الأدب الإسباني: قلق الاعتراف

  • 3/4/2014
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

إننا ونحن نفتح أبوابنا مشرعة لإسبانيا كضيف شرف في الملتقى الثقافي الدولي (معرض الرياض الدولي للكتاب 2014)، فإننا نسعد بفتح ملف خاص لقراءة الأدب الإسباني. وبداية يمكن القول إن الوعي بالهوية الذاتية يفترض وجود الآخر، وإسبانيا من قبل لم تكن كذلك فكان أدبها (كالمنبت الذي لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع)؛ لم تكن له هوية معينة قدر انتمائه لأشخاص حملوا ما يسمى (بالتضاد العاطفي)، لأن الوعي عند هؤلاء لم يشعر بوجود الآخر خاصة قبل الحرب الثانية، إلا أن الأيام والسنين قد جعلت من يحمل مشعل الإبداع يشعر أن هناك (عناصر) غريبة ظهرت بطريقة ما في الثقافة الإسبانية، وهي عناصر جاءت من هنا؛ ومن هناك, خاصة من العنصر العربي الإسلامي الذي لعب دوراً خاصاً وظاهراً في كثير من جوانب هذه الثقافة. ظهر ذلك بعد أن أخذت إسبانيا تتسامح، بل تتجاوز مسألة الصراع العقدي, وذلك بعد (الحرب) الفرنكونية، إلى مسألة التواد والتصالح وتبادل الأفكار والرؤى, وما إلى ذلك من علاقات أخذت تظهر في الأفق بين العالم الإسلامي وإسبانيا. تصارع الأنا والغير أشعر وأنا أقلّب بعض صفحات الأدب الإسباني في أن هناك انفصالاً بين (الأنا والغير), خاصة أيام (الفرانكوية) وما قبلها, ثم تحوّل هذا الانفصال إلى صراع جعل هوية الأدب تعيش اضطراباً، ذلك لأن (الهوية) كما عرّفها (إريكسون) Eriksson تعني إدراك الفرد بذاته ككيان في صيرورة دائمة وإدراك الآخرين بوجوده، وهذا لم يتوافر في هذه المرحلة، ذلك (لأن الوعي بالهوية الذاتي يفترض وجود الآخر)، والأدب في هذه المرحلة بالذات قد نفر من الآخر، في حين أن الآخر يمثل مرحلة مهمة من مراحل علاقات الآداب بعضها ببعض، وإذا ترك هذا الآخر، فإن هذا الأدب يفقد مرحلة مهمة تجعله يعيش في فلك غير فلك الاعتراف بوجوده، وبالتالي افتقاده لما يسمى بـ(الحوارية)، والحوارية وكما أكّد (ميخائيل باختين) تمثل طبيعة من طبائع العقل الإنساني، وأن هذا الإنسان لن يعيي بذاته إلا عبر وعي الآخرين. إن الأدب بشكل خاص يمثل مرآة عاكسة للمجتمع، أو لنقل ينبغي أن يكون هكذا، والأدب الإسباني في هذه المرحلة –أقصد أيام الفرانكوية وما قبلها- كان يمثل مناغاة ذاتية منفصلة، وهي مناغاة لم تحفل بالآخرين، ليس إهمالاً, قدر ما هو عدم إدراك لأهمية الآخر نتيجة لتراكمات ذاتية ونفسية زرعتها الكنيسة من قبل خاصة بعد ما سُمي (بحروب الاسترداد) كما هي تراكمات جعلت من قوة التمدد العسكري عنواناً لها، وهو عنوان جعلها في عزلة شبه تامة –أقصد فكرياً- بل تعيش ركوداً أدبياً خاصة في القرن الثاني عشر. إن من تلك التراكمات: (كراهية الماضي) خاصة العربي الإسلامي، وهذه الكراهية قد مثّلت عُقداً جعلت ما كتب في هذا الميدان –أقصد الميدان الأدبي- يدور في فلك الذات البحتة وإن التفتت في بعض