أعزي البشرية جمعاء بذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام، وأسأل الله أن يتقبل عزاء المؤمنين ويجعله في ميزان أعمالهم، حيث روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء على الحسين بن علي عليهما السلام فإنه فيه مأجور. وأيضا روي عنه عليه السلام قوله: بكى علي بن الحسين عليه السلام عشرين سنة، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له: أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له: ويحك إن يعقوب النبي عليه السلام كان له اثنا عشر ابنا فغيب الله واحدا منهم، فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه، واحدودب ظهره من الغم، وكان ابنه حيا في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني؟ منذ سنين يتجدد في موسم عاشوراء، الجدل الشيعي - الشيعي حول كيفية إحياء العزاء وحدود الجزع على سيد الشهداء. وللأسف تمادى بعضهم - بحجج متنوعة - على حق الآخر بالعمل وفق تكليفه الشرعي، بل أن أحد الخطباء البارزين - وهو على منبر حسيني - وصف البعض الآخر من المعزين، بالنعاج، واتهمهم بالتآمر ضد التشيع، وأقسم بأنه لو ظفر بهم سيدفنهم في بالوعة وهم أحياء! لذلك لا شك في أننا بحاجة إلى إرشاد أبوي يجمعنا بحياديته. هذا الارشاد الابوي تجسد - قبل أيام قليلة - في توصيات عامة من المرجعية الدينية العليا موجهة للخطباء والمبلّغين، تضمنت عشرة ارشادات ونصائح. ولكنني سأكتفي بعرض التوصية الثامنة فقط، نظراً لارتباطها المباشر بموضوع المقال، حيث جاء فيها: «ان يتسامى المنبر الحسيني عن الخوض في الخلافات الشيعية سواء في مجال الفكر او مجال الشعائر فإن الخوض في هذه الخلافات يوجب انحياز المنبر لفئة دون اخرى او إثارة فوضى اجتماعية او تأجيج الانقسام بين المؤمنين، بينما المنبر راية لوحدة الكلمة ورمز للنور الحسيني الذي يجمع قلوب محبي سيد الشهداء (عليه السلام) هي مسار واحد وتعاون فاعل». حرص المرجعية العليا على حيادية المنبر نابع من إدراكها بأهمية دور الخطباء في القضية الحسينية، ولقدرتهم على ترسيخ آثارها في النفوس والقلوب، حيث جاء في مقدمة البيان: «يطل علينا شهر محرم الحرام ونستذكر من خلاله اعظم حركة قادها المصلحون في مجال تطوير المجتمعات وبعث ارادة الامم وإصلاح الأوضاع، ألا وهي الحركة الحسينية المباركة، واستذكار هذه الحركة المباركة يلقي على عواتقنا نحن اتباع الامام الحسين بن علي (عليه السلام) مسؤولية كبرى وهي مسؤولية الحفاظ على استمرار هذه الحركة وترسيخ اثارها وأبعادها في النفوس والقلوب، ولا يخلو انسان حسيني من نوع من مسؤولية سواء كان عالما دينيا او مثقفا او متخصصا في مجال من مجالات العلوم المادية والإنسانية المختلفة، فكل منا يتحمل مسؤولية الحفاظ على هذه الثورة الحسينية المباركة من خلال اصلاح نفسه وأهله وأسرته ومن خلال قيامه بتوعية المجتمع الذي حوله بأهمية هذه الحركة وعظمة هذا المشروع الحسيني العظيم، ولكن الخطباء يتحملون المسؤولية الكبرى بلحاظ انهم يجسدون الوجه الاعلامي لحركة عاشوراء ولمشروع سيد الشهداء (عليه السلام)». هذه الدعوة المباركة من المرجعية العليا، لاستيعاب الاختلاف بين المدارس الشيعية خلال شهر محرم الحرام، سواء في مجال الفكر او مجال الشعائر، تتوافق مع رأي المرجع الديني الراحل السيد الخميني الموثّق في «تحرير الوسيلة» كتاب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» فصل «القول في شرائط وجوبهما»، حيث جاء في مسألة (٢): «لو كانت المسألة مختلف فيها واحتمل أن الفاعل أو التارك رأيه أو تقليده مخالف له، ويكون ما فعله جائزاً عنده، لا يجب، بل لا يجوز إنكاره، فضلاً عما لو علم ذلك». مجتمعاتنا بحاجة إلى أقطاب ورموز يحترفون الدور الإرشادي الأبوي الذي يرسخ ثقافة التعددية الحاضنة لجميع أبناء الوطن، باختلاف توجهاتهم العقائدية وممارساتهم التعبدية، لأننا نعاني من تبعات اصرار بعض التيارات السياسية الدينية على إدارة العقائد والعبادات، على مستوى الطائفة أو الديانة أو الوطن، ومعاداتها للتعددية الدينية المصانة دستوريا، في حين أنها تتقبل التعددية في مواسم الانتخابات، وتسعى إلى تشكيل تحالفات انتخابية تضم توجهات سياسية ودينية مختلفة بذريعة الوحدة، ليس إيماناً منها بالوحدة التكاملية، بل تكتيك انتخابي يمكنها من تخطي استياء الشارع من أداء نوابها ويؤمن لهم مقاعدهم البرلمانية... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه». abdnakhi@yahoo.com
مشاركة :