل فتحي)، من إعداد الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية بكلية العلوم والآداب للبنات في محايل الدكتور زياد محمود مقدادي. ووقفت الدراسة على أربع مجموعات شعرية للشاعر، وهي: توهجات النيل، وسليل الثورة، وحدائق سبأ، وخمائل محائل. وبعد قراءة تلك الأعمال تبين أن الشاعر استخدم المكان في شعره بصورة واضحة، مما جعل دراسة هذا الجانب مستوفاة، لأنه مثل ظاهرة في أعماله الشعرية، ونظرا لمحدودية الدراسة، فإنها ركزت على نماذج مختارة ساعدت على تحديد خصائص المكان الوارد في النصوص المدروسة، وتبيين دلالات ذكرها في النص الشعري. ووقفت الدراسة على مقصدية الشاعر في توظيفه المكان في النص الشعري، متجاوزة المعنى للولوج إلى معنى المعنى، محاولة بذلك اكتناه أسرار النص وعلاقة المبدع بالمكان، لأن الحديث عن معنى المعنى في هذا الجانب يكشف للمتلقي أدبية استخدام المكان في النص الشعري. وحددت المكان عند الشاعر حمزة آل فتحي، بناء على الغرض الذي نظمه، وعمدت إلى تقسيمه إلى ثلاثة أقسام، هي المكان السياسي، والمكان الاجتماعي، والمكان العلمي. واستعرضت الدراسة نماذج مختارة من شعر حمزة آل فتحي الذي وظف المكان في أعماله الشعرية توظيفا جماليا ساعده على تحقيق جانب مهم من الدلالة والصورة ذات العلاقة بالمكان. و حرصت الدراسة على ربط المكان بذاتية الشاعر، ومحاولة استقصاء العوامل والأسباب التي دعته لتوظيفه، كاشفة الدلالات المرادة منه، وذلك بالتحليل الفني للنماذج المختارة التي ترتبط بعنوان الدراسة. واستنتجت أن الشاعر حمزة آل فتحي وظف المكان في مجموعاته الشعرية التي تناولتها الدراسة توظيفا حيا، مما جعل الوقوف عليه موضوعا ذا أهمية في الدراسات النقدية. وظهر المكان في عمل الشاعر بصور متعددة، ومن ذلك المكان السياسي الذي هو المكان الذي كان للأحداث السياسية أثر في بروزه في النص الشعري، والمكان الاجتماعي وظهر نتيجة تعلق الشاعر به في سنين حياته، والمكان العلمي وهو الذي يرتبط بحياته العلمية من دور علم وغيرها، والمكان الوعظي أو الديني، وهو المكان الذي تغلب عليه صفة الوعظ أو الذي تشد الشاعر تجاهه عاطفته الدينية، وغير ذلك من أنواع المكان. واكتفت الدراسة بتحليل ثلاثة أنواع من المكان، فبدأت بالمكان السياسي الذي كان بارزا على غيره من أنواع المكان من حيث الاستخدام، لأن الشاعر يكثر من نظم الشعر ذي الطابع السياسي، ثم برز المكان الاجتماعي، فالعلمي. ويلاحظ أن الشعر السياسي غلب على غيره من الأغراض الشعرية لدى الشاعر، ولعل الأحداث السياسية المحيطة بالمنطقة لعبت دورها في التأثير في شاعريته فانعكست على إبداعه، فالمجموعات الشعرية التي وقفت عليها الدراسة صدرت إبان اشتعال الأحداث السياسية في المنطقة العربية. ويتجه الخطاب السياسي في أعمال الشاعر باتجاهات متنوعة، فتارة يعبر عما ألم بالأمة من مصاب، وما آلت إليه أحوالها، وأحيانا يقصد رسم المقاومة في المكان المذكور، ويعكس توظيف المكان بهذه الصورة حاجة الشاعر لسماع صوته المنادي بضرورة تحرير البلاد المغتصبة، فالحس القومي الجمعي يظهر بمشاعره تجاه بلاد عربية مضطهدة كفلسطين والعراق، ويأتي هذا الإحساس انعكاسا لحاجة الفن للتفاعل مع مشاعر مبدعة. وفي المكان الاجتماعي تغنى الشاعر بمدينة محائل، مفردا مجموعة شعرية مستقلة بعنوان (خمائل محائل)، وهي المدينة التي عاش وترعرع فيها، فشده سحرها وعبقها، فنظم فيها قصيدتين بعنوان (خمائل محائل، ومحائل الآمال). وفي المكان العلمي، ظهر أثر الرحلة العلمية في إبداع الشاعر حمزة، حيث يجد القارئ لشعره أنه مليء بالإشارة إلى أماكن زارها طلبا للعلم والمعرفة، ومن ذلك قصيدته التي نظمها بعنوان (تحية لكلية دار العلوم). وهي الكلية التي حصل فيها على درجة الماجستير ، كما يجد المتتبع لشعره اهتمامه بما يقام من معارض للكتب العلمية، ومن ذلك ذكره لمعرض دولي للكتاب أقيم في عكاظ. ودعت الدراسة إلى التركيز على أسلوب الشاعر اللغوي عند الحديث عن المكان، لأن ذلك يساعد على إبراز معالمه التي تساعد على كشف مراده أمام المتلقي الذي يقف مقابلا له لتناول نصه، معتمدا على تنويع تلك الأساليب. ويرى الدارس أن مثل هذا النوع من العمل الفني يستدعي التدقيق والدراسة الفنية المتكاملة التي تستطيع أن تعكس موضوعيته، وتبين شاعرية مبدعة في آن واحد. كما أوصت الدراسة المختصين بالعناية بالشعر السعودي الحديث، لا سيما نتاج الشعراء الذين لم يتمكنوا من نشر أعمالهم الفنية، لما لتلك الأعمال من قيمة في رسم صورة الواقع وإبرازها من جانب، والتعبير عن نفسية أصحابها من جانب ثانٍ، علاوة على ذلك القيمة الفنية لشعر هؤلاء المبدعين الذيم ينتظرون الدراسات النقدية التي تكتشف إبداعاتهم
مشاركة :