الأحايين إلى ما أسمته بالجذور الخاصة بالإسبان، وهي جذور في معظمها خرافية، دلّ على ذلك ما دونته الكتب والبحوث. ولأن هذا هو الواقع، فإننا نجد كاتباً مثل (خوان غويتيصولو) يقول: (أعتقد أنه قد حان الوقت بالنسبة لأي إسباني في القرن العشرين لأن ينظر إلى ماضيه بدون عقد)، وهي (عقد) جعلت التخلّف الثقافي عنواناً للثقافة الإسبانية خلال ثلاثة القرون الأخيرة، بينما أوروبا تعيش ما سمي بعصر التنوير. إن ذلك الواقع قد دفع المثقفين والمفكرين الإسبان لأن يبذلوا جهداً متعمداً للحدّ من هذا التخلف عن طريق طرح فكرة (أربنة) إسبانيا، ورفض كل ما كان من تاريخها يتعارض مع صورة بلد غربي أوروبي، وهي دعوة (تصالحية) قد حملت في ثناياها رفضاً غير علني للثقافة المقدمة من غير الأوروبي, أقصد الثقافة العربية الإسلامية والتي تنبه لها فيما بعد عدد من المثقفين الإسبان بعد أن تأكدوا أن أوروبا كانت وقت تألق إسبانيا حضارياً تعيش تخلفاً ثقافياً في الوقت الذي كانت فيه (الأندلس) مورداً للأوروبيين، منه ينهلون علومهم، خاصة طليطلة، تلك التي تميزت بمكتباتها الكبرى، كما تميزت بتعايش الفئات الثلاث (المسيحية والإسلامية واليهودية) فيها، والتي منها انطلقت العلوم إلى أوروبا حيث كانت مقرّاً للدراسات اللاتينية العربية أو مدرسة المترجمين. إن التصالح الثقافي الإسباني مع أوروبا قد مَرّ دون عقد، بينما كان مع الحضارة العربية الإسلامية قد مَرّ بمراحل معقدة، زادها اشتعالاً بعض المؤرخين، خاصة أولئك الذين يكرهون الحضارة العربية الإسلامية من قبل: (كلادويو سانشيز) الذي أصيب بالذعر نتيجة انتشار فكرة الهوية الإسلامية لمنطقة الأندلس بين بعض الشباب، فأخذ ينشر المقالات في الصحف محذّراً إياهم من هذا المنزلق الخطير حسب رأيه، أو الذين يعادون الإسلام والمسلمين، من قبل: (إميليو جارثيا جوميث) الذي قال: (إن إسبانيا هي البلد الوحيد الذي دخله الإسلام ثم خرج منه، ولولا هذا لظلت إسبانيا متخلفة مثل أمم الشرق الإسلامية التي تعاني حالياً من صنوف التخلف). أقول على الرغم من كثرة العقليات، وكثرة المطبّلين، إلا أن هناك من الأدباء الإسبان ممن تنبه لأهمية الدور الذي قام به المسلمون، وما شادوه من حضارة على تراب الأندلس، وأدرك أن الواقع لم يكن بذاك التصور الذي يصوره المثبطون، من مثل الأب اليسوعي (خوان أندريس)، الذي نشر كتاباً بالإيطالية بين سنتي 1782 و1798م وسماه: (أصول الأدب عامة وتطوراته وحالته الراهنة), وقد ترجم إلى الإسبانية بين سنتي 1784 و1806م, وقد قال فيه: (بينما تصرف المدارس الكنسية جهدها لتلقين الناس الأناشيد الدينية، وتعلمهم القراءة وعدّ الأرقام، وبينما نجد الناس في فرنسا كلهم يُهرعون إلى (مِتْز وسواسون) بكتب أناشيدهم الكنائسية لكي يقوموها على النحو المتّبع في كنائس روما، نجد العرب يبعثون السفارات لاستجلاب الكتب القيمة ما بين إغريقية ولاتينية، ويقيمون المراصد لدراسة الفلك، ويقومون بالرحلات ليستزيدوا من العلم، وينشئون المدارس لتدرس فيها العلوم بشتى صنوفها). وإذا كان هذا اليسوعي قد بدا محتفياً بالثقافة العربية الإسلامية، فإن هناك أصواتاً تظهر بين الفينة والأخرى لتمثل ضداً لمثل هذا الصوت من مثل رأي (منينديث بيلايو) الذي قال: (إن الآداب اللاتينية هي الأساس، أو لنقل المؤسسات والقوانين. ألا يبدو تاريخنا منزوع الرأس حين يغيب عنه الأدب الروماني الأنيق المسيحي)، وآخر مثل الرئيس دور كلوني Cluny والمدفوع بحماسته المسيحية لمواجهة الدين الإسلامي حيث نجده قد كلّف اليهوديين: المعلم بدرو الطليطلي مع رفيقيه الصقلي هرمان الكرينتي والإنجليزي روبرت لتشير ستري لترجمة القرآن الكريم والانتهاء من ترجمته عام 1143م، حيث قررا أن الفكر العربي قد أحدث اضطراباً في العقلية المسيحية الوسطية وأنه بدلاً من محاربتهم بالسيف، ينبغي دراسة عقيدتهم وعلومهم لتتم محاربتهم بالعقل. وعلى أية حال، فإن هذه الأصوات وسواء أكانت مع أو ضد الثقافة الأخرى إسلامية كانت أم من الميراث اللاتيني والقوطي؛ قد أدّت إلى ظهور حركة ثقافية على تراب إسبانيا، وهي حركة مختلفة عن تلك التي ظهرت في أوروبا، زاد تألقها بعد المراجعة النقدية التي قام بها أدباء، من قبل: (أميريكو كاسترو، وآسين بلاثيوس)، وهما من قال عنهما خوان غويتيصولو: (إنهما فتحا عيوننا على كثير من الموضوعات حول الأهمية الثقافية التي قدمها لنا العرب، وأنا آمل أن يتعلم الإسبان من الآن كيف يفهمون ماضيهم الحقيقي؛ لأن معرفة الماضي يمكن أن تفتح أمامنا مستقبلاً حقيقياً). إن الصدامات الفكرية التي ظهرت على تراب إسبانيا قد نتج عنها ظهور حركة نقدية سابقة للآداب, ولذا نجد أن أحدهم قد قال: (إنه وبنظرة للآداب الإسبانية نتوصل كما توصل غيرنا من قبل إلى أنه لا يكاد يكون هناك موضوع للآداب الإسبانية حتى أواخر ق19، ولأن هذا هو الواقع، فإننا نجد توجهات قد ظهرت هنا وهناك في إسبانيا وبعد أن استقرت الدراسات النقدية والأدبية الحديثة في أوروبا، هذه التوجهات صدرت من لدن أشخاص يعتملون الأدب والدراسات النقدية، حيث نجدهم قد اتجهوا لدراسة الماضي الإسباني، إذ ظهرت دراسات همها الكشف عن الأعمال الأدبية للعصور الوسطى، وذلك على الرغم من أنهم (يعرفون أن دراساتهم هذه قد تكون أقل انبهاراً عن دراسات تتناول عصوراً أخرى، ولكنهم يرون أن من الفائدة الدراسة المتأنية والدقيقة حيث الإبداع النقدي الذي يتّسم بالجرأة والبحث عن النصوص والمعلومات القليلة والمتفرقة على مدار الزمن، ومن ثم تسيطر عليهم رغبة الكشف عن الغامض والسهل الممتنع بحثاً عن المعلومة الجيدة- والمسلية). إن الاهتمام بدراسة آداب العصور الوسطى قد انطلق من مدارج الجامعات الإسبانية التي تعنى بالبحث العلمي، وسعياً في تحقيق هذا الهدف (فقد سارت دراسة آداب العصور الوسطى جنباً إلى جنب مع آداب العصور الأخرى باعتبارها جزءاً من مجموعة الأخبار والأحكام التي تتعلق بأعمالها الأدبية)، ولذا نجد أن الباحثين قد اتفقوا على تأكيد أهمية هذه الدراسات باعتبارها سابقة وممهدة لإمكانية الفهم الأفضل للعصور الذهبية. إن الأعمال التي ظهرت عن هذه العصور كانت قد انطلقت على شكل أخبار وعلى يد أشخاص، مثل: (نيكولاس أنطونيو 1617 – 1684م)، وهي أخبار كانت منطلقاً لعملية التثقيف الأدبية، وفي القرن الثامن عشر بدأت دراسة الأدب من وجهة نظر تاريخية، وقد قام بهذا العمل أدباء من مثل: (لويس خوسيه 1722 – 1772م)، حيث أصدر: (بعضاً من أصول الشعر القشتالي)، ثم (فراي مارتين سارمينو 1695 – 1771م) الذي كتب: (مذكرات لتاريخ الشعر والشعراء الإسبان)، وقد ظهر هذا العمل بعد وفاته، أي في عام 1775م. لقد تواصل هذا النشاط في هذا القرن والذي كان للأكاديميات التي أنشئت في مدريد وإشبيلية وبرشلونة وفي مدن أخرى الدور الفاعل فيه، فهي المحرك لحركة التثقيف، فقد ظهر منها وعبرها العديد من المثقفين والنقاد الذين ركزوا في أبحاثهم ودراساتهم على أدب العصور الوسطى، وخرجوا بنتائج هي نفسها التي ظهرت في بقية البلدان الأوروبية ذات الإرث الثقافي الجرماني الروماني. إننا لن نطيل في هذه المسائل، فقد كفتنا مؤنة البحث في الكتب والبحوث التي قام بها عديد من المتخصصين، لكن الذي ينبغي أن نؤكد عليه وفي مثل هذه المرحلة أن النظرة إلى التراث العربي الإسلامي قد تغيّرت، حيث نجد الكثير من الأدباء قد أدركوا قيمة التراث الأندلسي بعد قراءته، بل إن الشعراء أخذوا يستلهمونه في أشعارهم وكتاباتهم ذلك لأنهم وجدوه مجالاً ثراً بل إن فيه ثراء، أكّد ذلك العديد من النقاد والذين خرجوا بنظريات جديدة تختلف عن تلك النظريات التي ظهرت على الساحة الأوروبية، ومن هؤلاء خوان رامون خيمينيث وجارثيا لوركا وأنطونيو ماتشادو ومانويل.. وسواهم، وهم أعلام أدخلوا إسبانيا علماً آخر، هو علم المنافسة الفكرية لأوروبا لدرجة فوز (خوان رامون) بنوبل في الآداب. إن نزعة الاعتراف بالفكر العربي في الأندلس أخذت تتزايد بمرور الزمن (حتى أصبحت الغالبية العظمى من المثقفين الإسبان لا تأنف من ذكر ماضي إسبانيا العربي بعكس ما كان يحصل في قرون سابقة)، ونتيجة لهذا الاعتراف فإننا نجد أن الناقد (بدرو مونتابت) قد قال: (إن الإسباني غير مطالب بالنظر إلى الخارج، بل يكفيه أن ينظر إلى داخله، المساحة في جزء منها تبدأ من داخل أنفسنا، وهذا يُفردنا بين الشعوب الأوروبية الغربية الأخرى)، وقال عن التراث الأندلسي: (إننا نتقاسمه مع العرب كميراث مستمر وذاكرة جمعية، وأيضاً تجب المحافظة عليه في أعلى درجاته كمشروع ثقافي يتخطى الزمان والمكان، الأندلس انتهت كواقع تاريخي، لكنها تبقى كواقع رمزي وسبب لا يبارى للقاء والتأثير المتبادل). الشعر والقصة في إسبانيا ظهر في إسبانيا تصارع من نوع آخر، وهو نوع جديد يتمثل في ظهور تيارات فكرية على أرض أوروبا، ثم انتقلت إلى إسبانيا لتتصارع على ترابها وعلى يد كتاب ونقاد وشعراء إسبانيين أو يتكلمون باللغة الإسبانية، إذ كل واحد منهم أخذ ينتصف للرؤى والأفكار التي تأثر بها أو تعلّق بها، ففي أواخر القرن التاسع عشر وحتى العقد الأول من القرن العشرين ظهرت حركة ترمي إلى إعادة بناء الأدب الإسباني وقد عُرف أصحابها باسم جيل 1898م، وكان أغلبهم من كتاب المقالة مثل: ميجيل دي أونامونو وأنورين؛ وفي الوقت ذاته ظهرت حركة أخرى اسمها (حركة المحدثين) وعلى رأسها الشاعر النيكاراجوي (روبن داريو) الذي يعد من أعظم نماذج الأدب الإسباني في القرن العشرين في ميدان المقالة والشعر، وقد ظهر في هذه الفترة وما بعدها شعراء من مثل: خورخي جويلين وفيديريكو غارثيا لوركا، ورفائيل ألبرتي، ومن المعاصرين خوان رامون خيمينيث وأنطونيو تشادو، ومن أشهر كتاب المقالة ميغيل دو أونامونو وأورتيجا أي جاسيت ورامون جوميث دي لاسيرنا، وهي حركة تجمع بين ثراء الشكل والموسيقى والتعبير بمفاهيم جديدة تحقق الخصوبة للشعر الغنائي، وفي خضم هذا الصراع ظهر جيل جديد سمي بجيل 1927م، وهو جيل يحتفي بالتراث الشعبي (الجونجور يسمو) كما ظهرت حركة أخرى (الأولترا يسمو) أو الماورائية، وهي حركة أدبية ظهرت استجابة للرغبة المعلنة لمواجهة تيار الحداثة والتي ظهرت بوضوح في الشعر الإسباني في أواخر القرنين 19 و20, وقد انطلقت هذه الحركة من الصالونات الثقافية والأدبية بالمقهى الاستعماري بمدريد، وكان رائدها رافائيل كاسينوس، وقد ساهم هو ومن معه في إظهار هذه الحركة الشعرية التي تتميز بمزج نتاجها الأدبي الجمالي مع نتاجات أخرى محتفظة بالخاصية المشتركة والمتمثلة في مواجهة تيار الحداثة، مع دمج عنصري: (الانتماء والمحاكاة) في الشعر، على أن هناك حركات أخرى ظهرت على المسرح الفكري الإسباني من مثل: (التكعيبية والمستقبلية والتحليلية). إنه وبعد تصارع الرؤى والأفكار بين التيارات التي ظهرت على تراب إسبانيا ووقوع الحرب الأهلية، تلك التي وقعت بين سنتي 1936 – 1939م، والتي على إثرها قتل بعض الكتاب في هذه الحرب، ومن أهمهم (لوركا)، ونفي البعض الآخر، والقطيعة التي حصلت في مسيرة الأدب؛ أقول إنه نتيجة لكل ذلك فإن (علم الأدب) في إسبانيا ظل فترة من الزمن يضمّد جراحه، وواصل المنفيون أعمالهم خارج البلاد، وفي هذه الأثناء، وفي منتصف القرن العشرين ظهر العديد من الشبان الذين اتسمت أعمالهم بتعدد مشاربها وتلوّن أفكارها متأثرة بتلك الأصداء التي كانت تُسمع من أوروبا، على أن (الواقعية) كانت عنواناً لمعظم نتاجاتهم، والبعض الآخر كان نتاجه صدى لمدارس أخرى كانت أكثر جرأة وتجريبية، وفي هذه الأثناء ظهر جيل جديد بعد (الفرانكوية)، إذ كانت انطلاقته تقريباً في عام 1977م، وهو جيل يرفض إنجاز الجيل الذي يطلق عليه: (جيل ما بعد الحرب الأهلية). إن هذه الأجيال وعلى الرغم من تعددها تلونها، وتلوّن أفكارها, قد وجدت في (إسبانيا) أرضاً محروثة ومخصبة للشعر، وأنها مستعدة لإنتاج ثمار طيبة، تلك الثمار التي تشبه الأزهار الموسمية والتي تتأثر بالأجواء المحيطة، قال خوليا كاستيو: عبر كل القرون قفزاً على كل الكوارث قفزاً على الشعارات والتواريخ تعود الكلمات إلى عوالم الأحياء تسأل عن بيتها أنا أعرف أن الشعر ليس أزلياً وقالت الشاعرة أولفيديو غارثيا فالديس: ما أقول حقيقة كل كلمة تقول منطق القصيدة الواقعية على هامش ما هو واقعي ما هو واقعي يقول الأنا في القصيدة المنطق لا يكذب ولأننا نتحدث عن الشعر، فإنني أقول ما قالت (كارلا خانيس): (إن معرفتنا بالوضع الشعري الإسباني المعاصر ليست سوى محاولات، مجرد محاولات للاقتراب)، وما ذاك إلا لتعدد مذاهبه ومشاربه، وكثرة متعاطيه وفي أماكن متفرقة من الأرض التي تتكلم بالإسبانية متأثرة بالواقع وبالحياة وبالناس. وإذا كان ذلك عن (الشعر)، فإن الرواية والفن الروائي في إسبانيا كانت أيضاً مرآة عاكسة لتصارع المذاهب الأدبية القادمة إلى إسبانيا، خاصة (المذهب الجديد)، على أن هذه المذاهب لم تنتصر في إسبانيا بسهولة، ولم يقدر لها الانتشار السريع، لكن أفكارها قد أثّرت في الكتاب، خاصة الرومانسي والواقعي، على أن رواد المذهب الرومانسي في أوروبا هم (أول من تنبه إلى القيم الكامنة في تراث إسبانيا الأدبي خلال العصور الوسطى، في الوقت الذي كان الكلاسيكيون الإسبان مُصرّين فيه على الإعراض عن هذا التراث)، وقد كان لهذا وقعه، خاصة على طلائع جيل 1898م (إذ كان القرن التاسع عشر في جملته يتميز بنوع من العودة المتفائلة إلى القيم الإسبانية الإيجابية والناتجة من تأمل الفترات المشرقة المجيدة من تاريخ إسبانيا القديم والوسيط بما في ذلك من اعتزاز بماضي إسبانيا وثقة في حاضرها وأمل في مستقبل مزهر تلحق فيه بركب الحضارة الأوروبية). لقد ظهرت في علم (الفن القصصي والروائي) في إسبانيا أجيال تمثل مذاهب وأفكاراً شتى، مثل طلائع جيل 98 (كلاريد وجانيفيت، ثم آتورين، وأونامونو وخوسيه مارتينيث رويث، وببوبا روخانيس، ثم رامون دل فاي أنكلان 1869 – 1935م، فرامون بيرين، فجابرييل ميرو، ثم ظهر جيل جديد (الجيل الطبيعي)، ثم جيل 27، وعلى رأسه بنخامين خازيس (1888 – 1949م)، والشاعر الروائي أنتونيو إسبينا وتوماس بوراس، على أن من ينتمي لهذا الجيل هم كثر. إضاءة كانت تلك وقفة مع الأدب الإسباني (شعراً ونثراً), اعتماداً على بعض الكتب والبحوث والمواقع الإلكترونية. وهي في مجملها قلقة في إصدار أحكامها أو تحديد هذا الأدب؛ خاصة في عصوره قبل السنوات الأخيرة من القرن العشرين نظراً لأن أرض إسبانيا كانت أرض صراعات فكرية، كما هي من قبل أرض صراعات عسكرية واجتماعية، كما أن تشتت من يكتب بالإسبانية وفي أماكن مختلفة من هذا العالم، كل ذلك جعل الأحكام تستعصي على من يتناول هذا الأدب، إضافة إلى ذلك تعدد الشخصيات وتلوّنها وتلوّن انتماءاتها، ولذا فإن حال أدب إسبانيا مثل حالها قبل عهدها الذي تعيشه الآن (عهد التصالح والتواد والاقتراب من الآخر). k الكاتب رجع الى عدة مصادر في مقاله

مشاركة :